الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبين الباطنية اختلاط أصلاً، وقال: إن وقع بينكم اختلاط فهم قوم عندهم حيل يخدعون بعضكم، وإذا خدعوا بعضكم وقع الخلاف والفتنة. فالأمر كان على ما أشار إليه فخر الإسلام، إن جاء من ذلك الجانب طائر قتلوه، فلما عاد إلى رويان بعثوا إليه الفدائية وقتلوه. عاش حميداً ومات شهيداً.
الري
مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن، كثيرة الخيرات وافرة الغلات والثمرات قديمة البناء؛ قال ابن الكلبي: بناها هوشنج بعد كيومرث. وقال غيره: بناها راز بن خراسان لأن النسبة إليها رازي. وهي مدينة عجيبة في فضاء من الأرض، وإلى جانبها جبل أقرع لا ينبت شيئاً يقال له طبرك. قالوا: انه معدن الذهب، إلا ان نيله لا يفي بالنفقة عليه ولهذا تركوا معالجته.
ودور هذه المدينة كلها تحت الأرض، ودورهم في غاية الظلمة وصعوبة المسلك، وإنما فعلوا ذلك لكثرة ما يطرقهم من العساكر، فإن كانوا مخالفين نهبوا دورهم، وإن كانوا موافقين نزلوا في دورهم غصباً، فاتخذوا مسالك الدور مظلمة ليسلموا من ذلك.
والناس يحفرون بها يجدون جواهر نفيسة وقطاع الذهب، وبها كنوز في كل وقت يظهر منها شيء، لأنها ما زالت موضع سرير الملك. وفي سنة أربع عشرة وستمائة في زمن ايلقلمش ظهر بها حباب كان فيها دنانير عجيبة، ولم يعرف انها ضرب أي ملك، وذكر انها خربت مراراً بالسيف والخسف.
وقال جعفر بن محمد الرازي: لما ورد المهدي في خلافة المنصور بنى المدينة التي بها الناس اليوم، على يد عمار بن الخصيب، وتمت عمارتها سنة ثمان وخمسين ومائة، ومياه هذه المدينة جارية في نفس المدينة، لكنها من أقذر المياه لأنهم يغسلون فيها جميع النجاسات، وتمشي إليها مياه الحمامات، وأهل المدينة لا يأخذون منها إلا نصف الليل لأنه في هذا الوقت يصفو عن النجاسات
التي تلقى فيه. وهواؤها في فصل الخريف سهام مسمومة، قلما تخطيء سيما في حق الغرباء، فإن الفواكه في هذا الوقت بها كثيرة رخيصة كالتين والخوخ والعنب، فإن العنب لا يقدرون على تحصيله إلى الشتاء. وبها نوع من العنب يسمونه الملاحي، حباته كحبات البسر وعنقوده كعذق التمر، ربما يكون مائة رطل. هذا النوع يبقى إلى الشتاء، ويحمل من الري إلى قزوين طول الشتاء، ومع كبر حباته قشره رقيق وطعمه طيب. وبها نوع آخر من العنب شبيه الرازقي إلا أن ثجيره ضعيف جداً، إذا قطفوه تركوه في الظل حتى يتزبب ويكون زبيبه طيباً جداً، يحمل إلى سائر البلاد.
ويجلب من الري طين يغسل به الرأس في غاية النعومة، يحمل هدية إلى سائر البلاد. وصناع المشط بالري لهم صنعة دقيقة، يعملون أمشاطاً في غاية الحسن تحمل هدية إلى البلاد. والآلات والأثاث المتخذة من الخشب الخلنج خشبها بطبرستان يتخذون منها هناك، وهي خشبة لا لطف فيها، ويحملونها إلى الري فيتركها أهل الري في الخرط مرة أخرى، ويلطفونها ثم يزوقونها بأنواع التزاويق من الري تحمل إلى جميع البلاد.
وأهل الري شافعية وحنفية. وأصحاب الشافعي أقل عدداً من أصحاب أبي حنيفة، والعصبية واقعة بينهم حتى أدت إلى الحروب، وكان الظفر لأصحاب الشافعي في جميعها مع قلة عددهم. والغالب على أهل الري القتل والسفك، ومعهم شيء من الأريحية، من ذلك حكي أن رجلاً من أرباب الثروة كان جاراً لبعض العيارين، فجاء وقت وضع حمل زوجة صاحب الثروة، ومن عادتهم أنهم يزينون الدار في هذا الوقت ويظهرون الأثاث والقماش، فلما أمسوا وكان لهم داران اجتمعوا كلهم عند صاحبة الطلق وخلت الدار الأخرى، فقال العيار: ما منعكم أن تنزلوا وتجمعوا جميع ما في هذه الدار؟ فنزلوا وأصعدوا جميع ما فيها إذ سمعوا ضجيج النساء يقلن: وضعت غلاماً! فقال العيار لأصحابه: إن هؤلاء فرحوا بهذا المولود، وإذا أحسوا بالقماش يتبدل فرحهم بالترح
ويعدون الولد شؤماً. ردوا القماش إليهم ليزداد فرحهم ويكون المولود ميمون النقيبة. فقالوا للقوم: خذوا قماشكم فإنا رددناها لأجل هذا المولود.
وينسب إليها الإمام العلامة أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي، إمام الوقت ونادرة الدهر وأعجوبة الزمان:
لقد وجدت مكان القول ذا سعةٍ
…
فإن وجدت لساناً قائلاً فقل
ذكر أبو القاسم علي بن حسن بن عساكر عن أبي هريرة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، انه قال: إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة في كل مائة سنة من يجدد لها دينها. قال: فكان على رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز، وعلى الثانية محمد بن ادريس الشافعي، وعلى رأس المائة الثالثة أبو العباس أحمد ابن شريح، وعلى رأس المائة الرابعة القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني، وعلى رأس الخامسة أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، وعلى رأس المائة السادسة أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي.
حكي أن فخر الدين الرازي ورد بخارى، وحضر حلقة رضى الدين النيسابوري، وكان في حلقته أربعمائة فاضل مثل ركن الدين العميدي وركن الدين الطاووسي ومن كان من طبقاتهم ومن كان دونهم، واستدل في ذلك المجلس فلم يبق من القوم إلا من أورد عليه سؤالاً أو سؤالين، فأعادها كلها، فلما قال: والاعتداد عن هذه الفوائد، قال رضى الدين: لا حاجة إلى الجواب فإنه لا مزيد على هذا. وتعجب القوم ضبطه وإعادته وترتيبه. وحكي انه قبل اشتهاره ذهب إلى خوارزم مع رسول، فقال أهل خوارزم للرسول: سمعنا ان معك رجلاً فاضلاً نريد أن نسمع منه فائدة، وكانوا في الجامع يوم الجمعة بعد الصلاة، فأشار الرسول إلى فخر الدين بذلك، فقال فخر الدين: افعل ذلك بشرط أن لا يبحثوا إلا موجهاً. فالتزموا ذلك. فقال: من أي علم تريدون؟
قالوا: من علم الكلام فإنه دأبنا. قال: أي مسألة تريدون؟ اختاروا مسألة شرع فيها وقررها بأدنى زمان، وكان هناك من العوام خلق كثير وعوام خوارزم متكلمة كلهم عرفوا أن فخر الدين قرر الدليل وغلبهم كلهم. فاراد مرتب القوم أن يخفي ذلك محافظة لمحفل الرئيس فقال: قد طال الوقت وكثرت الفوائد. اليوم نقتصر على هذا، وتمامه في مجلس آخر في حضرة مولانا، فقال فخر الدين: أيها الخوارزمي إن مولانا لا يقوم من هذا المجلس إلا كافراً أو فاسقاً، لأني ألزمته الحكم بالحجة، فإن لم يعتقد فهو كافر على زعمه، وان اعتقد ولم يعترف به فهو فاسق على زعمه.
وحكي انه ورد بخارى، وسمع أن أحداً من أهل بخارى ذكر اشكالات على إشارات أبي علي، فلما ورد فخر الدين بخارى أوصى لأصحابه أن لا يعرضوا ذلك على فخر الدين، فقال فخر الدين لأحد من أصحاب الرجل: اغزني ليلة واحدة. ففعل فضبطها كلها في ليلة واحدة، وقام وذهب إليه أول النهار وقال له: سمعت أنك أوردت الاشكالات على أبي علي، فمعنى كلام أبي علي هذا كيف تورد عليه الاشكال حتى أتى على جميعها، ثم قال له: أما تتقي الله فهو كلام الرجل ما تعرف وتفسرها من عندك تفسيراً فاسداً وتورد عليه الاشكال؟ فقال الرجل: أظن انك الفخر الرازي! فقال: ما أخطأت في هذا الظن! وقام وخرج.
وحكي انه كان يعظ على المنبر بخوارزم وعوام خورازم كلهم متكلمة يبحثون بحثاً صحيحاً، وكان يأتي بمسألة مختلفة بين المعتزلة والأشاعرة، ثم يقررها تقريراً تاماً ويقول: أئمة المعتزلة لا يقدرون على مثل هذا التقرير. ويقول لهم: أما هذا تقرير حسن؟ يقولون: نعم. فيقول: اسمعوا إبطاله! فيبطله بأدلة أقوى منها، فالمعتزلة عزموا على ترك الاعتزال لأن الواجب عليهم اتباع الدليل، فقال لهم مشايخهم: لا تخالفوا مذهبكم فإن هذا رجل أعطاه الله في التقرير قوة عجيبة، فإن هذا لقوته. لا لضعف مذهبكم.
وحكي انه كان على المنبر فنقل شيئاً من التوراة فقالوا له: كيف عرفت انه في التوراة؟ فقال: أي سفر شئتم عينوا حتى أقرأه عليكم! وجاءته حمامة خلفها باشق يريد صيدها، فدخلت الحمامة خلف ظهر الشيخ فقال بعض الحاضرين:
جاءت سليمان الزّمان بشجوها
…
والموت يلمع من جناح الخاطف
من عرّف الورقاء أنّ جنابكم
…
حرمٌ، وأنّك مأمنٌ للخائف؟
فالشيخ خلع عليه قميصه وعمامته. توفي عيد الفطر سنة ست وستمائة.
وينسب إليها أبو إسحق إبراهيم بن أحمد الخواص. كان من أقران الجنيد والنوري. كان إبراهيم متوكلاً يمشي في أسفاره بلا زاد، وحكى منصور ابن عبد الله الهروي قال: كنت مع قوم في مسجد رسول الله. صلى الله عليه وسلم، نتحدث في كرامات الأنبياء، ومعنا رجل مكفوف يسمع حديثنا، فلما فرغنا قال: آنسكم الله فإني أنست بحديثكم، فاسمعوا عني أيضاً حديثاً عجيباً. قال: كنت رأيت قبل عماي رجلاً غريباً يخرج من المدينة يمشي مسرعاً، فمشيت خلفه حتى أدركته، قلت له: اخلع ثيابك! فقال لي: اذهب حتى لا يصيبك ضرر! فشددت عليه وكلفته خلع ثيابه، فدفعني مراراً بالكلام فأبيت إلا خلع الثياب. فلما علم اني لست أندفع عنه أشار إلي عيني فعميتا، وذهب عني فبت تلك الليلة فرأيته في النوم فقلت: يا عبد الله وحق من أكرمك هذه الكرامة من أنت؟ قال: إبراهيم الخواص! وحكى الخواص، رحمة الله عليه: انتهيت إلى رجل صرعه الشيطان فجعلت أؤذن في أذنه، فناداني الشيطان من خوفه يقول: دعني أقتله، فإنه يقول: القرآن مخلوق! وحكى بعضهم قال: صحب الخواص مع اثنين فانتهينا إلى مسجد في المفازة فأوينا إليه، وكان الوقت شاتياً والمسجد لا باب له، فلما أصبحنا وجدنا إبراهيم واقفاً على باب المسجد يستر الباب ببدنه، قال:
خشيت أن تجدوا البرد فسترت الباب ببدني.
وحكى الخواص، رحمه الله، قال: رافقني في بعض أسفاري راهب فمضينا أسبوعاً ما أكلنا. فقال لي الراهب: يا راهب احنفية، هات إن كان عندك انبساط، فقد بلغنا في الجوع! فقلت: اللهم لا تفضحني عند هذا الكافر! فرأيت طبقاً فيه خبز وشواء ورطب وماء، فأكلنا ومشينا أسبوعاً آخر، فقلت: يا راهب النصارى، هات إن كان عندك انبساط فالنوبة لك! فدعا فرأيت طبقاً فيه أكثر مما كان على طبقي، فتحيرت وأبيت أن آكل منها، فقال لي الراهب: كل فإني أبشرك ببشريين: أحدهما أني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والثاني اني قلت يا رب ان كان لهذا الرجل خطر فافتح علي فتحاً! فأكلنا ومشينا إلى مكة، فأقام بها مدة ثم توفي بها ودفن في البطحاء.
وحكى إبراهيم قال: في بعض أسفاري انتهيت إلى شجرة قعدت تحتها، فإذا سبع هائل يأتي نحوي، فلما دنا مني رأيته يعرج، فإذا يده منتفخة وفيها فنخ، فهمهم وتركها في حجري، وعرفت انه يقول: عالج هذه! فأخذت خشبة فتحت بها الفنخ ثم شددته بخرقة خرقتها من ثوبي، فغاب ثم جاءني ومعه شبلان يبصبصان ورغيف تركه عندي ومشى.
وحكى إبراهيم، رحمه الله، قال: ركبت البحر مرة، فجاءنا ريح عاصف يمشي بالمركب على غير اختيارنا، فالركاب كانوا يدعون الله تعالى وكل واحد ينذر نذراً، وأنا قلت: ان نجاني الله تعالى من هذه لا آكل لحم الفيل! هكذا جرى على لساني، فالريح رمتنا إلى جزيرة فرأينا في الجزيرة ولد فيل، فالقوم أخذوه وذبحوه وجعلوا يأكلونه، فأشاروا إلي بأكله فأبيت أن آكل لأجل النذر. فأكل القوم كلهم من لحم ولد الفيل، فلما كان الليل جاء الفيل فما وجد الولد، فرأى القوم فجعل يشم واحداً واحداً ويحطمه بخفه حتى فرغ عن الكل، فأنا وقعت على وجهي حتى لا أراه وأيقنت بالهلاك. فلما شمتني لف خرطومه علي وحملني على ظهره وجعل يمشي طول الليل بي، فلما أصبحت
وصل إلى بيش فتركني هناك ومضى.
وحكى أبو حامد الأسود قال: سافرت مع الخواص ذات مرة، فانتهينا إلى ظل شجرة، فأقبل إلينا سبع هائل، فصعدت الشجرة خوفاً وإبراهيم نام تحت الشجرة، فجاء السبع فشمه من رأسه إلى قدمه وذهب، فلما كانت الليلة أوينا إلى مسجد فوقعت بقة على إبراهيم فأن أنيناً، فقلت له: هذا عجب! البارحة ما كنت تئن من أسد، والآن تئن من بقة؟ فقال: هذه الحالة غير تلك الحالة، البارحة كنت بالله والليلة أنا بنفسي! وحكي أن الخواص، رحمة الله عليه، لما دنت وفاته طلب الماء وتوضأ وتوفي سنة إحدى وتسعين ومائتين، فرئي بعد وفاته في النوم فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: أثابني على كل عم عملته ثم أنزلني منزلاً فوق منازل أهل الجنة وقال: يا إبراهيم هذا المنزل بسبب انك قدمت إلينا بالطهارة! وينسب إليها يحيى بن معاذ الرازي. كان شيخ الوقت وصاحب اللسان في الوعظ والقبول عند الناس، إلى أن اتصل بزين العارفين أبي يزيد البسطامي، فرأى من حالاته ما تحير فيها، فعلم أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، فلازم خدمته وذكر عنه حكايات عجيبة.
وحكي انه رأى بايزيد من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر مستوفزاً على صدور قدميه، رافعاً أخمصيه ضارباً بدفيه على صدره، شاخصاً بعينيه لا يطرف، ثم سجد عند الفجر فأطال ثم قعد وقال: اللهم إن قوماً طلبوك فأعطيتهم المشي على الماء والمشي على الهواء فرضوا منك بذلك، وإني أوذ بك من ذلك، وإن قوماً طلبوك فأعطيتهم كنوز الأرض ورضوا بذلك، وإني أعوذ بك من ذلك، وإن قوماً طلبوك فأعطيتهم طي الأرض فإنهم رضوا بذلك، واني أعوذ بك من ذلك، حتى عد نيفاً وعشرين مقاماً من مقامات الأولياء، ثم التفت إلي فرآني فقال: يحيى! قلت: نعم يا سيدي! فقال: منذ متى أنت هنا؟ قلت: منذ حين. فسكت فقلت: يا سيدي حدثني بشيء. فقال: أحدثك بما يصلح