الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" وبقية رجاله رجال الصحيح "! كذا قال ولا أدري إذا كان شيخ قيس في
رواية الطبراني هو غير أشعث بن سوار.
633
- " كان يكتحل في عينه اليمنى ثلاث مرات واليسرى مرتين ".
أخرجه ابن سعد في " الطبقات "(1 / 484) عن عبد الحميد ابن جعفر عن عمران
بن أبي أنس قال: فذكره مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد مرسل قوي، عمران تابعي، مات سنة (117) .
ثم أوقفني الأستاذ شعيب الأرناؤط على وصله في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
لأبي الشيخ (ص 183) من هذا الوجه عن عمران عن أنس مرفوعا به. ورجاله ثقات،
فثبت موصولا والحمد لله.
وقد روي له شاهد من طريق عتيق بن يعقوب الزبيري أنبأنا عقبة بن علي عن عبد
الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا بلفظ: " كان إذا اكتحل جعل في العين
اليمنى ثلاثا وفي اليسرى مرودين، فجعلها وترا ". أخرجه الطبراني في " المعجم
الكبير " (3 / 199 / 1) .
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الله بن عمر وهو العمري المكبر ضعيف. وعقبة بن
علي ليس بالمشهور، قال العقيلي في " الضعفاء ":
" لا يتابع على حديثه وربما
حدث بالمنكر عن الثقات ". وعتيق بن يعقوب فيه ضعف يسير كما بينه في " اللسان
"، فالعلة ممن فوقه عبد الله أو عقبة. ومن طريقه أخرجه الطبراني في " الأوسط
" أيضا والبزار كما في " مجمع الزوائد " (5 / 96) وقال: " وهو ضعيف ".
قلت: ولم أره في " الطب " من " زوائد البزار ". والله أعلم.
وإنما فيه (ص 166) من طريق الوضاح بن يحيى حدثنا أبو الأحوص عن عاصم عن أنس
مرفوعا بلفظ: " كان يكتحل وترا ". وقال الهيثمي: " والوضاح بن يحيى ضعيف "
. قلت: ولفظه مجمل، يحتمل أنه عنى وترا في عين واحدة دون الأخرى، أي فهو
وتر بالنسبة إليهما معا وهو الأظهر. ويحتمل أنه عنى وترا بالنسبة لكل واحدة
منهما، يعني ثلاثا في كل عين، وهذا روي صريحا في حديث ابن عباس، من طريق
عباد بن منصور عن عكرمة عنه. لكنه إسناد لا تقوم به حجة، لأن عباد بن منصور
كان تغير في آخره، مع كونه مدلسا، كما كنت بينته في تخريج حديثه هذا في
" إرواء الغليل " رقم (75) ، وأن بينه وبين عكرمة رجلين أسقطهما هو،
أحدهما وهو إبراهيم ابن أبي يحيى الأسلمي كذاب، والآخر ضعيف.
وأشرت هناك إلى تخطئة العلامة الشيخ أحمد شاكر لتصحيحه إسناد هذا
الحديث في
تعليقه على " المسند "(3318) . والآن قد بدا لي أنه لابد من توضيح ما أشرنا
إليه هناك لأن بعض الأساتذة المشتغلين بالتحقيق لما اطلع عليه أشكل عليه الأمر
، فأقول: إن العلامة أحمد شاكر رحمه الله تعالى بنى تصحيحه المذكور على أمور
هامة: الأول: أن عباد بن منصور ثقة (ج 4 / 6، 5 / 108) .
الثاني: أنه لم يكن مدلسا أصلا.
الثالث: شكه في ثبوته الكلمات التي وردت عن بعض أئمة الحديث الدالة على أن
عبادا كان مدلسا، وشكه في دلالتها إن صحت!
الرابع: أن ابن أبي يحيى الذي دلسه عباد ليس هو إبراهيم ابن أبي يحيى الكذاب،
وإنما هو محمد بن أبي يحيى الثقة! هذه هي الدعائم التي بنى عليها الشيخ
المومى إليه صحة الحديث. وجوابا على ذلك أقول، وبالله التوفيق:
أولا: لا نعلم أحدا من الأئمة المتقدمين، ولا من الحفاظ المتأخرين أطلق
التوثيق على عباد بن منصور كما فعل الشيخ رحمه الله تعالى، اللهم إلا رواية عن
يحيى بن سعيد هي معارضة بأقوى منها. وقبل الشروع في بيان ذلك أسرد لك أقوال
الأئمة التي ذكرها الحافظ في " التهذيب " في ترجمة عباد هذا:
1 -
قال علي بن المديني: قلت: ليحيى بن سعيد: عباد بن منصور كان قد تغير؟
قال: لا أدري، إلا أنا حين رأيناه نحن كان لا يحفظ، ولم أر يحيى يرضاه.
(الجرح والتعديل 3 / 1 / 86) ، ابن عدي (ق 238 / 1) .
2 -
وقال أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد: قال جدي: عباد ثقة، لا ينبغي أن
يترك حديثه لرأي أخطأ فيه. يعني القدر.
3 -
وقال الدوري: عن ابن معين: ليس بشيء، وكان يرمى بالقدر.
4 -
وقال أبو زرعة: لين. (الجرح 3 / 1 / 86) .
5 -
وقال أبو حاتم: كان ضعيف الحديث، يكتب حديثه ونرى أنه أخذ هذه الأحاديث
عن إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن عكرمة. (الجرح 3 / 1 / 86) دون
التصريح باسم " إبراهيم ".
6 -
وقال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد: قلت: لعباد بن منصور: سمعت
حديث. " مررت بملأ من الملائكة
…
" و " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يكتحل
…
" يعني من عكرمة؟ فقال: حدثهن ابن أبي يحيى عن داود عن عكرمة.
7 -
وقال أبو داود: ليس بذاك.
8 -
وقال النسائي: ليس بحجة، وفي موضع آخر: ليس بالقوي.
9 -
وقال ابن عدي كما تقدم في الحديث الذي قبله: هو في جملة من يكتب حديثه.
10 -
وقال ابن حبان: كل ما روي عن عكرمة سمعه من إبراهيم ابن أبي يحيى عن
داود بن الحصين عنه، فدلسها عن عكرمة.
11 -
وقال الدارقطني: ليس بالقوي.
12 -
وقال أحمد: كانت أحاديثه منكرة، وكان قدريا، وكان يدلس.
13 -
وقال ابن أبي شيبة: روى عن أيوب وعكرمة أحاديث مناكير.
14 -
وقال أبو بكر البزار: روى عن عكرمة أحاديث، ولم يسمع منه.
15 -
وقال العجلي: لا بأس به يكتب حديثه، وقال مرة: جائز الحديث.
16 -
وقال ابن سعد: وهو ضعيف عندهم، وله أحاديث منكرة.
17 -
وقال الجوزجاني: كان يرمى برأيهم، وكان سييء الحفظ، وتغير أخيرا.
قلت: بعد هذا السرد لما قيل في عباد، يتبين لك أن كل هؤلاء الأئمة اتفقت
أقوالهم على تضعيفه، إلا ما في الرواية رقم (2) عن يحيى بن سعيد، فسيأتي
بيان ما يعارضها، وإلا قول العجلي (15) : " لا بأس به يكتب حديثه. وقال
مرة: جائز الحديث ". وهذا كما ترى ليس صريحا في التوثيق، بل إن كل من كان
على علم بأقوال الأئمة في الرجال وتعابيرهم في التعديل والتجريح ليشعر معي أن
هذا القول من العجلي ليشير إلى أن في الرجل ضعفا ولو يسيرا، وحينئذ فلا يجوز
الاعتماد عليه في توثيق عباد توثيقا مطلقا لأمرين:
الأول: أنه ليس صريحا في ذلك كما ذكرنا.
والآخر: أنه لو كان صريحا، فالعجلي معروف بالتساهل في التوثيق كابن حبان
تماما، فتوثيقه مردود إذا خالف أقوال الأئمة الموثوق بنقدهم وجرحهم. على أنه
يمكن بشيء من التسامح أن يحمل كلامه على موافقة كلماتهم، لأنه ليس صريحا في
التوثيق كما ذكرنا.
وأما قول يحيى بن سعيد في الرواية الثانية عنه: ثقة. فالجواب من وجهين:
الأول: معارضته بما في الرواية الأولى عنه وترجيحها عليه بأمرين:
1 -
أنها أصح، لأنها من رواية علي بن المديني الإمام الثبت، وتلك من رواية
أحمد بن يحيى بن سعيد الذي لم يزد الحافظ في ترجمته على قوله فيه " صدوق "!
2 -
أنها تضمنت جرحا مفسرا، والجرح المفسر مقدم على التعديل عند التعارض كما
هو معلوم في " المصطلح ".
وثمة وجه آخر: معارضته بأقوال الأئمة الآخرين، فإنها متفقة على تضعيف الرجل
مع بيان سبب التضعيف في كثير منها مثل قول ابن سعيد نفسه إنه لا يحفظ ومثله
وأصرح منه قول الجوزجاني أنه كان سيء الحفظ، وأنه تغير أخيرا. ومثل قول
أبي داود أن عنده أحاديث فيها نكارة.
وكأنه تلقى ذلك من قول شيخه أحمد: أحاديثه منكرة. ونحوه قول ابن سعد: له
أحاديث منكرة. وبعضهم رماه بالتدليس، وعبارة أحمد أعم وأشمل من عبارة ابن
حبان التي توحي بأن تدليسه خاص بما رواه عن عكرمة.
قلت: فالأخذ بأقوال هؤلاء الأئمة الجارحة لعباد خير من الأخذ بقول يحيى بن
سعيد الموثق له، لاسيما وقوله الأول موافقه لهم، كما هو بين ظاهر، والحمد
لله تعالى.
قلت: فإذا عرفت هذا فانظر إلى ما صنع العلامة أحمد شاكر، لقد ذكر قول النسائي
وابن سعد المضعفين له ثم قال عقبه مباشرة (4 / 6) : " وكلامهم فيه يرجع إلى
رأيه في القدر، وإلى أنه يدلس، فيروي أحاديث عن عكرمة لم يسمعها منه، ولم
يطعن أحد في صدقه ".
قلت: كذا قال، وهو من الغرائب، إذ كيف يسوغ أن يوجه كلامهم المضعف له بخلاف
ما نص جمهورهم على سبب التضعيف. فهذا النسائي نفسه أطلق التضعيف، ولم يرمه
بالقدر، بل أضاف إلى ذلك أنه كان تغير! وكذلك نسبه إلى التغير الجوزجاني كما
في الفقرة (17) ، وزاد على ذلك أنه كان سيء الحفظ. ونحوه قول يحيى بن سعيد
رقم (1) : كان لا يحفظ.
وهذا ابن سعد بعد أن عزا تضعيفه إلى أئمة الحديث
أتبعه بقوله: " وله أحاديث منكرة ". ومثله قول ابن أبي شيبة رقم (13)
وأعم منه قول أحمد (رقم 12) : " كانت أحاديثه منكرة ".
فهذه الأقوال علاوة على أنها جرح واضح فهي تضمن في نفس الوقت بيان سبب الجرح
وهو أنه يتفرد بأحاديث لا يتابعه عليها الثقات.
وذلك يلتقى مع أقوال الذين وصفوه بسوء الحفظ وبالتغير، وذلك جرح مفسر فكيف
يصح مع هذا كله أن يقال: " وكلامهم فيه يرجع إلى رأيه في القدر "! ؟
والحقيقة أنه لو ثبتت ثقة عباد وحفظه وعدم تدليسه، لم يضر في روايته رأيه
في القدر لأن العمدة فيها إنما هو العدالة والضبط والسلامة من العلة القادحة
كالتدليس، وهذا مفقود هنا، أما الضبط فلما سبق بيانه من أقوال الأئمة أنه
كان لا يحفظ. ومنه تعلم أنه لا ينافي ذلك قول الشيخ أحمد: " ولم يطعن أحد
في صدقه ". لأنه ليكون ثقة لابد مع ذلك أن لا يطعن أحد في حفظه أيضا، وهذا
غير متحقق هنا كما سلف.
وأما التدليس، فهذا قد جزم بنفيه الشيخ أحمد، والرد عليه فيما يأتي، وهنا
ينتهي الكلام عليه في قوله: إنه ثقة، ويتبين أنه ضعيف سيء الحفظ.
الثاني: قوله: أنه لم يكن مدلسا أصلا.
ويكفي في الرد على هذا قول الإمام أحمد (فقرة 12) :
وكان يدلس. وقول ابن
حبان (فقرة 10) : " كل ما روى عن عكرمة سمعه من إبراهيم بن أبي يحيى عن داود
بن الحصين عنه، فدلسها عن عكرمة ".
ولذلك جزم الحافظ في " التقريب " بأنه كان يدلس فقال: " صدوق، رمي بالقدر
وكان يدلس، وتغير بآخره ".
قلت: فهذه نصوص صريحة في أن عبادا كان مدلسا. فبماذا رد ذلك الشيخ أحمد؟ لقد
قال (5 / 109) : " هي تهمة نسبت إليه لكلمات نقلت، لا نراها تصح أو تستقيم "
! ثم ساق قول أبي حاتم المتقدم في (الفقرة 5) : " نرى أنه أخذ هذه الأحاديث
عن ابن أبي يحيى
…
". ثم قول يحيى بن سعيد: قلت لعباد: سمعت حديث
…
فقال
عباد: حدثهن ابن أبي يحيى عن داود عن عكرمة. قال الشيخ أحمد:
" فهذه كلمات توهم التدليس (!) وقد أوقعت في وهم كثير من المحدثين أنه أخذ
هذه الأحاديث من إبراهيم بن أبي يحيى، حتى أن بعضهم حين نقل شيئا من هذه
الكلمات كالميزان والتهذيب لم يقل: " ابن أبي يحيى " بل قال: " إبراهيم بن
أبي يحيى " وإبراهيم ضعيف جدا عندهم. فأخطؤوا خطأ فاحشا، ونسبوا الرجل إلى
تدليس عن راو ضعيف هو منه براء، وهو تدليس بعيد أن يكون، إن لم يكن غير
معقول، فإنهم زعموا أنه يدلس اسم راو متأخر مات سنة 184 فكيف يدلس عباد راويا
لا يزال حيا وهو أصغر من بعض تلاميذه! ! ".
قلت: الجواب عن هذا سهل جدا - ولا أدرى كيف خفي ذلك على الشيخ الفاضل؟ - فإن
من المعلوم في الأسباب التي تحمل المدلس على التدليس أن تكون روايته عمن هو
أصغر سنا - من باب رواية الأكابر عن الأصاغر - فيسقطه حبا في العلو بالإسناد
أو لعلمه بأنه غير مقبول الرواية عند المحدثين، وهذان الأمران متحققان في ابن
أبي يحيى فما وجه استغراب بل استنكار الشيخ لتدليس عباد إياه، ثم لشيخه داود
وهو ضعيف أيضا؟ ! أفمثل هذا يرد اتهام الأئمة إياه بالتدليس، بل وينسبون
إلى الخطأ الفاحش، ويتلقى ذلك الخلف عن السلف، حتى جاء الشيخ يتهمهم بذلك
بدون حجة؟ ! بل باستنكار ما هو واقع في عديد من الروايات من رواية الأكابر عن
الأصاغر، ومن إسقاط الشيخ تلميذه الذي هو شيخه في حديث ما كما هو الواقع هنا
على ما بينا.
وأما قوله: " فهذه كلمات توهم التدليس ". فالجواب: من وجهين:
الأولى: أن من كلمات التدليس كلمة الإمام أحمد: " وكان يدلس ".
فهي كما ترى صريحة في التدليس، فلا جرم أن الشيخ لم يتعرض لذكرها، فضلا
للجواب عنها!
والآخر: أن ما ذكره الشيخ عن أبي حاتم ظاهر في اتهامه لعباد بالتدليس وهو
قوله: " نرى أنه أخذ هذه الأحاديث عن ابن أبي يحى
…
". فإن كان الشيخ يرد
لذلك من قبل أن أبا حاتم لم يجزم بذلك لقوله " نرى " فالجواب: أنه لا فرق بين
قوله هذا، وبين قوله الشيخ أحمد نفسه قبله بكلمات:" لا نراها تصح "! كما
تقدم نقله عنه! وجوابنا القاطع أن رأي العالم المختص في علمه حجة على غير
المختص، لا يجوز رده إلا بحجة أقوى فأين هي؟ !
ونحو قول أبي حاتم قول يحيى بن سعيد: قلت لعباد: سمعت حديث
…
من
عكرمة؟
فقال: حدثهن ابن أبي يحيى عن داود عن عكرمة. فإنه ظاهر في أن يحيى كان عنده
شك - على الأقل في سماع عباد للأحاديث المذكورة من عكرمة، ولذلك سأله هل
سمعها منه؟ فلم يجبه عباد بجواب يزيل الشك، بل أجاب بما يؤكده، وهو قوله:
حدثهن إبراهيم
…
، فلم يقل حدثنيهن وبهذا يثبت أن عبادا مدلس، وإلا فما
الذي منعه من التصريح بأنه سمع، ولو بلفظ " نعم " إلى القول بما يشبه كلام
السياسيين الذي لا يكون صريحا في الجواب، ويحتمل وجوها من المعاني؟ ! وهذا
مما تورط به - في نقدي - العلامة أحمد شاكر نفسه فقال في آخر كلامه:
" فلو صحت هذه الأسئلة (يعني من يحيى لعباد) وهذه الجوابات من عباد لكان
الأقرب إلى الصواب أن يكون قال: حدثهن ابن أبي يحيى وداود بن الحصين عن عكرمة
، يريد تقوية روايته بأن داود بن الحصين ومحمد بن أبي يحيى رويا هذه الأحاديث
أيضا عن عكرمة كما رواها، لا أنه يريد أن يثبت على نفسه تدليسا لا حاجة له به
"!
قلت: نعم لو كان له اختيار في ذلك يسعه أن لا يثبت على نفسه التدليس لما فعل.
أما وقد سئل من الإمام يحيى بن سعيد هل سمع؟ والمفروض أنه سمع كما يزعم
الشيخ فما الذي منعه من التصريح بذلك جوابا على سؤال الإمام؟ إلى القول بأنه
تابعه على روايته عن عكرمة ابن أبي يحيى وداود! فيا عجبا كيف يرضى الشيخ
تفسيره ذاك وهو أبعد ما يكون عن إجابة السؤال، لاسيما وهو به قد خرج عن نص
الرواية فإنها تقول: " حدثهن ابن أبي يحيى عن داود "، والشيخ يقول: " ابن
أبي يحيى وداود "؟ ! نعم، قد يقال إن الشيخ استجاز مثل هذا القول المخالف
للرواية لأنه في شك من صحتها كما أشار إلى ذلك بقوله السابق " فلو صحت هذه
الأسئلة
…
" ومثله قوله السابق أيضا " لا نراها تصح "! وسيأتي الجواب عنه
في الفقرة التالية.
وهذا كله على فرض أن الرواية بلفظ " حدثهن " كما رجحه الشيخ، وأما على
الرواية الأخرى: " حدثني " فهي نص لا يحتمل المعنى الذي ذكره الشيخ إطلاقا.
فثبت أن عبادا مدلس، وأن نفي الشيخ له مما لا وجه له.
الثالث: شك الشيخ في صحة سؤال يحيى بن سعيد لعباد هل سمع تلك الأحاديث عن
عكرمة؟ ولم يحمله على الشك في صحته ضعف في إسناده وقف عليه، وإنما هو
اضطراب وقع - في زعمه - في متنه! فقد ذكر أنه وقع في " الميزان " بلفظ: "
حدثني ابن أبي يحيى " بدل " حدثهن ابن أبي يحيى " الذي سبق نقله عن " التهذيب ".
أقول: ومع أن مثل هذا الاختلاف لا يعتبر اضطرابا قادحا في الصحة - لدي
العارفين بهذا العلم، لإمكان حمل الرواية الأولى - إن قيل إنها مبهمة - على
الأولى، لأنها مفصلة كما هو واضح. ومع ذلك فاللفظ الأول هو الأرجح، بل
الراجح عندي لثبوته في كتاب " الضعفاء " للعقيلي، وإسناده هكذا (ص 273) :
حدثنا محمد بن موسى قال: حدثنا محمد بن سليمان قال: سمعت أحمد بن داود الحداد
يقول: سمعت علي بن المديني يقول: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: فذكره،
ورواه الحافظ المزي في " التهذيب " من طريق العقيلي.
قلت: وهذا إسناد جيد، الحداد هذا ثقة مترجم في " تاريخ بغداد (4 / 183 -
140) ، مات سنة إحدى أو اثنتين ومائتين.
ومحمد بن سليمان هو أبو جعفر المصيصي المعروف بلوين، فيما يظهر، وهو ثقة من
رجال " التهذيب " مات سنة (240) .
ومحمد بن موسى هو أبو عبد الله المعروف بالنهرتيري، وهو ثقة جليل مترجم أيضا
في " التاريخ "(3 / 241 - 242) ، مات سنة (289) .
قلت: فقد بان بهذا التخريج أن المسألة صحيحة ثابتة عن يحيى بن سعيد القطان
وباللفظ الذي يبطل تفسير الشيخ أحمد لها كما تقدم، ويثبت اعتراف عباد بأنه
لم يسمع تلك الأحاديث من عكرمة، وإنما تلقاها عن إبراهيم - وهو ضعيف جدا كما
اعترف الشيخ به - عن داود وهو ضعيف في عكرمة خاصة.
الرابع: وأما زعم الشيخ أن ابن أبي يحيى ليس هو إبراهيم، وإنما هو محمد ابن أبي