الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلام
(1)
.
وهذا المذهب كما تراه
(2)
قوَّةً ووضوحًا، وليس مع الجمهور أكثر من «الولد للفراش» ، وصاحب هذا المذهب أوَّل قائلٍ به، والقياس الصَّحيح يقتضيه، فإنَّ الأب أحد الزَّانيين، وهو إذا كان يُلحَق بأمِّه ويُنسَب إليها، وتَرِثه ويَرِثها، ويثبت النَّسب بينه وبين أقارب أمِّه مع كونها زنَتْ به، وقد وُجِد الولد من ماء الزَّانيين، وقد اشتركا فيه، واتَّفقا على أنَّه ابنهما، فما المانع من لحوقه بالأب إذا لم يَدِّعِه
(3)
غيره؟ فهذا محض القياس، وقد قال جُريج للغلام الذي زنت أمُّه بالرَّاعي: من أبوك يا غلام؟ قال: فلانٌ الرَّاعي
(4)
، وهذا إنطاقٌ من الله لا يمكن فيه الكذب.
فإن قيل: فهل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة حكمٌ؟
قيل: قد رُوِي عنه فيها حديثان، نحن نذكر شأنهما.
ذكر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في استلحاق ولد الزِّنا وتوريثه
ذكر أبو داود في «سننه»
(5)
من حديث ابن عبَّاسٍ قال: قال رسول الله
(1)
أخرجه مالك (2159)، ومن طريقه البيهقي في «الكبرى» (10/ 263) من طريق سليمان بن دينار عنه، وسنده ضعيف؛ سليمان لم يدرك عمر، وهو موصول عند البيهقي وغيره دون هذه اللفظة، كما سبق في تخريجه قريبًا.
(2)
م: «ترى» .
(3)
د، ص، ز:«لم يدعيه» .
(4)
أخرجه البخاري (2482) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
برقم (2264)، وكذا أحمد (3416) من طريق سعيد بن جبير عنه، وسنده ضعيف؛ فيه راوٍ لم يُسمَّ، وأخرجه الحاكم (4/ 342) بإسقاط الذي لم يُسمَّ، لكن في سنده عمرو بن الحصين، وهو متروك، قال الحاكم:«صحيح على شرط الشيخين» ، وتعقبه الذهبي:«قلت: لعله موضوع» . انظر: «ضعيف أبي داود - الأم» (2/ 248).
- صلى الله عليه وسلم: «لا مُساعاةَ في الإسلام، من ساعى في الجاهليَّة فقد لحق بعَصَبته، ومن ادَّعى ولدًا من غير رِشْدةٍ فلا يَرِث ولا يُورَث» .
المساعاة: الزِّنا، وكان الأصمعيُّ يجعلها في الإماء دون الحرائر، لأنَّهنَّ يَسعَين لمواليهنَّ فيكسبن لهم، وكان عليهنَّ ضرائبُ مقرَّرةٌ، فأبطل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المساعاة في الإسلام، ولم يُلحِق النَّسبَ بها، وعفا عمَّا كان في الجاهليَّة منها
(1)
، وألحقَ النَّسبَ به. وقال الجوهري
(2)
: يقال زنى الرَّجلُ وعَهَرَ، فهذا قد يكون بالحرَّة والأمة، ويقال في الأمة خاصَّةً: قد ساعاها.
ولكن في إسناد هذا الحديث رجلٌ مجهولٌ، فلا تقوم به حجَّةٌ.
وروى أيضًا في «سننه»
(3)
من حديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قضى أنَّ كلَّ مُستلْحَقٍ استُلْحِق بعد أبيه الذي يُدعى له ادَّعاه ورثته، فقضى أنَّ كلَّ من كان من أمةٍ يملكها يومَ أصابها فقد لَحِقَ مَنْ
(4)
استلحقه، وليس له ممَّا قُسِم قبله، وما أَدركَ من ميراثٍ لم يُقسَم فله نصيبُه،
(1)
«منها» ليست في د، ص، ز.
(2)
في «الصحاح» (سعى).
(3)
برقم (2265)، وأخرجه بنحوه أحمد (6699، 7042)، والدارمي (3154)، وابن ماجه (2746). وأعله المصنِّف بمحمد بن راشد، وقد وثَّقه ابن معين وأحمد وجماعة، وقال ابن عدي:«ليس بروايته بأس، وإذا حدث عنه ثقة فحديثه مستقيم» . وانظر: «صحيح أبي داود - الأم» (7/ 33).
(4)
كذا في النسخ. وفي «السنن» : «بمن» .
ولا يَلْحَقُ إذا كان أبوه الذي يُدعى له أنكره. وإن كان من أمةٍ لم يَملِكْها أو من حرَّةٍ عاهَرَ بها فإنَّه لا يَلْحَق ولا يرِث، وإن كان الذي يُدعى له هو ادَّعاه، فهو ولدُ زِنيةٍ من حرَّةٍ كان أو أمةٍ.
وفي روايةٍ
(1)
: وهو ولدُ زنًا لأهلِ أمِّه من كانوا، حرَّةً أو أمةً. وذلك فيما استلحق في أوَّلِ الإسلام، فما اقتسمَ من مالٍ قبل الإسلام فقد مضى.
وهذا الحديث في إسناده مقالٌ؛ لأنَّه من رواية محمَّد بن راشدٍ المكحوليِّ.
وكان قومٌ في الجاهليَّة لهم إماءٌ بغايا، فإذا ولدت أمة أحدهم وقد وطئها غيره بالزِّنا فربَّما ادَّعاه سيِّدها، وربَّما ادَّعاه الزَّاني، واختصما في ذلك، حتَّى قام الإسلام، فحكَمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالولد للسَّيِّد؛ لأنَّه صاحب الفراش، ونفاه عن الزَّاني.
ثمَّ تضمَّن هذا الحديث أمورًا:
منها: أنَّ المستلْحَق إذا استُلْحِق بعد أبيه الذي يُدعى له، ادَّعاه ورثته، فإن كان الولد من أمةٍ يملكها الواطئ يومَ أصابها فقد لَحِقَ بمن استلحقه، يعني إذا كان الذي استلحقه ورثةَ مالكِ الأمة، صار
(2)
ابنه من يومئذٍ، وليس له ممَّا قُسِّم قبله من الميراث شيءٌ؛ لأنَّ هذا تجديد حكمٍ بنسبٍ
(3)
، ومن
(1)
عند أبي داود (2266) بسند حسن من طريق خالد بن يزيد السلمي عن محمد بن راشد به، وخالد ذكره ابن حبان في «الثقات» ، وقال الحافظ: مقبول. وانظر ما قبله.
(2)
في النسخ: «وصار» . والأولى حذف الواو لأن ما بعدها جواب شرط.
(3)
ص، د:«بنسبه» .
يومئذٍ ثبتَ نسبُه، فلا يرجع بما اقتسم قبله من الميراث؛ إذ لم يكن حكم البنوَّة ثابتًا، وما أدرك من ميراثٍ لم يُقسَم فله نصيبُه منه؛ لأنَّ الحكم ثبت قبل قِسمةِ الميراث، فيستحقُّ منه نصيبَه
(1)
.
وهذا نظيرُ من أسلم على ميراثٍ قبل قَسْمِه، قُسِمَ له في أحد قولي العلماء، وهو إحدى الرِّوايتين عن أحمد. وإن أسلم بعد قَسْم الميراث فلا شيء له. فثبوتُ النَّسب هاهنا بمنزلة الإسلام بالنِّسبة إلى الميراث.
قوله: «ولا يَلْحَق إذا كان أبوه الذي يُدعى له أنكره» ، هذا يُبيِّن أنَّ التَّنازع بين الورثة، وأنَّ الصُّورة الأولى أن يستلحقه ورثة أبيه الذي كان يُدعى له. وهذه الصُّورة إذا استلحقه ورثته، وأبوه الذي يُدعى له كان ينكر، فإنَّه لا يَلْحَق؛ لأنَّ الأصل الذي الورثةُ خَلَفٌ عنه مُنكِرٌ له، فكيف يلحق به مع إنكاره؟ فهذا إذا كان من أمةٍ يملكها. وأمَّا إذا كان من أمةٍ لم يملكها، أو من حرَّةٍ عاهَرَ بها، فإنَّه لا يَلْحَق ولا يرِث وإن ادَّعاه الواطئ، وهو ولدُ زِنْيةٍ من حرّة كان أو من أمة. وهذا حجَّة الجمهور على إسحاق ومن قال بقوله: إنَّه لا يلحق بالزَّاني إذا ادَّعاه، ولا يرثه، وأنَّه ولدُ زِنًا لأهلِ أمِّه من كانوا، حرَّةً كانت أو أمةً. وأمَّا ما اقتسم من مالٍ قبل الإسلام فقد مضى. فهذا الحديث يردُّ قول إسحاق ومن وافقه، لكن فيه محمَّد بن راشدٍ، ونحن نحتجُّ بعمرو بن شعيبٍ، فلا نُعلِّل الحديث به، فإن ثبت هذا الحديث تعيَّن القولُ بموجبه والمصيرُ إليه، وإلَّا فالقول قول إسحاق ومن معه، والله المستعان.
(1)
«منه لأن
…
نصيبه» ساقطة من م.