الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خوارزم
ناحية مشهورة ذات مدن وقرى كثيرة، وسيعة الرقعة فسيحة البقعة، جامعة لأشتات الخيرات وأنواع المسرات؛ قال جار الله الزمخشري: بخوارزم فضائل لا توجد في غيرها من سائر الأقطار، وخصال محمودة لا تتفق في غيرها من الأمصار، قد اكتنفها أهل الشرك، وأطافت بها قبائل الترك، فغزو أهلها معهم دائم، والقتال فيما بينهم قائم، وقد أخلصوا في ذلك نياتهم، وأمحضوا فيه طوياتهم، وقد تكفل الله بنصرهم في عامة الأوقات، ومنحهم الغلبة في جميع الوقعات، وقد خصها بجيحون واد عسر المعبر بعيد المسالك، غزير الماء كثير المهالك. وأهلها أصحاب قلوب جرية، ونفوس أبية، ولهم السداد والديانة، والوفاء والأمانة، ودينهم محبة الأخيار، ومقت الأشرار، والإحسان إلى الغرباء، والتعطف على الضعفاء. ومما اختصت به خوارزم أنواع الرقيق الروقة والخيل الهماليج الفرهة، وضروب الضواري من البزاة والصقور، وأجناس الوبر وألوان الثياب، وثمارها أطيب الثمار وأشهاها وألذها وأحلاها وأنماها وأمراها، وهواؤها أصح هواء، وماؤها أعذب ماء، وناهيك ببطيخها الذي لا يوجد مثله. انتهى كلام الزمخشري.
بها نهر جيحون؛ قال الأعمود: نهر جيحون يعرف بجريان يخرج من حدود بذخشان، وينضم إليها أنهار في حدود الختل ووحش فتصير نهراً عظيماً، وترتفع إليها أنهار البتم وأنهار صغانيان، وماء وحشاب الذي يخرج من بلاد الترك، ويصير في أرض وحش في جبل هناك يعبر قنطرة، ولا يعلم في الدنيا ماء في كثرته يضيق مثل ضيقه في هذا الموضع، وهذه القنطرة هي الحد بين الختل وواشجرد، ثم يمر على مدن كثيرة حتى يصل إلى خوارزم، ولا ينتفع شيء من البلاد إلا خوارزم، فإنها تستقل عنه ثم ينحدر عن خوارزم وينصب في بحيرة تسمى بحيرة خوارزم، بينها وبين خوارزم ستة أيام.
وحكي أن جيحون مع كثرة مائه يجمد في الشتاء، وكيفية جموده أنه إذا اشتد البرد وقوي كلبه جمد أولاً قطعاً، ثم تسري تلك القطع على وجه الماء، وكلما ماست قطعة من تلك القطاع أخرى التصقت بها، ولا تزال تنضم حتى صار جيحون كله سطحاً واحداً، ثم يثخن ويصير ثخنه في أكثر الأوقات خمسة أشبار؛ قال ابن فضلان في رسالته: رأيت جيحون وقد جمد سبعة عشر شبراً. والله أعلم بصحته. ثم يبقى باقي الماء تحته جارياً فيحفر أهل خوارزم فيه آباراً بالمعاول حتى يخرقوه إلى الماء، ثم يسقون منها كما يسقى من البئر لشربهم، ويحملونه في الجرار، وإذا استحكم جمود هذا النهر عبرت عليه القوافل والعجل الموقرة بالبقر، ولا يبقى بينه وبين الأرض فرق، ويتظاهر عليه الغبار كما يكون في البوادي، ويبقى على ذلك نحو شهرين. فإذا انكسرت سورة البرد عاد ينقطع قطعاً كما بدا في أول أمره إلى أن يعود إلى حاله الأولى. وهو نهر قتال قلما ينجو غريقه.
وبها جبل على ثمانية فراسخ من المدينة؛ قال أبو حامد الأندلسي: هذا الجبل فيه شعب كبير، وفي الشعب تل عال، وعلى التل شبه مسجد عليه قبة له أربعة أبواب آزاج كبار، ويتراءى للناظر كأن بنيان ذلك المسجد من الذهب ظاهره وباطنه، وحوله ماء محيط بالتل راكه لا مادة له إلا من ماء المطر والثلج زمان الشتاء. وإن ذلك الماء ينقص ويزيد ذراعاً في الصيف والشتاء في رؤية العين. والماء ماء عفن نتن عليه طحلب لا يستطيع أحد أن يخوضه، ومن دخل في ذلك استلبه الماء ولا يظهر أثره البتة، ولا يدرى أين ذهب. وعرض الماء مقدار مائة ذراع.
وحكي أن السلطان محمود بن سبكتكين وصل إلى هذا الموضع وأقام به زماناً وألقى يه الزوارق فغاصت فيه، فأمر السلطان جميع عساكره بحمل التراب والخشب ونفضها في ذلك الماء، فكل شيء ألقي فيه غاص ولم يظهر له أثر. وقالوا: إن ذلك الماء إذا وقع فيه حيوان لم يقدر أحد على إخراجه البتة، وان