الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذه الآثار صريحةٌ في خلاف ما حكاه أبو محمَّد بن حزمٍ عنه، وهو حكاها وجعلها رواياتٍ أخر، وإنَّما تمسَّك أبو محمد بآثارٍ فيها أنَّ عمر وابن عبَّاسٍ وجابرًا
(1)
فرَّقوا بين الرَّجل وبين امرأته بالإسلام، وهي آثارٌ مجملةٌ ليست بصريحةٍ في تعجيل التَّفرقة ولو صحَّت، فقد صحَّ عن عمر ما حكيناه، وعن علي ما تقدَّم، وباللَّه التَّوفيق.
فصل
في حُكْمه صلى الله عليه وسلم في العَزْل
ثبت في «الصَّحيحين»
(2)
عن أبي سعيد قال: أصبنا سَبْيًا، فكنَّا نعزل، فسألنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال:«أو إنَّكم لتفعلون؟ ــ قالها ثلاثًا ــ ما من نسمةٍ كائنةٍ إلى يوم القيامة إلا وهي كائنةٌ» .
وفي «السُّنن»
(3)
عنه: أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، إنَّ لي جاريةً وأنا أعزل
(1)
سبق تخريج الآثار عنهم قريبًا.
(2)
البخاري (5210، 6603)، ومسلم (1438).
(3)
أخرجه أبو داود (2171)، والنسائي في «الكبرى» (9031، 9034) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، وأُعلَّ بالاضطراب؛ فقد اختلف فيه على يحيى بن أبي كثير كما سيذكره المصنف، وكذلك أُعل بجهالة أبي رفاعة؛ لكن تابعه أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو أمامة بن سهل، عند ابن أبي شيبة (16870) والطحاوي في «مشكل الآثار»:(2/ 372)، وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البيهقي:(7/ 230) بسند حسن. والحديث صححه المصنف كما سيأتي، والألباني في «صحيح أبي داود- الأم» (1887).
عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرِّجال، وإنَّ اليهودَ تحدِّث أنَّ العزلَ الموءودةُ الصُّغرى، قال:«كذَبَتْ يهودُ، لو أراد الله أن يخلُقَه ما استطعْتَ أن تصرفه» .
وفي «الصَّحيحين»
(1)
عن جابر قال: «كنَّا نعزِلُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآنُ ينزل» .
وفي «صحيح مسلم»
(2)
عنه: «كنَّا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا» .
وفي «صحيح مسلم»
(3)
أيضًا عنه قال: سأل رجلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ عندي جاريةً، وأنا أعزل عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنَّ ذلك لا يمنع شيئًا أراده الله» . قال: فجاء الرَّجل فقال: يا رسول الله، إنَّ الجارية التي كنتُ ذكرتُها لك حَمَلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنا عبد الله ورسوله» .
وفي «صحيح مسلم»
(4)
أيضًا عن أسامة بن زيدٍ: أنَّ رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّي أعزل عن امرأتي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لِمَ تفعلُ ذلك؟» ، فقال الرَّجل: أشفقُ على ولدها، أو على أولادها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لو كان ضارًّا ضرَّ فارسَ والرُّوم» .
وفي «مسند أحمد» و «سنن ابن ماجه»
(5)
من حديث عمر بن الخطَّاب
(1)
البخاري (5207، 5208، 5209)، ومسلم (1440).
(2)
(1440).
(3)
(1439).
(4)
(1443).
(5)
أخرجه أحمد في «المسند» (212)، وابن ماجه (1928)، من طريق محرر بن أبي هريرة عن أبيه عن عمر رضي الله عنه ، ومداره على ابن لهيعة، وهو ضعيف ما لم يرو عنه العبادلة ومَن في حكمهم، وقد اختُلف عليه في رفعه ووقفه، والصحيح وقفُه على عمر أو ابنه، كما سيأتي في الذي بعده. وللحديث شواهد ضعيفة لا تنهض للتقوية. وضعفه الألباني في «الإرواء» (2007).
قال: «نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُعْزَل عن الحرَّة إلا بإذنها» .
وقال أبو داود
(1)
: سمعت أبا عبد الله ذكرَ حديثَ ابنِ لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن الزُّهريِّ، عن المحرَّر بن أبي هريرة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يُعْزَل عن الحرَّة إلا بإذنها» فقال: ما أَنْكَره.
فهذه الأحاديث صريحةٌ في جواز العزل، وقد رُويت الرُّخصة فيه عن عشرةٍ من الصَّحابة: عليّ
(2)
، وسعد بن أبي وقَّاصٍ
(3)
، وأبي أيوب
(4)
،
(1)
في «مسائل الإمام أحمد» (1869)، وقد خلط ابنُ لهيعة في هذا الحديث؛ فرواه على خمسة أوجه: رفَعَه تارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طريق حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده، وتارة وَقَفَه على ابن عمر، أو على أبيه، أو عليه مع إسقاط الزهري، والوجه الخامس من طريق المحرر كما هنا، قال أبو حاتم في «العلل»:(4/ 38): «هذا من تخاليط ابن لهيعة» ، ورجَّح وقفَه على ابن عمر رضي الله عنهما -، أو منقطعًا موقوفًا على عمر رضي الله عنه ، واختار الأخيرَ الدارقطنيُّ في «العلل»:(2/ 93).
(2)
أخرج عبد الرزاق (12557) عن جارية لعلي تسمى جمانة: أنه كان يعزل عنها، وفي سنده لِينٌ وجهالة. وأخرج سعيد بن منصور (2241) من طريق المنهال بن عمرو أن رجلًا سأله فرخص له فيه؛ وفي سنده انقطاع وإبهام. وورد عنه القولُ بالمنع أيضًا، بسندٍ حسن؛ كما سيأتي.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (12559، 12565) من طريق هشيم عن مصعب بن سعد: أن أباه كان يعزل عن أم ولده، وسنده صحيح. وورد عنه الجواز عند سعيد بن منصور في «السنن» (2226) وابن أبي شيبة (16599) والبيهقي:(7/ 230).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (12574) عن خارجة بن زيد أن أبا أيوب كان يعزل، واللقاء ممكن؛ فخارجة أدرك زمن عثمان، وتوفي أبو أيوب سنة (50) أو بعدها. وله طرق أخرى لا تخلو من ضعف.
وزيد بن ثابتٍ
(1)
، وجابر
(2)
، وابن عبَّاسٍ
(3)
، والحَسَن بن عليّ
(4)
، وخبَّاب بن الأرتِّ
(5)
،
وأبي سعيدٍ الخدريِّ
(6)
، وابن مسعودٍ
(7)
.
قال ابن حزمٍ
(8)
: وجاءت الإباحة للعزل صحيحةً عن جابر وابن
(1)
أخرجه عبد الرزاق (12555) من حديث الحجاج بن عمرو عنه، وسنده صحيح، ولا تضر مخالفة سفيان مالكًا فيه عند سعيد بن منصور (2227). وروى أبو يعلى في «المسند» (1050) في حديث أبي سعيد الخدري في العزل قال:«كان عمر وابن عمر يكرهان العزل، وكان زيد وابن مسعود يعزلان» . قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» : (4/ 298): «ورجاله ثقات» .
(2)
سبق تخريجه.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (12553، 12556، 12565)، وسعيد بن منصور (2228)، وابن أبي شيبة (16598)، والطحاوي في «معاني الآثار»:(3/ 41)، بأسانيد صحيحة.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (12558)، بسند ضعيف، فيه مجاهيل.
(5)
أخرجه سعيد بن منصور في «السنن» (2224) من طريق أبي هبيرة يحيى بن عباد: أن خباب بن الأرت كان يعزل عن سراريه، وسنده صحيح.
تنبيه: تصحف هذا الإسناد في «سنن سعيد» إلى: (يحيى بن عباد أن هبيرة بن خباب
…
)، والصواب (يحيى بن عباد أبا هبيرة، أن خباب
…
)؛ (فأبو هبيرة) كنية يحيى، إذ ليس لخباب ابنٌ اسمه (هبيرة) أصلًا.
(6)
سبق تخريجه.
(7)
أخرجه عبد الرزاق (12567، 12568)، وسعيد بن منصور في «سننه» (2221)، من طريق إبراهيم النخعي عنه، وسنده صحيح، وقد ورد عنه القول بخلاف ذلك كما سيأتي. انظر «معاني الآثار»:(3/ 30 - 35)، و «الكبرى» للبيهقي:(7/ 230).
(8)
في «المحلى» : (10/ 71).
عبَّاسٍ وسعد بن أبي وقَّاصٍ وزيد بن ثابتٍ وابن مسعودٍ. وهذا هو الصَّحيح.
وحرَّمه جماعةٌ منهم أبو محمد ابن حزم وغيره
(1)
.
وفرَّقت طائفةٌ بين أن تأذن له الحرَّة، فيباح أو لا تأذن فيحرم، وإن كانت زوجته أمةً أبيح بإذن سيِّدها، ولم يبح بدون إذنه، وهذا منصوص أحمد، ومن أصحابه من قال: لا يباح بحالٍ. ومنهم من قال: يباح بكلِّ حالٍ. ومنهم من قال: يباح بإذن الزَّوجة حرَّةً كانت أو أمةً ولا يباح بدون إذنها حرَّةً كانت أو أمةً
(2)
.
فمن أباحه مطلقًا احتجَّ بما ذكرنا من الأحاديث، وبأنَّ حقَّ المرأة في ذوقِ العُسَيلة لا في الإنزال، ومَن حرَّمه مطلقًا احتجَّ بما رواه مسلم في «صحيحه»
(3)
من حديث عائشة عن جُدامة
(4)
بنت وهب أخت عُكّاشة قالت: «حضرْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في أناسٍ فسألوه عن العزل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك الوأد الخفيُّ، وهي
(5)
{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير: 8]».
(1)
كما في «المحلى» : (10/ 70 - 71).
(2)
ينظر «التمهيد» : (3/ 148 - 150)، و «شرح مسلم»:(10/ 9 - 10)، و «فتح الباري»:(9/ 308 - 310)، و «المغني»:(10/ 230 - 231).
(3)
(1442).
(4)
تصحف في النسخ إلى: «جذامة، وحدامة، وحذامة» ، ينظر ترجمتها في «الإصابة»:(7/ 552)، و «تهذيب التهذيب»:(12/ 405)، و «المؤتلف والمختلف»:(2/ 899) للدارقطني قال: «بالجيم والدال غير المعجمة، ومن ذكرها بالذال فقد صحّف» . قال الحافظ: «ويقال بالخاء المعجمة» .
(5)
ن، وط الهندية:«وهي قوله تعالى» .
قالوا: وهذا ناسخٌ لأخبار الإباحة فإنَّه ناقلٌ عن الأصل، وأحاديث الإباحة على وَفْق البراءة الأصليَّة، وأحكام الشَّرع ناقلةٌ عن البراءة
(1)
. قالوا: وقول جابر: «كنَّا نعزل والقرآن ينزل، فلو كان شيء يُنهى عنه لنهى عنه القرآن» .
فيقال: قد نهى عنه مَن أُنزِل عليه القرآنُ بقوله: «إنَّه الموءودة الصُّغرى» والوأد كلُّه حرامٌ. قالوا: وقد فهم الحسن البصريُّ النَّهي من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ لمَّا ذُكِر العزلُ عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا عليكم أن لا تفعلوا ذاكم، فإنَّما هو القَدَر» . قال ابن عون: فحدَّثتُ به الحسنَ فقال: فوالله لكأنَّ هذا زجرٌ
(2)
.
قالوا: ولأنَّ فيه قطع النَّسل المطلوب من النِّكاح وسوء العشرة وقطع اللَّذَّة عند استدعاء الطَّبيعة لها.
قالوا: ولهذا كان ابن عمر لا يعزل، وقال: لو علمتُ أنَّ أحدًا من ولدي يعزل لنكَّلتُه
(3)
.
وكان عليٌّ يكره العزلَ، ذَكَره شعبة عن عاصم عن زِرٍّ عنه
(4)
. وصحَّ عن
(1)
في المطبوع: «البراءة الأصلية» خلاف النسخ.
(2)
أخرجه مسلم في حديث (1438). وفي ن، وط الهندية و «الصحيح»:«والله لكأنّ» .
(3)
أخرجه ابن حزم في «المحلى» : (9/ 224) معلّقًا عن حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع، ووصله ابن المنذر في «الأوسط»:(9/ 118) من طريق علي عن حجاج عن حماد به، وإسناده صحيح.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (16602)، والبيهقي في «المعرفة»:(10/ 204)، وسنده حسن؛ شعبة وشيخه صدوقان، في حفظهما شيء، وهما من رجال الصحيح.
ابن مسعودٍ أنَّه قال في العزل: هي
(1)
الموءودة الصُّغرى
(2)
. وصحَّ عن أبي أمامة أنَّه سئل عنه، فقال: ما كنت أرى مسلمًا يفعله
(3)
. وقال نافع عن ابن عمر: ضربَ عمرُ على العزل بعضَ بنيه
(4)
.
وقال يحيى بن سعيدٍ الأنصاريُّ عن سعيد بن المسيَّب قال: كان عمر وعثمان ينهيان عن العزل
(5)
.
وليس في هذا ما يعارض أحاديثَ الإباحة مع صراحتها وصحَّتها، أمَّا حديث جدامة بنت وهب، فإنَّه وإن كان قد رواه مسلم، فإنَّ الأحاديث الكثيرة على خلافه، وقد قال أبو داود
(6)
: حدَّثنا موسى بن إسماعيل، حدَّثنا
(1)
ح، و ط الهندية:«هو» .
(2)
أخرجه سعيد بن منصور في «السنن» (2222)، وابن المنذر في «الأوسط» (7576)، والطبراني في «الكبير» (9665) من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عمرو الشيباني عنه. وسنده صحيح. قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/ 297):«رجاله رجال الصحيح، وقد رجع عنه» .
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (16866) وابن حزم في «المحلى» : (10/ 71) معلَّقًا من طريق غندر، عن شعبة، عن يزيد بن خمير، عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة رضي الله عنه ، وسنده صحيح.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (2232) من طريق هشيم، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما -. وسنده صحيح على شرط الشيخين.
(5)
أخرجه سعيد بن منصور في «سننه» (2230) من طريق هشيم عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب، وابن المسيب ولد في زمن عمر وروايته عنه مرسلة؛ إلا أنها حجة، وقَبِلها أحمد وغيره، وقال:«قد رأى عمر وسمع منه، وإذا لم يقبل سعيدٌ عن عمر فمن يقبل!» .
(6)
سبق تخريجه (ص 194).
أبان، حدَّثنا يحيى أنَّ محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان حدَّثه أنَّ رفاعة حدَّثه عن أبي سعيدٍ الخدريِّ: أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، إنَّ لي جاريةً وأنا أعْزِل عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرِّجال، وإنَّ اليهود تحدِّث أنَّ العزلَ الموءودةُ الصُّغرى. قال:«كذبَتْ يهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعْتَ أن تصرفه» .
وحسبك بهذا الإسناد صحَّةً، فكلُّهم ثقاتٌ حُفَّاظ.
وقد أعلَّه بعضُهم بأنَّه مضطربٌ؛ فإنَّه اخْتُلف فيه على يحيى بن أبي كثيرٍ، فقيل: عنه عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر بن عبد الله. ومن هذه الطَّريق أخرجه الترمذي والنَّسائيُّ
(1)
.
وقيل فيه: عن أبي مُطيع بن رِفاعة، وقيل: عن أبي رفاعة، وقيل: عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وهذا لا يقدح في الحديث، فإنَّه قد يكون عند يحيى، عن محمد بن عبد الرحمن، عن جابر، وعنده عن ابن
(2)
ثوبان، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وعنده عن ابن
(3)
ثوبان، عن رفاعة عن أبي سعيد. ويبقى الاختلاف في اسم رفاعة، هل هو أبو رفاعة أو ابن رفاعة أو أبو مطيع
(4)
؟ وهذا لا يضرُّ مع العلم بحال رفاعة.
(1)
أخرجه الترمذي (1136)، والنسائي في «الكبرى» (9030)، وقد سبق الكلام عليه وأن في سنده ضعفًا.
(2)
ح، د:«أبي» وبقية النسخ: «ابن» .
(3)
ن، ح، م، ط الهندية:«أبي» .
(4)
ن: «أبو رفاعة أو أبو مطيع» ، وسقط من د بعد قوله: «هل هو أبو رفاعة
…
» إلى آخر الفقرة. وينظر «تهذيب الكمال» : (34/ 300)، و «التاريخ الكبير - الكنى»:(8/ 31).
ولا ريب أنَّ أحاديث جابر صريحةٌ صحيحةٌ في جواز العزل، وقد قال الشَّافعيُّ
(1)
: ونحن نروي عن عددٍ من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهم رخَّصوا في ذلك ولم يروا به بأسًا. قال البيهقي
(2)
: وقد رُوِّينا الرُّخصةَ فيه عن سعد بن أبي وقَّاصٍ وأبي أيُّوب الأنصاريِّ وزيد بن ثابتٍ وابن عبَّاسٍ وغيرهم
(3)
، وهو مذهب مالك والشَّافعيِّ وأهل الكوفة وجمهور أهل العلم
(4)
.
وقد أجيب عن حديث جدامة بأنَّه على طريق التَّنزيه، وضعَّفته طائفةٌ، وقالت: كيف يصحُّ أن يكون النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كذَّب اليهودَ عن
(5)
ذلك ثمَّ يخبر به كخبرهم؟! هذا مِن المُحال البيِّن.
وردَّت عليه طائفةٌ أخرى، وقالوا: حديث تكذيبهم فيه اضطرابٌ وحديث جدامة في «الصَّحيح» .
وجمعت طائفةٌ أخرى بين الحديثين، وقالت: إنَّ اليهود كانت تقول: إنَّ العزل لا يكون معه حملٌ أصلًا، فكذَّبهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ويدلُّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم:«لو أراد الله أن يخلقه لما استطعت أن تصرفه» ، وقوله:«إنَّه الوأد الخفيُّ» فإنَّه وإن لم يمنع الحمل بالكلِّيَّة كترك الوطء فهو مؤثِّرٌ في تقليله.
(1)
نقله البيهقي في «المعرفة» : (5/ 366).
(2)
في «معرفة السنن والآثار» : (5/ 366).
(3)
سبق تخريج الآثار الواردة عنهم.
(4)
ينظر «المغني» : (10/ 228 - 229)، و «الأم»:(8/ 431)، و «البيان والتحصيل»:(18/ 151).
(5)
كذا في جميع النسخ عدا ن: «على» ، وفي ط الفقي والرسالة:«في» .
وقالت طائفةٌ أخرى: الحديثان صحيحان، ولكن حديث التَّحريم ناسخٌ، وهذه طريقة أبي محمد ابن حزم
(1)
وغيره. قالوا: لأنَّه ناقلٌ عن الأصل، والأحكام كانت قبل التَّحريم على الإباحة. ودعوى هؤلاء تحتاج إلى تاريخٍ محقَّقٍ يبيِّن تأخُّر أحد الحديثين عن الآخر، وأنَّى لهم به!
وقد اتَّفق عمر وعلي على أنَّها لا تكون موءودةً حتَّى تمرَّ عليها التَّارات السَّبع، فروى القاضي أبو يعلى وغيره
(2)
بإسناده عن عُبيد بن رفاعة عن أبيه قال: جلس إلى عمر عليٌّ والزبيرُ وسعدٌ في نفرٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكروا العزلَ، فقالوا: لا بأس به. فقال رجلٌ: إنَّهم يزعمون أنَّها الموءودة الصُّغرى، فقال علي: لا تكون موءودة حتَّى تمرَّ عليها التَّارات السَّبع حتَّى تكون من سلالةٍ من طينٍ، ثمَّ تكون نطفةً، ثمَّ تكون علقةً، ثمَّ تكون مضغةً، ثمَّ تكون عظمًا
(3)
، ثمَّ تكون لحمًا، ثمَّ تكون خلقًا آخر، فقال عمر: صدقتَ أطال الله بقاءك. وبهذا احتجَّ من احتجَّ على جواز الدُّعاء للرَّجل بطول البقاء.
(1)
ينظر «المحلى» : (10/ 70 - 71).
(2)
لم أجده عنده، وقد عزاه ابن رجب في «جامع العلوم»:(1/ 156) للدارقطني، وهو عنده بسند ضعيف في «المؤتلف والمختلف»:(2/ 877) من طريق محمد بن مَخْلَد، حدثنا علي بن حرب، حدثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن ابن لَهِيعَة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن معمر بن أبي حُيَيَّة، عن عبيد بن رفاعة، عن أبيه رفاعة بن رافع رضي الله عنه . ورجاله ثقات غير ابن لهيعة، فهو ضعيف ما لم يرو عنه من سمع منه قبل الاختلاط.
(3)
م، ط الفقي والرسالة:«عظامًا» .
وأمَّا من جوَّزه بإذن الحرَّة فقال: للمرأة حقٌّ في الولد كما للرَّجل حقٌّ فيه، ولهذا كانت أحقَّ بحضانته، قالوا: ولم يعتبر إذن السُّرِّيَّة فيه؛ لأنَّها لا حقَّ لها في القَسْم ولهذا لا يُطالب
(1)
بالفيئة. ولو كان لها حقٌّ في الوطء لطولب المولي منها بالفيئة.
قالوا: وأمَّا زوجته الرَّقيقة فله أن يعزل عنها بغير إذنها صيانةً لولده عن الرِّقِّ، ولكن يعتبر إذن سيِّدها؛ لأنَّ له حقًّا
(2)
في الولد، فاعْتُبِر إذنُه في العزل كالحرَّة، ولأنَّ بدَل البضع يحصل للسَّيِّد كما يحصل للحرَّة، فكان إذنه في العزل كإذن الحرَّة.
قال أحمد في رواية أبي طالب في الأَمَة إذا نكحها: يستأذن أهلها، يعني في العزل؛ لأنَّهم يريدون الولد والمرأة لها حقٌّ، تريد الولد وملك يمينه لا يستأذنها.
وقال في رواية صالح وابن منصور
(3)
وحنبل وأبي الحارث والفضل ابن زياد والمرُّوذي: يعزل عن الحرَّة بإذنها، والأمة بغير إذنها، يعني: أمته.
وقال في رواية ابن هانئ
(4)
: إذا عزل عنها لزمه الولد، قد يكون الولد مع العزل. وقد قال بعض من قال: ما لي ولدٌ إلا من العزل. وقال في رواية
(1)
في المطبوع: «لا تطالبه» .
(2)
في النسخ: «حق» ، والمثبت من ط الهندية هو الصواب لأنه اسم أنّ.
(3)
لم أجده في «مسائل صالح» المطبوعة، وينظر رواية إسحاق بن منصور:(9/ 4897)، ورواية أبي داود أيضًا (ص 235)، وينظر «المغني»:(10/ 230)، و «الإنصاف»:(8/ 348 - 349).
(4)
لم أره في «مسائل ابن هانئ» المطبوعة.