الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الكتاب
العز لك، والجلال لكبريائك، والعظمة لثنائك، والدوام لبقائك، يا قديم الذات ومفيض الخيرات. أنت الأول لا شيء قبلك، وأنت الآخر لا شيء بعدك، وأنت الفرد لا شريك لك. يا واهب العقول وجاعل النور والظلمات، منك الابتداء وإليك الانتهاء، وبقدرتك تكونت الأشياء، وبإرادتك قامت الأرض والسموات، أفض علينا أنوار معرفتك، وطهر نفوسنا عن كدورات معصيتك، وألهمنا موجبات رحمتك ومغفرتك، ووفقنا لما تحب وترضى من الخيرات والسعادات، وصل على ذوي الأنفس الطاهرات والمعجزات الباهرات، خصوصاً على سيد المرسلين وإمام المتقين، وقايد الغر المحجلين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، أفضل الصلوات، وعلى آله وأصحابه الطيبين والطيبات، وعلى الذين اتبعوهم بإحسان من أهل السنة والجماعات.
يقول العبد زكرياء بن محمد بن محمود القزويني، تولاه الله بفضله، بعد حمد الله حمداً يرضيه، ويوجب مزيد فضله وأياديه: إني قد جمعت في هذا الكتاب ما وقع لي وعرفته، وسمعت به وشاهدته من لطايف صنع الله تعالى، وعجايب حكمته المودعة في بلاده وعباده؛ فإن الأرض جرم بسيط متشابه الأجزاء، وبسبب تأثير الشمس فيها، ونزول المطر عليها، وهبوب الرياح بها، ظهرت فيها آثار عجيبة، وتختص كل بقعة بخاصية لا توجد في غيرها: فمنها ما صار حجراً صلداً، ومنها ما صار طيناً حراً، ومنها ما صار طينة سبخة. ولكل واحد
منها خاصية عجيبة وحكمة عجيبة وحكمة بديعة، فإن الحجر الصلد يتولد فيه الجواهر النفيسة كاليواقيت والزبرجد وغيرهما، والطين الحر ينبت الثمار والزروع بعجيب ألوانها وأشكالها وطعومها وروايحها، والطينة السبخة يتولد منها الشبوب والزاجات والاملاح بفوايدها، وكذلك الإنسان حيوان متساوي الآحاد بالحد والحقيقة، لكن بواسطة الالطاف الإلهية تختلف آثارهم، فصار أحدهم عالماً محققاً، والآخر عابداً ورعاً، والآخر صانعاً حاذقاً. فالعالم ينفع الناس بعلمه، والعابد ببركته، والصانع بصنعته؛ فذكرت في هذا الكتاب ما كان من البلاد مخصوصاً بعجيب صنع الله تعالى، ومن كان من العباد مخصوصاً بمزيد لطفه وعنايته، فإنه جليس أنيس يحدثك بعجيب صنع الله تعالى، ويعرفك أحوال الأمم الماضية، وما كانوا عليه من مكارم الأخلاق ومآثر الآداب، ويفصح بأحوال البلاد كأنك تشاهدها، ويعرب عن أخبار الكرام كأنك تجالسهم:
جليسٌ أنيسٌ يأمن الناس شرّه
…
ويذكر أنواع المكارم والنّهى
ويأمر بالإحسان والبرّ والتّقى
…
وينهى عن الطّغيان والشرّ والأذى
ومن انتفع بكتابي هذا وذكرني بالخير، جعله الله من الأبرار ورفع درجاته في عقبى الدار. وأسأل الله تعالى العفو عما طغى به القلم أو هم أو سها بذلك أو لم، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. ولنقدم على المقصود مقدمات لا بد منها، لحصول تمام الغرض، والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.