الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منها النجائب المهرية، وانها كريمة جداً، ذكر أن سليمان بن عبد الملك كتب إلى عامله باليمن ليشتري له نجائب مهرية، فطلبوا فلم يجدوا شيئاً، فقدم رجل من بجيلة على جمل عظيم الهامة، فساوموه فقال: لا أبيعه فقالوا: لا نغصبك ولا ندعك، لكن نحبسك ونكاتب أمير المؤمنين حتى يأتينا أمره! فقال: هلا خيراً من هذا؟ قالوا: وما هو؟ قال: معكم نجائب كرام وخيل سبق، دعوني حتى أركب جملي واتبعوني، فإن لحقتموني فهو لكم بغير ثمن، ثم قال: تأهبوا. فصاح في أذنه ثم أثاره. فوثب وثبة شديدة فتبعوه فلم يدركوه.
وبار
قال الليث: هو أرض بين اليمن وجبال يبرين من محال عاد، فلما أهلكوا أورث الله أرضهم الجن فلا يتقاربها أحد من الناس.
قال أهل لاسير: هي مسماة بوبار بن ارم بن سام بن نوح، عليه السلام، وهي ما بين الشحر إلى صنعاء زهاء ثلاثمائة فرسخ في مثلها.
قال أحمد بن محمد الهمذاني: وبار كانت أكثر الأرضين خيراً وأخصبها ضياعاً وأكثرها شجراً ومياهاً وثمراً، فكثرت بها القبائل وعظمت أموالهم، وكانوا ذوي أجسام فأشروا وبطروا لم يعرفوا حق نعم الله تعالى عليهم، فبدل الله تعالى خلقهم وصيرهم نسناساً، لأحدهم نصف رأس ونصف وجه وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة، فخرجوا يرعون في تلك الغياض على شاطيء البحر كما ترى البهائم، وهم فيما بين وبار وأرض الشحر وأطراف اليمن، يفسدون الزرع فيصيدهم أهل تلك الديار بالكلاب، ينفرونهم عن زروعهم وحدائقهم.
حكى ابن الكيس النمري قال: كنا في رفقة أضللنا الطريق، فوقعنا في غيضة على ساحل البحر لا يدرك طرفاه، فإذا أنا بشيخ طويل كالنخلة، له
نصف رأس ونصف بدن وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة، فأسرع مثل حضر الفرس العتيق وهو يقول:
فررت من جور الشّراة شدّا
…
إذ لم أجد من الفرار بدّا
قد كنت دهراً في شبابي جلدا
…
فها أنا اليوم ضعيفٌ جدّا
زعم العرب أن سكان أرض وبار جن، ولا يدخلها إنسي أصلاً، فإن دخلها غالظاً أو عامداً حثوا في وجهه التراب، فإن أبى إلا الدخول خبلوه أو قتلوه، أو ضل فيها ولا يعرف له خبر، ولهذا قال الفرزدق:
ولقد ضللت أباك تطلب دارماً
…
كضلال ملتمسٍ طريق وبار
لا تهتدي به أبداً ولو بعثت به
…
بسبيل واردةٍ ولا آثار
منها الإبل الحوشية، تزعم العرب أنها التي ضربها إبل الجن، وهي إبل لم ير أحسن منها؛ قال الشاعر:
كأني على حوشيّةٍ أو نعامةٍ
…
لها نسبٌ في الطّير أو هي طائر
حكي أن رجلاً من أهل اليمن يوماً رأى في إبله فحلاً كأنه كوكب بياضاً وحسناً، فأقره فيها تى ضرب إبله، فلما لقحها لم يره حتى كان العام المقبل، وقد نتجت النوق أولاداً لم ير أحسن منها، وهكذا في السنة الثانية والثالثة. فلما ألقحها وأراد الانصراف هدر فاتبعه سائر ولده، فتبعها الرجل حتى وصل إلى أرض وبار، فرأى هناك أرضاً عظيمة وبها من الإبل الحوشية والبقر والحمير والظباء ما لا يحصى كثرةً، ورأى نخلاً كثيراً حاملاً وغير حامل، والتمر ملقى حول النخل قديماً وحديثاً بعضه على بعض، ولم ير أحداً من الناس، فبينا هو كذلك إذ أناه آت من الجن وقال له: ما وقوفك ها هنا؟ فقص عليه قصته وما كان من الإبل، فقال له: لو كنت فعلت ذلك على معرفة لقتلتك!