الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخر ملوك بني أمية، حين هدم حائط تدمر، فأفضى الهدم إلى خرق عظيم، فكشفوا عنه صخرة فإذا بيت مجصص كأن اليد قد رفعت عنه، وإذا سرير عليه امرأة مستلقية على ظهرها عليها سبعون حلة، ولها غدائر مشدودة بخلخالها، قال: فكانت قدمها ذراعاً من غير أصابع، وفي بعض غدائرها صفيحة ذهب فيها مكتوب: باسمك اللهم! أنا تدمر بنت حسان أدخل الله الذل على من يدخل علي! فأمر مروان بالخرق فأعيد كما كان، ولم يأخذ شيئاً من حليها! قال: فوالله ما مكثنا بعد ذلك إلا أياماً حتى أقبل عبد الله بن علي وحارب مروان وفرق جيوشه، وأزال الملك عن بني أمية.
وبها تصاوير كثيرة، منها صورة جاريتين من حجارة نمق الصانع في تصويرهما، مر بهما أوس بن ثعلبة فقال:
فتاتي أهل تدمر خبّراني
…
ألمّا تسأما طول المقام
قيامكما على غير الحشايا
…
على حبلٍ أصمّ من الرّخام
فكم قد مرّ من عدد اللّيالي
…
لعصركما وعام بعد عام
وإنّكما على مرّ اللّيالي
…
لأبقى من فروع ابني شمام
فسمع هذه الأبيات يزيد بن معاوية فقال: لله در أهل العراق! هاتان الصورتان فيكم أهل الشام، لم يذكرهما أحد منكم، فمر بهما هذا العراقي وقال ما قال!
تستر
مدينة مشهورة قصبة الاهواز، الماء يدور حولها. بها الشاذروان الذي بناه شابور. وهو من أعجب البناء وأحكمها، امتداده يقرب من ميل حتى يرد الماء إلى تستر، وهي صنعة عجيبة مبنية بالحجارة المحكمة وأعمدة الحديد ملاط الرصاص. وإنما رجع الماء إلى تستر بسبب هذا الشاذروان، وإلا لامتنع
لأنه على نشز من الأرض.
وإنها مدينة آهلة كثيرة الخيرات وافرة الغلات، وغزا بعض الأكاسرة الروم وحمل الأسارى إلى تستر وأسكنهم فيها فظهرت فيها صنائع الروم وبقيت في أهلها إلى زماننا هذا. يجلب منها أنواع الديباج والحرير والخز والستور والبسط والفرش.
وحكي أن أبا موسى الأشعري لما فتح تستر وجد بها ميتاً في آبزون من نحاس، معه دراهم من احتاج إلى تلك الدراهم أخذها، فإذا قضى حاجته ردها، فإن حبسها مرض. فكتب أبو موسى بذلك إلى عمر بن الخطاب، فكتب في جوابه: ان ذلك دانيال النبي! أخرجه وغسله وكفنه وصل عليه وادفنه.
وينسب إليها سهل بن عبد الله التستري، صاحب الكرامات الظاهرة، من جملتها إذا مس مريضاً عافاه الله، وقد سمع من كثير من أهل تستر أن في منزل سهل بيتاً يسمى بيت السباع، كانت السباع تأتيه وهو يضيفها فيه، حكى سهل ابتداء أمره قال: قال لي خالي محمد بن سوار: ألا تذكر الله الذي خلقك؟ قلت: كيف أذكره؟ فقال: قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك: الله معي! الله ناظر إلي! الله شاهدي! قلت ذلك ثلاث ليال ثم أعلمته. قال: قل ذلك كل ليلة سبع مرات، فقلت ذلك ثم أعلمته. فقال: قل كل ليلة إحدى عشرة مرة، فقلت ذلك ثم أعلمته، فوقع في قلبي حلاوة. فلما كان بعد سنة قال لي خالي: احفظ ما علمتك ودم عليه حتى تدخل القبر، فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة! فبقيت على ذلك سنين، فوجدت لها حلاوة في سري، ثم قال لي يوماً: يا سهل من كان الله معه وناظراً إليه وشاهده لا يعصي! إياك والمعصية! قال: كنت أشتري بدرهم شعيراً فيخبز لي منها أفطر كل سحر على قدر أوقية منها بغير ملح ولا ادام، فيكفيني الدرهم سنة، ثم عزمت على أن أطوي ثلاث ليال وأفطر ليلة ثم خمساً ثم سبعاً ثم خمساً وعشرين. بقيت على ذلك عشرين سنة. توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين.