المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بطيبها في الآفاق. والمدينة ذات قصور ومبان محكمة. بها بستان عبد - آثار البلاد وأخبار العباد

[زكريا القزويني]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌خطبة الكتاب

- ‌المقدمة الاولى

- ‌في الحاجة الداعية إلى إحداث المدن والقرى

- ‌المقدمة الثانية

- ‌في خواص البلاد

- ‌الفصل الأول

- ‌في تأثير البلاد في سكانها

- ‌الفصل الثاني

- ‌في تأثير البلاد في المعادن والنبات والحيوان

- ‌المقدمة الثالثة

- ‌في أقاليم الأرض

- ‌الاقليم الاول

- ‌إرم ذات العماد

- ‌البجة

- ‌بكيل

- ‌بلاد التبر

- ‌بلاد الحبشة

- ‌بلاد الزنج

- ‌بلاد السودان

- ‌بلاد النوبة

- ‌تغارة

- ‌تكرور

- ‌جابرسا

- ‌جاوة

- ‌جزاير الخالدات

- ‌جزيرة الرامني

- ‌جزيرة زانج

- ‌جزيرة سكسار

- ‌جزيرة القصار

- ‌جزيرة النساء

- ‌جزيرة واق واق

- ‌جوف

- ‌حرث

- ‌حضرموت

- ‌دلان ودموران

- ‌دنقلة

- ‌ذات الشعبين

- ‌ذمار

- ‌سبأ

- ‌سجلماسة

- ‌سرنديب

- ‌سفالة

- ‌سلوق

- ‌سمهر

- ‌سندابل

- ‌الشحر

- ‌شعب

- ‌شمخ

- ‌شيلا

- ‌صنعاء

- ‌الصين

- ‌ظفار

- ‌عمان

- ‌غانة

- ‌غدامس

- ‌قاع

- ‌قلعة الشرف

- ‌كاكدم

- ‌كله

- ‌كنام

- ‌كوار

- ‌لنجوية

- ‌مأرب

- ‌مذيخرة

- ‌مرباط

- ‌مسور

- ‌مقدشو

- ‌مقرى

- ‌مهرة

- ‌وبار

- ‌ورور

- ‌ اليمن

- ‌الاقليم الثاني

- ‌الأبلق

- ‌أجأ وسلمى

- ‌ارام

- ‌البحرين

- ‌بدر

- ‌تبت

- ‌تكناباذ

- ‌جاجلى

- ‌جزيرة برطاييل

- ‌جزيرة جابة

- ‌جزيرة سقطرى

- ‌جزيرة السلامط

- ‌جزيرة سيلان

- ‌جزيرة الشجاع

- ‌جزيرة القصر

- ‌الحجاز

- ‌الحجر

- ‌خط

- ‌خيبر

- ‌رحا بطان

- ‌زغر

- ‌زويلة

- ‌السند

- ‌سومناة

- ‌صنف

- ‌صيمور

- ‌الطائف

- ‌طيفند

- ‌عدن

- ‌فاس

- ‌فيصور

- ‌قبا

- ‌قزدار

- ‌قشمير

- ‌قمار

- ‌كلبا

- ‌كله

- ‌كنزة وقران

- ‌كولم

- ‌مدينة يثرب

- ‌المشقر

- ‌مغمس

- ‌مراكش

- ‌مكة

- ‌ملتان

- ‌مليبار

- ‌منىً

- ‌مندورفين

- ‌مندل

- ‌المنصورة

- ‌مهيمة

- ‌نجران

- ‌الندهة

- ‌الهند

- ‌يترب

- ‌ اليمامة

- ‌الاقليم الثالث

- ‌أبرقوه

- ‌أبسوج

- ‌أبيار

- ‌أجر

- ‌إخميم

- ‌أرجان

- ‌الأردن

- ‌أريحا

- ‌الإسكندرية

- ‌أسيوط

- ‌إصطخر

- ‌إفريقية

- ‌أفيق

- ‌أنصنا

- ‌أنطاكية

- ‌أنطرطوس

- ‌أورم الجوز

- ‌الأهواز

- ‌أيلة

- ‌باميان

- ‌بداً

- ‌براق

- ‌البشمور

- ‌بعلبك

- ‌بلقاء

- ‌بلينا

- ‌بلرم

- ‌بنارق

- ‌بنزرت

- ‌بيت لحم

- ‌ بيت المقدس

- ‌بلاد بربر

- ‌البيضاء

- ‌تاهرت

- ‌تدمر

- ‌تستر

- ‌تلمسان

- ‌تنس

- ‌تونس

- ‌التيه

- ‌الجابية

- ‌جاشك

- ‌جالطة

- ‌جزيرة تنيس

- ‌أنواع الطيور التي توجد بجزيرة تنيس

- ‌ويعرف بها من السمك تسعة وسبعون نوعاً

- ‌جزيرة الجساسة

- ‌جزيرة الكنيسة

- ‌جفار

- ‌جنابة

- ‌جور

- ‌جيرفت

- ‌جيزة

- ‌حلب

- ‌حمص

- ‌حوران

- ‌الحيرة

- ‌خبيص

- ‌خربة الملك

- ‌الخليل

- ‌دارا

- ‌دارابجرد

- ‌دمشق

- ‌دمندان

- ‌دمياط

- ‌دندرة

- ‌دورق

- ‌دورقستان

- ‌دير أبي هور

- ‌دير أتريب

- ‌دير أيوب

- ‌دير سمعان

- ‌دير طور سينا

- ‌دير الطير

- ‌دير نهيا

- ‌الرصافة

- ‌الرقادة

- ‌زكندر

- ‌سابور

- ‌سبتة

- ‌سجستان

- ‌سخا

- ‌سدوم

- ‌سمنود

- ‌سنجل

- ‌سنون

- ‌سوبلا

- ‌سيراف

- ‌سيرجان

- ‌سيلون

- ‌الشام

- ‌شرشال

- ‌شطا

- ‌شعب بوان

- ‌شيراز

- ‌سقياً لدشت الأرزن الطوّال

- ‌الصعيد

- ‌صفت

- ‌صفين

- ‌صقلية

- ‌صور

- ‌طبرستان

- ‌طبرية

- ‌طرسوس

- ‌العباسة

- ‌العريش

- ‌عزاز

- ‌عسقلان

- ‌عسكر مكرم

- ‌عكة

- ‌عين جارة

- ‌عين الشمس

- ‌الغريان

- ‌غزة

- ‌الغوطة

- ‌فارس

- ‌فرغانة

- ‌الفسطاط

- ‌فيروزاباد

- ‌الفيوم

- ‌القادسية

- ‌القاهرة

- ‌قبرس

- ‌قرية صاهك

- ‌قرية عبد الرحمن

- ‌قفط

- ‌قلعة النجم

- ‌القيروان

- ‌قيس

- ‌كابل

- ‌كاريان

- ‌كازرون

- ‌كدال

- ‌كرد فناخسرو

- ‌كركويه

- ‌كرمان

- ‌كفرطاب

- ‌كفرمندة

- ‌كفرنجد

- ‌كلز

- ‌كوزا

- ‌الكوفة

- ‌اللاذقية

- ‌اللجون

- ‌ماردين

- ‌ماسبدان

- ‌مجانة

- ‌محجة

- ‌مدين

- ‌مرسى الخرز

- ‌المرقب

- ‌مريسة

- ‌مريوط

- ‌مصر

- ‌المزة

- ‌المطرية

- ‌معرة النعمان

- ‌مكران

- ‌مليانة

- ‌منبج

- ‌منف

- ‌منية هشام

- ‌موتة

- ‌مورجان

- ‌المهدية

- ‌نابلس

- ‌ناصرة

- ‌نفزاوة

- ‌وادي الرمل

- ‌وادي موسى

- ‌وادي النمل

- ‌واقصة

- ‌ودان

- ‌هجر

- ‌هراة

- ‌هنديجان

- ‌هنديان

- ‌هيت

- ‌يابسة

- ‌ياقد

- ‌يزد

- ‌الاقليم الرابع

- ‌آبه

- ‌آذربيجان

- ‌آرشت وناشقين

- ‌آمل

- ‌أبلة

- ‌أبهر

- ‌أبيورد

- ‌إربل

- ‌اردبهشتك

- ‌أردبيل

- ‌أرسلان كشاد

- ‌أرمية

- ‌أستوناوند

- ‌أسفجين

- ‌أسفرايين

- ‌اشتروين

- ‌أصفهان

- ‌أفشنة

- ‌الموت

- ‌إيذج

- ‌إيراوه

- ‌ايلابستان

- ‌بابل

- ‌بالس

- ‌بدخشان

- ‌برقعيد

- ‌بروجرد

- ‌بسطام

- ‌البصرة

- ‌بغداد

- ‌بغشور

- ‌بلاد الديلم

- ‌بلخ

- ‌بلد

- ‌بلور

- ‌بنان

- ‌بوشنج

- ‌باخرز

- ‌بيهق

- ‌تبريز

- ‌تهران

- ‌جاجرم

- ‌الجبال

- ‌ جبل

- ‌جرباذقان

- ‌جرجان

- ‌جرجرايا

- ‌الجزيرة

- ‌جوهسته

- ‌جوين

- ‌جيلان

- ‌الحضر

- ‌حصن الطاق

- ‌حلوان

- ‌الحويزة

- ‌الحيرة

- ‌حيزان

- ‌خاوران

- ‌خراسان

- ‌خرقان

- ‌خوار

- ‌خواف

- ‌خوست

- ‌دامسيان

- ‌دامغان

- ‌داوردان

- ‌دور

- ‌دوراق

- ‌ديار بكر

- ‌دير الجب

- ‌دير الجودي

- ‌دير حزقيل

- ‌دير الخنافس

- ‌دير سعيد

- ‌دير العذارى

- ‌دير القيارة

- ‌دير كردشير

- ‌دير متى

- ‌دير مر توما

- ‌دير مر جرجيس

- ‌رأس العيس

- ‌رحبة الشام

- ‌روذبار

- ‌روذراور

- ‌رويان

- ‌الري

- ‌زاوه

- ‌زراعة

- ‌زز

- ‌زنجان

- ‌ساباط

- ‌سامرا

- ‌ساوه

- ‌سبران

- ‌سرجهان

- ‌سرخس

- ‌سلماس

- ‌سميرم

- ‌سناباذ

- ‌سنجار

- ‌سهرورد

- ‌شاذياخ

- ‌شاه دز

- ‌شكمبة

- ‌شهرزور

- ‌شهرستان

- ‌شيز

- ‌صيمرة

- ‌طالقان

- ‌الطاهرية

- ‌طبرستان

- ‌طبس

- ‌طرابلس

- ‌طرق

- ‌طرزك

- ‌طروز

- ‌طمغاج

- ‌طوس

- ‌طيب

- ‌طيزناباد

- ‌عانة

- ‌عبادان

- ‌عبد الله اباذ

- ‌العراق

- ‌عزان

- ‌عقرقوف

- ‌غرشستان

- ‌غريان

- ‌غزنة

- ‌الغور

- ‌فراهان

- ‌فم الدبل

- ‌فنك

- ‌قاشان

- ‌قرميسين

- ‌قزوين

- ‌قصران

- ‌قصر شيرين

- ‌قم

- ‌كران

- ‌كرخ

- ‌كركان

- ‌كسكر

- ‌كشم

- ‌كندر

- ‌كنكور

- ‌كوثى

- ‌لنبان

- ‌ليخواست

- ‌ماذران

- ‌ماذروستان

- ‌ماهاباذ

- ‌ماوشان

- ‌المدائن

- ‌مرو

- ‌المشان

- ‌المطيرة

- ‌الموصل

- ‌ميسان

- ‌ناووس الظبية

- ‌نسا

- ‌نخشب

- ‌نصراباذ

- ‌نصيبين

- ‌نضيراباذ

- ‌النعمانية

- ‌نهاوند

- ‌النهروان

- ‌نيسابور

- ‌نينوى

- ‌واسط

- ‌ورجند

- ‌هراة

- ‌همذان

- ‌يل

- ‌يمكان

- ‌الاقليم الخامس

- ‌آمد

- ‌أبروق

- ‌أران

- ‌أرزنجان

- ‌أرزن الروم

- ‌ارطانة

- ‌أرمية

- ‌أرمينية

- ‌الأشبونة

- ‌اشبيلية

- ‌أفرنجة

- ‌أفسوس

- ‌أفلوغونيا

- ‌إلبيرة

- ‌ الش

- ‌الأندلس

- ‌أنقرة

- ‌باب الابواب

- ‌بتم

- ‌بجانة

- ‌بخارى

- ‌ بذ

- ‌برذعة

- ‌بسطة

- ‌بلقوار

- ‌بلنسية

- ‌بيضاء

- ‌بيلقان

- ‌تركستان

- ‌تفليس

- ‌جرجانية

- ‌جنبذق

- ‌جنزة

- ‌ختلان

- ‌خلاط

- ‌خوارزم

- ‌خوي

- ‌خيوق

- ‌دير برصوما

- ‌الروم

- ‌رندة

- ‌روين دز

- ‌زمخشر

- ‌سبتة

- ‌سبرى حصار

- ‌سرقسطة

- ‌سمرقند

- ‌سيواس

- ‌شاش

- ‌شاطبة

- ‌شاشين

- ‌شبلية

- ‌شغنسة

- ‌شلب

- ‌شنترة

- ‌شنترين

- ‌شنت مرية

- ‌شنقنيرة

- ‌صغد

- ‌طراز

- ‌طرطوشة

- ‌طركونة

- ‌طلبيرة

- ‌ طليطلة

- ‌غرناطة

- ‌غنجرة

- ‌فاراب

- ‌فبرة

- ‌فراغة

- ‌فرمنتيرة

- ‌فهمين

- ‌قادس

- ‌قاليقلا

- ‌قرطبة

- ‌قسطلونة

- ‌قلعة اللان

- ‌قيصرية

- ‌كش

- ‌كند

- ‌لبلة

- ‌لشبونة

- ‌لورقة

- ‌مالطة

- ‌ما وراء النهر

- ‌مدينة النحاس

- ‌مراغة

- ‌مربيطر

- ‌المستطيلة

- ‌المصيصة

- ‌ملطية

- ‌موغان

- ‌ميافارقين

- ‌هرقلة

- ‌هزاراسب

- ‌وادي الحجارة

- ‌وشلة

- ‌والوطة

- ‌ياسي جمن

- ‌يونان

- ‌الاقليم السادس

- ‌أبولدة

- ‌اشت

- ‌أفرنجة

- ‌افش

- ‌انطرحت

- ‌ايرلاندة

- ‌باكويه

- ‌باني وأريشة

- ‌برذيل

- ‌برطاس

- ‌بلاد بجناك

- ‌بلاد بجا

- ‌بلاد بغراج

- ‌بلاد تاتار

- ‌بلاد التغزغز

- ‌بلاد جكل

- ‌بلاد الختيان

- ‌بلاد خرخيز

- ‌بلاد الخرلخ

- ‌بلاد الخزر

- ‌بلاد خطلخ

- ‌بلاد الروس

- ‌بلاد الروم

- ‌بلاد الغز

- ‌بلاد كيماك

- ‌بلدة بهى

- ‌بيقر

- ‌تركستان

- ‌رذوم

- ‌رومية

- ‌زره كران

- ‌سد يأجوج ومأجوج

- ‌سقسين

- ‌شابر

- ‌شروان

- ‌شلشويق

- ‌شناس

- ‌ظاخر

- ‌فاراب

- ‌فرغانة

- ‌قسطنطينية

- ‌القليب

- ‌كرتنة

- ‌كرمالة

- ‌مدينة النساء

- ‌مغانجة

- ‌نيقية

- ‌الاقليم السابع

- ‌ باشغرت

- ‌باطن الروم

- ‌بجنة

- ‌برجان

- ‌بلغار

- ‌شوشيط

- ‌صقلاب

- ‌مشقة

- ‌واطر بورونة

- ‌ورنك

- ‌ويسو

- ‌يأجوج ومأجوج

- ‌يورا

الفصل: بطيبها في الآفاق. والمدينة ذات قصور ومبان محكمة. بها بستان عبد

بطيبها في الآفاق. والمدينة ذات قصور ومبان محكمة.

بها بستان عبد المؤمن بن علي أبي الخلفاء، وهو بستان طوله ثلاثة فراسخ، وكان ماؤه من الآبار فجلب إليها ماء من أعماق تسير تسقي بساتين لها. وحكى أبو الربيع سليمان الملتاني ان دورة مراكش أربعون ميلاً.

ينسب إليها الشيخ الصالح سني بن عبد الله المراكشي، وكان شيخاً مستجاب الدعوة، ذكر أن القطر حبس عنهم في ولاية يعقوب بن يوسف فقال: ادع الله تعالى ان يسقينا. فقال الشيخ: ابعث إلي خمسين ألف دينار حتى أدعو الله تعالى أن يسقيكم في أي وقت شئتم! فبعث إليه ذلك، ففرقها على المحاويج، ودعا فجاءهم غيث مدرار أياماً، فقالوا له: كفينا ادع الله أن يقطعه! فقال: ابعث إلي خمسين ألف دينار حتى أدعو الله أن يقطعه. ففعل ذلك ففرق المال على المحاويج، ودعا الله تعالى فقطعه. والله الموفق.

‌مكة

هي البلد الأمين الذي شرفه الله تعالى وعظمه وخصه بالقسم وبدعاء الخليل، عليه السلام: رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات. واجعله مثابة للناس، وأمناً للخائف، وقبلةً للعباد، ومنشأ لرسول الله، صلى الله عليه وسلم. وعن رسول الله، عليه السلام: من صبر على حر مكة ساعة تباعدت عنه جهنم مسيرة عام، وتقربت منه الجنة مائتي عام! إنها لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد كان بعدي، وما أحلت لي إلا ساعة من نهار، ثم هي حرام لا يعضد شجرها ويحتش خلاها ولا يلتقط ضالتها إلا لمنشد.

وعن ابن عباس: ما أعلم على الأرض مدينة يرفع فيها حسنة مائةً إلا مكة، ويكتب لمن صلى ركعة مائة ركعة إلا مكة، ويكتب لمن نظر إلى بعض بنيانها عبادة الدهر إلا مكة، ويكتب لمن يتصدق بدرهم ألف درهم إلا مكة!

ص: 112

وهي مدينة في واد والجبال مشرفة عليها من جوانبها، وبناؤها حجارة سود ملس وبيض أيضاً. وهي طبقات مبيضة نظيفة حارة في الصيف جداً، إلا أن ليلها طيب وعرضها سعة الوادي وماؤها من السماء، ليس بها نهر ولا بئر يشرب ماؤها، وليس بجميع مكة شجر مثمر، فإذا جزت الحرم فهناك عيون وآبار ومزارع ونخيل، وميرتها تحمل إليها من غيرها بدعاء الخليل، عليه السلام: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع، إلى قوله من الثمرات.

وأما الحرم فله حدود مضروبة بالمنار قديمة، بينها الخليل، عليه السلام، وحده عشرة أميال في مسيرة يوم، وما زالت قريش تعرفها في الجاهلية والإسلام. فلما بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أقر قريشاً على ما عرفوه، فما كان دون المنار لا يحل صيده ولا يختلى خشيشه، ولا يقطع شجره ولا ينفر طيره، ولا يترك الكافر فيه. ومن عجيب خواص الحرم ان الذئب يتبع الظبي، فإذا دخل الحرم كف عنه! وأما المسجد الحرام فأول من بناه عمر بن الخطاب في ولايته، والناس ضيقوا على الكعبة، وألصقوا دورهم بها فقال عمر: إن الكعبة بيت الله ولا بد لها من فناء. فاشترى تلك الدور وزادها فيه واتخذ للمسجد جداراً نحو القامة، ثم زاد عثمان فيه، ثم زاد عبد الله بن الزبير في اتقانه، وجعل فيها عمداً من الرخام وزاد في أبوابه وحسنه. ثم زاد عبد الملك بن مروان في ارتفاع حيطانها وحمل السواري إليها من مصر في الماء إلى جدة، ومن جدة إلى مكة على العجل، وأمر الحجاج فكساها الديباج، ثم الوليد بن عبد الملك زاد في حلى البيت لما فتح بلاد الأندلس، فوجد بطليطلة مائدة سليمان، عليه السلام، كانت من ذهب ولها أطواق من الياقوت والزبرجد، فضرب منها حلى الكعبة والميزاب، فالأولى المنصور وابنه المهدي زادوا في اتقان المسجد وتحسين هيئته، والآن طول المسجد الحرام ثلاثمائة ذراع وسبعون ذراعاً، وعرضه ثلاثمائة ذراع وخمس عشرة ذراعاً، وجميع أعمدة المسجد أربعمائة وأربعة وثلاثون

ص: 113

عموداً، وأما الكعبة زادها الله شرفاً فإنها بيت الله الحرام. إن أول ما خلق الله تعالى في الأرض مكان الكعبة، ثم دحا الأرض من تحتها، فهي سرة الأرض ووسط الدنيا وأم القرى؛ قال وهب: لما أهبط آدم، عليه السلام، من الجنة حزن واشتد بكاؤه، فعزاه الله بخيمة من خيامها وجعلها موضع الكعبة، وكانت ياقوتة حمراء، وقيل درة مجوفة من جواهر الجنة، ثم رفعت بموت آدم، عليه السلام، فجعل بنوه مكانها بيتاً من حجارة فهدم بالطوفان وبقي على ذلك ألفي سنة، حتى أمر الله تعالى خليله ببنائه، فجاءت السكينة كأنها سحابة فيها رأس يتكلم، فبنى الخليل وإسمعيل، عليهما السلام، على ما ظللته.

وأما صفة الكعبة فإنها في وسط المسجد مربع الشكل، بابه مرتفع على الأرض قدر قامة، عليه مصراعان ملبسان بصفائح الفضة طليت بالذهب، وطول الكعبة أربعة وعشرون ذراعاً وشبر، وعرضها ثلاثة وعشرون ذراعاً وشبر، وذرع دور الحجر خمسة وعشرون ذراعاً، وارتفاع الكعبة سبعة وعشرون ذراعاً.

والحجر من جهة الشام يصب فيه الميزاب، وقد ألبست حيطان الحجر مع أرضه الرخام، وارتفاعه حقو، وحول البيت شاذروان مجصص ارتفاعه ذراع في عرض مثله، وقاية للبيت من السيل. والباب في وجهها الشرقي على قدر قامة من الأرض، طوله ستة أذرع وعشر أصابع، وعرضه ثلاثة أذرع وثماني عشرة إصبعاً. والحجر الأسود على رأس صخرتين، وقد نحت من الصخر مقدار ما دخل فيه الحجر. والحجر الأسود حالك على الركن الشرقي عند الباب في الزاوية، وهو على مقدار رأس إنسان، وذكر بعض المكيين حديثاً رفعوا على مشايخهم انهم نظروا إلى الحجر الأسود عند عمارة ابن الزبير البيت، فقدروا طوله ثلاثة أذرع وهو ناصع البياض إلا وجهه الظاهر، وارتفاع الحجر من الأرض ذراعان وثلث ذراع، وما بين الحجر والباب الملتزم، سمي بذلك لالتزامه الدعاء. كانت العرب في الجاهلية تتحالف هناك، فمن دعا على ظالم

ص: 114

هناك أو حلف اثماً عجلت عقوبته، وداخل البيت في الحائط الغربي الجزعة، على ستة أذرع من قاع البيت، وهي سوداء مخططة ببياض طولها اثنا عشر في مثل ذلك، وحولها طوق من ذهب عرضه ثلاث أصابع، ذكر أن النبي، عليه السلام، جعلها على حاجبه الأيمن.

والميزاب متوسط على جدار الكعبة بارز عنه قدر أربعة أذرع، وسعته وارتفاع حيطانه كل واحد ثماني أصابع، وباطنه صفائح الذهب، والبيت مستر بالديباج ظاهره وباطنه، ويجدد لباسه كل سنة عند الموسم. فإذا كثرت الكسوة خفف عنه وأخذها سدنة البيت، وهم بنو شيبة. وهذه صفة الكعبة والمسجد الحرام حولها، ومكة حول المسجد، والحرم حول مكة، والأرض حول الحرم هكذا.

ص: 115

روي عن النبي، عليه السلام، ان الله تعالى قد وعد هذا البيت أن يحجه في كل سنة ستمائة ألف، فإن نقصوا كملهم بالملائكة، وان الكعبة كالعروس المزفوفة، وكل من حجها متعلق بأستارها يسعون معها حتى تدخل الجنة فيدخلون معها.

وعن علي: ان الله تعالى قال للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها؟ فغضب عليهم وأعرض عنهم. فطافوا بعرش الله سبعاً كما يطوف الناس بالبيت اليوم يسترضونه، يقولون: لبيك اللهم لبيك! ربنا معذرة إليك! نستغفرك ونتوب إليك! فرضي عنهم وقال: ابنوا في الأرض بيتاً يطوف به عبادي، من غضبت عليه أرضى عنه كما رضيت عنكم.

وأما خصائص البيت وعجائبه فإن أبرهة بن الصباح قصده وأراد هدمه، فأهلكه الله تعالى بطير أبابيل. وذكر أن اساف بن عمرو ونائلة بنت سهيل زنيا في الكعبة، فمسخهما الله تعالى حجرين نصب أحدهما على الصفا والآخر على المروة ليعتبر بهما الناس. فلما طال مكثهما وعبدت الأصنام، عبدا معها إلى أن كسرهما رسول الله فيهما كسر من الأصنام.

ومن عجائب البيت أن لا يسقط عليه حمام إلا إذا كان عليلاً، وإذا حاذى الكعبة عرقة من طير تفرقت فرقتين ولم يعلها طائر منها. وإذا أصاب المطر أحد جوانبها يكون الخصب في تلك السنة في ذلك الجانب، فإذا عم المطر جميع الجوانب عم الخصب جميع الجوانب، ومن سنة أهل مكة ان من علا الكعبة من عبيدهم يعتقونه، وفي مكة من الصلحاء من لم يدخل الكعبة تعظيماً لها.

وعن يزيد بن معاوية: ان الكعبة كانت على بناء الخليل، عليه السلام، إلى أن بلغ النبي، صلى الله عليه وسلم، خمساً وثلاثين سنة، فجاءها سيل عظيم هدمها، فاستأنفوا عمارتها، وقريش ما وجدوا عندهم مالاً لعمارة الكعبة إلى أن رمى البحر بسفينة إلى جدة، فتحطمت فأخذوا خشبها واستعانوا

ص: 116

بها على عمارتها، فلما انتهوا إلى موضع الركن اختصموا وأراد كل قوم أن يكونوا هم الذين يضعونه في موضعه، وتفاقم الأمر بينهم حتى تناصفوا على أن يجعلوا ذلك لأول طالع، فطلع عليهم النبي، صلى الله عليه وسلم، فاحتكموا إليه فقال: هلموا ثوباً! فأتي به فوضع الركن فيه ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ففعلوا ذلك حتى إذا رفعوه إلى موضعه أخذ النبي، عليه السلام، الحجر بيده ووضع في الركن.

وعن عائشة قالت: سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن الحجر أمن البيت هو؟ قال: نعم. قلت: فما بالهم لم يدخلوه في البيت؟ فقال، صلى الله عليه وسلم: إن قومك قصرت بهم النفقة. قلت: فما شأن بابه مرتفعاً؟ قال: فعلوا ذلك ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا، ولولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية أخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت اني أدخل الحجر في البيت. فأدخل عبد الله بن الزبير عشرة من الصحابة حتى سمعوا منها ذلك، ثم هدم البيت وبناها على ما حكت عائشة. فلما قتل الحجاج ابن الزبير ردها على ما كان، وأخذ بقية الأحجار وسد بها الغربي ورصف الباقي في البيت، فهي الآن على بناء الحجاج.

وأما الحجر الأسود فجاء في الخبر انه ياقوتة من يواقيت الجنة، وانه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان يشهد لمن استلمه بحق وصدق.

روي أن عمر بن الخطاب قبله وبكى حتى علا نشيجه، فالتفت فرأى علياً فقال: يا أبا الحسن ههنا تسكب العبرات، واعلم انه حجر لا يضر ولا ينفع! ولولا اني رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقبله ما قبلته! فقال علي: بلى هو يضر وينفع يا عمر، لأن الله تعالى لما أخذ الميثاق على الذرية كتب عليهم كتاباً وألقمه هذا الحجر، فهو يشهد للمؤمن بالوفاء وعلى الكافر بالجحود، وذلك قول الناس عند الاستلام: اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك.

ص: 117

قال عبد الله بن عباس: ليس في الأرض شيء من الجنة إلا الركن الأسود والمقام، فإنهما جوهرتان من جواهر الجنة ولولا مسهما من أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله تعالى. ولم يزل هذا الحجر محترماً في الجاهلية والإسلام يقبلونه إلى أن دخلت القرامطة مكة سنة سبع عشرة وثلاثمائة عنوة، فنهبوها وقتلوا الحجاج وأخذوا سلب البيت وقلعوا الحجر الأسود، وحملوه إلى الاحساء من أرض البحرين حتى توسط فيه الشريف أبو علي عمر بن يحيى العلوي، بين الخليفة المطيع لله وبين القرامطة، سنة خمس وثلاثين فأخذوا مالاً عظيماً وردوه. فجاءوا به إلى الكوفة وعلقوه على الأسطوانة السابعة من أساطين الجامع ثم حملوه على مكانه.

وحكي أن رجلاً من القرامطة قال لبعض علماء الكوفة وقد رآه يقبل الحجر ويتمسح به: ما يؤمنكم انا غيبنا ذلك الحجر وجئنا بمثله؟ فقال: ان لنا فيه علامةً وهي انا إذا طرحناه في الماء يطفو، فجاءوا بماء وألقي فيه فطفا.

وأما المقام فإنه الحجر الذي وقف عليه الخليل، عليه السلام، حين أذن في الناس بالحج. وذرع المقام ذراع وهو مربع سعة أعلاه أربع عشرة إصبعاً في مثلها، ومن أسفله مثل ذلك، وفي طرفيه طوق من ذهب وما بين الطرفين بارز لا ذهب عليه، طوله من نواحيه كلها تسع أصابع وعرضه عشر أصابع، وعرضه من نواحيه إحدى وعشرون إصبعاً، والقدمان داخلتان في الحجر سبع أصابع، وبين القدمين من الحجر إصبعان، ووسطه قد استدق من التمسح. وهو في حوض مربع حوله رصاص، وعليه صندوق ساج، في طرفه سلسلتان يقفل عليهما قفلان.

قال عبد الله بن شعيب بن شيبة: ذهبنا نرفع المقام في عهد المهدي فانثلم وهو حجر رخو، فخشينا أن يتفتت، فكتبنا به إلى المهدي فبعث إلينا ألف دينار فصببناها في أسفله وأعلاه، وهو الذي عليه اليوم.

وبها جبل أبي قبيس، وهو جبل مطل على مكة تزعم العوام ان من أكل

ص: 118

عليه الرأس المشوي يأمن من وجع الرأس، وكثير من الناس يفعلون ذلك، والله أعلم بصحته.

وبها الصفا والمروة وهما جبلان ببطحاء مكة. قيل: ان الصفا اسم رجل والمروة اسم امرأة زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجراً، فوضعا كل واحد على الجبل المسمى باسمه لاعتبار الناس. وجاء في الحديث: ان الدابة التي هي من اشراط الساعة تخرج من الصفا، وكان عبد الله بن عباس يضرب عصاه على الصفا ويقول: إن الدابة لتسمع قرع عصاي هذا.

والواقف على الصفا يكون بحذاء الحجر الأسود، والمروة تقابل الصفا.

وبها جبل ثور أطحل، وهو جبل مبارك بقرب مكة، يقصده الناس لزيارة الغار الذي كان فيه النبي، صلى الله عليه وسلم، مع أبي بكر، حين خرج من مكة مهاجراً. وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز: إذ أخرجه الذين كفروا الآية يزوره الناس متبركين به.

وبها ثبير، وهو جبل عظيم بقرب منى، يقصده الناس زائرين متبركين به لأنه أهبط عليه الكبش الذي جعله الله فداء لإسمعيل، عليه السلام، وكان قرنه معلقاً على باب الكعبة إلى وقت الغرق قبل المبعث بخمس سنين. رآه كثير من الصحابة ثم ضاع بخراب الكعبة بالغرق. وتقول العرب: أشرق ثبير كيما نغير، إذا أرادوا استعجال الفجر.

وبها جبل حراء وهو جبل مبارك على ثلاثة أميال من مكة، يقصده الناس زائرين. وكان النبي، عليه السلام، قبل أن يأتيه الوحي حبب إليه الخلوة، وكان يأتي غاراً فيه. وأتاه جبرائيل، عليه السلام، في ذلك الغار، وذكر ان النبي، صلى الله عليه وسلم، ارتقى ذروته ومعه نفر من أصحابه فتحرك فقال عليه السلام: اسكن حرا فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد! فسكن.

وبها قدقد، وهو من الجبال التي لا يوصل إلى ذروتها، وفيه معدن البرام يحمل إلى سائر بلاد الدنيا.

ص: 119

وبها بئر زمزم وهي البئر المشهورة المباركة بقرب الكعبة؛ قال مجاهد: ماء زمزم إن شربت منه تريد شفاءً شفاك الله، وان شربته لظمإ أرواك الله، وان شربته لجوع أشبعك الله.

قال محمد بن أحمد الهمذاني: كان ذرع زمزم من أعلاها إلى أسفلها أربعين ذراعاً، وفي قعرها ثلاث عيون: عين حذاء الركن الأسود، وأخرى حذاء أبي قبيس، وقل ماؤها في سنة ثلاث وعشرين ومائتين، فحفروا فيها تسعة أذرع فزاد ماؤها، ثم جاء الله تعالى بالأمطار والسيول في سنة خمس وعشرين ومائتين فكثر ماؤها، وذرعها من رأسها إلى الجبل المنقور فيه إحدى عشرة ذراعاً وهو مطوي، والباقي وهو تسع وعشرون ذراعاً منقور في الحجر، وذرع تدويرها إحدى عشرة ذراعاً، وسعة فمها ثلاث أذرع وثلثا ذراع، وعليها ميلان ساج مربعة فيها اثنتا عشرة بكرة يستقى عليها. وأول من عمل الرخام عليها وفرش به أرضها المنصور. وعلى زمزم قبة مبنية في وسط الحرم عند باب الطواف تجاه باب الكعبة.

في الخبر: ان الخليل، عليه السلام، ترك إسمعيل وأمه عند الكعبة وكر راجعاً. قالت له هاجر: إلى من تكلنا؟ قال: إلى الله. قالت: حسبنا الله! فأقامت عند ولدها حتى نفد ماؤها فأدركتها الحنة على ولدها، فتركت إسمعيل بموضعه وارتقت إلى الصفا تنظر هل ترى عيناً أو شخصاً، فلم تر شيئاً فدعت ربها واستسقته، ثم نزلت حتى أتت المروة ففعلت مثل ذلك، ثم سمعت صوت السباع فخشيت على ولدها، فأسرعت نحو إسمعيل فوجدته يفحص الماء من عين قد انفجرت من تحت خده، وقيل بل من تحت عقبه، فلما رأت هاجر الماء يسري جعلت تحوطه بالتراب لئلا يسيل، قيل: لو لم تفعل ذلك لكان عيناً جارية. قالوا: وتطاولت الأيام على ذلك حتى عفتها السيول والأمطار ولم يبق لها أثر.

وعن علي، كرم الله وجهه: ان عبد المطلب بينا هو نائم في الحجر إذ

ص: 120