الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والرَّابعة: أنَّه
(1)
يردُّ عليهم أقصاهم، وهذا يوجب أنَّ السَّريَّة إذا غنمت غنيمةً بقوَّة جيش الإسلام كانت الغنيمة
(2)
لهم وللقاصي من الجيش، إذ بقوَّته غنموها، وأنَّ ما صار في بيت المال من الفيء كان لقاصيهم ودانيهم وإن كان سبب أخذه دانيهم. فهذه الأحكام وغيرها مستفادةٌ من كلماته الأربع
(3)
، صلوات الله وسلامه عليه.
فصل
في حُكْمه صلى الله عليه وسلم في الجزية ومقدارها وممن تُقبل
قد تقدَّم أنَّ أوَّل ما بعث الله عز وجل به نبيَّه صلى الله عليه وسلم الدَّعوة إليه بغير قتالٍ ولا جزيةٍ، فأقام على ذلك بضعَ عشرةَ سنةً بمكَّة، ثمَّ أذِنَ له في القتال لمَّا هاجر من غير فرضٍ له، ثمَّ أمره بقتال من قاتله، والكفِّ عمَّن لم يقاتله.
ثمَّ لمَّا نزلت (براءةٌ) سنة ثمانٍ أمره بقتال جميع مَن لم يسلم من العرب: مَن قاتله أو كفَّ عنه
(4)
، إلا مَن عاهدَه ولم ينقصه
(5)
مِن عهده شيئًا، فأمره أن يفي له بعهده، ولم يأمره بأخذ الجزية من المشركين، وحارب اليهودَ مرارًا، ولم يؤمرَ بأخذ الجزية منهم.
ثمَّ أمره بقتال أهل الكتاب كلِّهم حتَّى يسلموا أو يعطوا الجزية، فامتثل
(1)
ليست في س، ث، ي.
(2)
ليست في المطبوع.
(3)
ث، ز، ط الهندية:«الأربعة» ، وليست في ن.
(4)
المطبوع: «أو كف عن قتاله» .
(5)
ز، د، ث، ي:«ينقضه» .
أمرَ ربِّه فقاتلهم، فأسلم بعضُهم، وأعطى بعضُهم الجزيةَ، واستمرَّ بعضُهم على محاربته، فأخذها صلى الله عليه وسلم من أهل نجران وأيْلَة، وهم من نصارى العرب، ومن أهل دومة الجندل، وأكثرهم عربٌ، وأخذها من المجوس، ومن أهل الكتاب باليمن، وكانوا يهودًا
(1)
.
ولم يأخذها من مشركي العرب، فقال أحمد والشَّافعيُّ: لا تؤخذ إلا من الطَّوائف الثَّلاث الذين
(2)
أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، وهم: اليهود والنَّصارى والمجوس. ومن عداهم فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل.
وقالت طائفةٌ: في الأمم كلِّها إذا بذلوا الجزية قُبِلَت منهم؛ أهلُ الكتابين بالقرآن والمجوسُ بالسُّنَّة، ومَن عداهم ملحقٌ بهم؛ لأنَّ المجوس أهل شركٍ لا كتابَ لهم، فأخْذُها منهم دليلٌ على أخذها من جميع المشركين، وإنَّما لم يأخذها صلى الله عليه وسلم من عَبَدة الأوثان من العرب؛ لأنَّهم أسلموا كلُّهم قبل نزول آية الجزية، فإنَّها إنما نزلت بعد تبوك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فرغ من قتال العرب، واستوسقت
(3)
كلُّها له بالإسلام، ولهذا لم يأخذها من اليهود الذين حاربوه؛ لأنَّها لم تكن نزلت بعد، فلمَّا نزلت أخذها من نصارى العرب ومن المجوس، ولو بقي حينئذٍ أحدٌ من عَبدَة الأوثان وبذَلَها لقبلها منه، كما قبلها من عَبَدة الصُّلبان والنِّيران، ولا فرق ولا تأثير لتغليظ
(4)
كفر بعض الطَّوائف
(1)
في عامة النسخ عدا ن: «يهود» بدون تنوين.
(2)
ي، ز، س، د:«الثلاثة» ، وفي س والمطبوع: «التي
…
».
(3)
ط الفقي والرسالة: «واستوثقت» خلاف النسخ. ومعنى «استوسقت» : اجتمعت. ينظر «أساس البلاغة» : (2/ 334)، و «النهاية في غريب الحديث»:(5/ 185).
(4)
كذا في س، ز، ب، ي، ط الهندية. وفي د، ث:«لتغلّظ» ، وفي ن:«لغلظ» .
على بعضٍ، ثمَّ مَن سلّم أنَّ كفر عبَدَة الأوثان أغلظ من كفر المجوس
(1)
؟ وأيُّ فرقٍ بين عبادة
(2)
النيران والأوثان؟! بل كفر المجوس أغلظ، وعبَّاد الأوثان كانوا يقرُّون بتوحيد الرُّبوبيَّة، وأنَّه لا خالق إلا اللَّه، وأنَّهم إنَّما يعبدون آلهتهم لتقرِّبهم إلى الله سبحانه، ولم يكونوا يقرُّون بصانِعَين للعالَم، أحدهما: خالقٌ للخير، والآخر للشَّرِّ، كما تقوله المجوس، ولم يكونوا يستحلُّون نكاح الأمَّهات والبنات والأخوات، وكانوا على بقايا من دين إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه.
وأمَّا المجوس فلم يكونوا على كتابٍ أصلًا، ولا دانوا بدين أحدٍ من الأنبياء، لا في عقائدهم ولا شرائعهم، والأثر الذي فيه أنَّه كان لهم كتابٌ فَرُفِع ورُفِعت شريعتهم لمَّا وقع ملكهم على ابنته، لا يصحُّ البتَّة
(3)
، ولو صحَّ لم يكونوا بذلك من أهل الكتاب، فإنَّ كتابهم رُفع وشريعتهم بطَلَت فلم يبقوا على شيءٍ منها.
ومعلومٌ أنَّ العرب كانوا على دين إبراهيم عليه السلام، وكان له صحفٌ
(1)
غيّر العبارة في طبعتي الفقي والرسالة إلى: «ثم إن كفر عبدة الأوثان ليس أغلظ من
…
».
(2)
س، د، ط الهندية:«عبدة» ..
(3)
أخرجه الشافعي في «الأم» : (5/ 407)، وأبو يعلى في «المسند» (301)، والبيهقي في «الكبرى»:(9/ 188) موقوفًا على علي رضي الله عنه ، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد»:(6/ 12): «فيه أبو سعد البقال، وهو متروك» ، وقد ضعفه جلُّ النقاد، كابن معين والبخاري والنسائي. وضعف الحديثَ ابنُ عبد البر، ونقل تضعيفه عن أبي عبيد. ينظر «التلخيص الحبير»:(3/ 379).
وشريعةٌ، وليس تغيير عبَدَة
(1)
الأوثان لدين إبراهيم وشريعته بأعظم من تغيير المجوس لدين نبيِّهم وكتابهم لو صحَّ، فإنَّه لا يُعرَف عنهم التَّمسُّك بشيءٍ من شرائع الأنبياء، بخلاف العرب، فكيف يُجعَل المجوس الذين دينهم أقبح الأديان أحسنَ حالًا من مشركي العرب. وهذا القول أصحُّ في الدَّليل كما ترى.
وفرَّقت طائفةٌ ثالثةٌ بين العرب وغيرهم، فقالوا: تؤخذ من كلِّ كافرٍ إلا مشركي العرب.
ورابعةٌ: فرَّقت بين قريشٍ وغيرهم، وهذا لا معنى له، فإنَّ قريشًا لم يبق فيهم كافرٌ يحتاج إلى قتاله وأخذ الجزية منه البتَّة، وقد كتب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى أهل هجر، وإلى المنذر بن ساوى، وإلى ملوك الطَّوائف يدعوهم إلى الإسلام أو الجزية، ولم يفرِّق بين عربيٍّ ولا غيره.
وأمَّا حكمه في قَدْرِها، فإنَّه بعث معاذًا إلى اليمن، وأمره أن يأخذ من كلِّ حالمٍ دينارًا أو قيمته مَعَافر
(2)
،
وهي ثيابٌ معروفةٌ باليمن. ثمَّ زاد فيها عمر
(1)
ن: «هذه» .
(2)
أخرجه أبو داود (1576، 3038)، والترمذي (623)، والنسائي (2450)، وابن ماجه (1803) من حديث معاذ رضي الله عنه ، وقد اختلف في وصله وإرساله، والمحفوظ وصلُه من طريق أبي وائل عن مسروق عن معاذ. ينظر «العلل» للدارقطني:(6/ 68).
وفي سماع مسروق من معاذ خلاف؛ لم يثبته عبد الحق في «أحكامه» ، وقال الحافظ في «الفتح»:(3/ 324): «في الحكم بصحته نظر» ! والجمهور على اتصاله؛ منهم ابن المديني، وابن بطال، وابن حزم ــ آخر قوليه ــ، وابن عبد البر، وابن القطان، والصنعاني، وقد حسنه الترمذي، ورجَّح المرسل عليه. وكذا أخرجه ابن الجارود (343)، وابن خزيمة (2268)، وابن حبان (4886)، والحاكم:(1/ 398). ينظر «التمهيد» : (2/ 275)، و «المحلّى»:(4/ 100)، و «نصب الراية»:(2/ 346)، و «التلخيص»:(4/ 313). وقد روي من طرق أخرى عن معاذ، وكلها منقطعة، وصحح الشافعي والبيهقي منها طريق طاوس عنه. وفي الباب عن ابن مسعود، وابن عباس، وأنس، وعمرو بن حزم، ولا تخلو من مقال. انظر «البدر المنير»:(5/ 426 - 436، 9/ 184)، «صحيح أبي داود - الأم» (1408).