الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن ريشها يتساقط عنها وينبت لها ريش جديد، ويزول عنها الضعف وترجع إلى القوة والشباب.
حكي انه ذكر في مجلس كسرى أنوشروان أن بأرض الهند جبلاً فيه شجر ثمرتها تحيي الموتى، فبعث رجلاً إلى بلاد الهند ليأتيه بصحة هذا الكلام، فذهب إلى بلاد الهند يسأل عن الجبل حتى اجتمع ببعض البراهمة، فقال له: هذا الكلام مرموز من كلام الحكماء، أرادوا بالجبل الرجل العالم، وبالشجرة علمه، وبثمرتها فائدة علمه، وبالحياة حياة الآخرة. فقال كسرى: صدق عالم الهند؛ الأمر كما ذكر.
يترب
قرية من قرى
اليمامة
كثيرة النخل؛ قال ابن الكلبي: كان بها رجل من العمالقة يقال له عرقوب، فأتاه أخ له مستميحاً، فقال له عرقوب: إذا أطلعت نحلي فلك طلعها. فلما أطلعت قال: دعها حتى تصير بلحاً؛ فلما أبلحت قال: دعها حتى تصير زهواً، ثم حتى تصير بسراً، ثم حتى تصير رطباً ثم تمراً. فلما أتمرت عمد إليها ليلاً فجدها، فصار مثلاً في الخلف؛ قال الأصمعي:
وعدت وكان الخلف منك سجيّةً
…
مواعيد عرقوبٍ أخاه بيترب
اليمامة
ناحية بين الحجاز واليمن، أحسن بلاد الله وأكثرها خيراً ونخلاً وشجراً. كانت في قديم الزمان منازل طسم وجديس، وهما من ولد لاوذ بن ارم بن لاوذ بن سام بن نوح، عليه السلام. أقاموا باليمامة فكثروا بها وملك عليهم رجل من طسم يقال له عمليق بن حياش، وكان جباراً ظلوماً يحكم بينهم بما شاء. حكي انه احتكم إليه رجل وامرأة في مولود بينهما، فقال الزوج واسمه قابس: أيها الملك أعطيتها المهر كاملاً ولم أصب منها طائلاً إلا ولداً جاهلاً، فافعل
ما كنت فاعلاً! فقالت الزوجة واسمها هزيلة: أيها الملك هذا ولدي حملته تسعاً ووضعته دفعاً وأرضعته شبعاً، ولم أنل منه نفعاً، حتى إذا تمت فصاله واشتدت أوصاله أراد زوجي أخذه كرهاً وتركي ولهى! فقال الزوج: إني حملته قبل أن تحمله وكفلت أمه قبل أن تكفله! فقالت الزوجة: إنه أيها الملك حمله خفاً وأنا حملته ثقلاً، ووضعه شهوةً وأنا وضعته كرهاً! فلما رأى عمليق متانة حجتها تحير، ورأى أن يجعل الغلام في جملة غلمانه حتى يتبين له الرأي فيه، فقالت له هزيلة:
أتينا أخا طسمٍ ليحكم بيننا
…
فأظهر حكماً في هزيلة ظالما
ندمت وكم أندم وأنّى بعثرتي
…
وأصبح بعلي في الحكومة نادما
فلما سمع عمليق ذلك غضب على نساء جديس، وأمر أن لا تزوج بكر من نساء جديس حتى تدخل عليه فيكون هو مفترعها! فلقوا من ذلك ذلاً حتى تزوجت غفيرة بنت غفار، أخت الأسود بن غفار سيد جديس، فلما كانت ليلة الزفاف أخرجت لتحمل إلى الملك والقينات حولها يضربن بمعازفهن ويقلن:
ابدي بعمليق وقومي واركبي
…
وبادري الصّبح بأمرٍ معجب!
فسوف تلقين الذي لم تطلبي
…
وما لبكرٍ دونه من مهرب!
فأدخلت على عمليق فامتنعت عليه، وكانت أيدة فافترعها بحديدة وأدماها، فخرجت ودمها يسيل على قدميها فمرت باكية إلى أخيها وهو في جمع عظيم، وهي تقول:
لا أحدٌ أذلّ من جديس
…
أهكذا يفعل بالعروس؟
فقال أخوها: ما شأنك؟ فأنشأت تقول:
أيجمل أن يؤتى إلى فتياتكم
…
وأنتم رجالٌ فيكم عدد الرّمل؟
أيجمل تمشي في الدّماء فتاتكم
…
صبيحة زفّت في العشاء إلى بعل؟
فلو أنّنا كنّا رجالاً وكنتم
…
نساءً لكنّا لا نقرّ على الذّلّ!
فدبّوا إليهم بالصّوارم والقنا
…
وكلّ حسامٍ محدث الأمر بالصّقل
ولا تجزعوا للحرب قومي فإنّما
…
يقوم رجالٌ للرّجال على رجل!
فلما سمعت جديس ذلك امتلأت غيظاً، قال الأسود لجديس: يا قوم اتبعوني فإني عبر الدهر! فقال القوم: إنا لك مطيعون لكن عرفت أن القوم أكثر منا عدداً وعدداً! فقال الأسود: اني أرى أن أتخذ للملك طعاماً، فإذا حضروا أنا أقوم إلى الملك وكل واحد منكم إلى رئيس من رؤسائهم ونقتلهم! فصنع الأسود طعاماً وأمر أن يدفن كل واحد سيفه تحت الرمل مكان جلوسه، فلما جاءهم الملك وقومه وجلسوا للأكل قتل الأسود الملك، وقتل كل واحد منهم شريفاً من أشراف طسم، فلما فرغوا منهم شرعوا في بقايا طسم فهرب واحد منهم اسمه رياح بن مرة حتى لحق بحسان بن تبع الحميري وقال له: عبيدك ورعيتك قد اعتدى علينا جديس، فقال له: ما شأنك؟ فرفع عقيرته ينشد:
أجبني إلى قوم دعونا لغدرهم
…
إلى قتلهم فيها لك الأجر
فإنّك لن تسمع بيومٍ ولن ترى
…
كيوم أباد الحيّ طسماً به المكر
أتيناهم في أزرنا ونعالنا
…
علينا الملاء الحمر والحلل الخضر
بصرنا طعوماً بالعراء وطعمةً
…
ينازع فينا الطّير والذّئب والنّمر
فدونك قوماً ليس لله فيهم
…
ولا لهم منه حجابٌ ولا ستر
فأجابه حسان إلى سؤاله ووعده بنصره ثم سار في جيوشه إليهم، فصبحهم واصطلمهم، فهرب الأسود بن غفار بأخته في نفر منهم وقتل البقية وسباهم.
وينسب إليها زرقاء اليمامة، وانها كانت ترى الشخص من مسيرة يوم
وليلة، ولما سار حسان نحو جديس قال له رياح بن مرة: أيها الملك إن لي أختاً مزوجة في جديس واسمها الزرقاء، وانها زرقاء ترى الشخص من مسيرة يوم وليلة، أخاف أن ترانا فتنذر القوم بنا. فمر أصحابك ليقطعوا أغصان الأشجار وتستروا بها لتشبهوا على اليمامة. وساروا بالليل فقال الملك: وفي الليل أيضاً؟ فقال: نعم! ان بصرها بالليل أنفذ! فأمر الملك أصحابه أن يفعلوا ذلك، فلما دنوا من اليمامة ليلاً نظرت الزرقاء وقالت: يا آل جديس سارت إليكم الشجراء وجاءتكم أوائل خيل حمير. فكذبوها فأنشأت تقول:
خذوا خذوا حذركم يا قوم ينفعكم
…
فليس ما قد أرى مل أمر يحتقر
إني أرى شجراً من خلفها بشرٌ
…
لأمرٍ اجتمع الأقوام والشّجر
فلما دهمهم حسان قال لها: ماذا رأيت؟ قالت: الشجر خلفها بشر! فأمر بقلع عينيها وصلبها على باب جو، وكانت المدينة قبل هذا تسمى جواً، فسماها تبع اليمامة وقال:
وسمّيت جوّاً باليمامة بعدما
…
تركت عيوناً باليمامة همّلا
نزعت بها عيني فتاةٍ بصيرةٍ
…
رعاماً ولم أحفل بذلك محفلا
تركت جديساً كالحصيد مطرّحاً
…
وسقت نساء القوم سوقاً معجّلا
أدنت جديساً دين طسمٍ بفعلها
…
ولم أك لولا فعلها ذاك أفعلا
وقلت خذيها يا جديس بأختها!
…
وأنت لعمري كنت في الظّلم أوّلا!
فلا تدع جوّاً ما بقيت بإسمها
…
ولكنّها تدعى اليمامة مقبلا
وينسب إليها مسيلمة الكذاب الذي يقال له رحمن اليمامة، ادعى النبوة في عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فطلبوا منه المعجزة فأخرجه قارورة ضيقة الرأس فيها بيضة، فآمن به بعضهم، وهم بنو حنيفة أقل الناس عقلاً،
فاستخف قومه فأطاعوه! وبنو حنيفة اتخذوا في الجاهلية صنماً من العسل والسمن يعبدونه، فأصابتهم في بعض السنين مجاعة فأكلوه، فضحك على عقولهم الناس وقالوا فيهم:
أكلت حنيفة ربّها
…
زمن التّقحّم والمجاعه
لم يحذروا من ربّهم
…
سوء العواقب والتّباعه
والبيضة إذا تركت في الخل زماناً لانت، فأدخلها في القارورة ثم صب عليها فعادت إلى حالها، وكان ظهوره في السنة العاشرة من الهجرة، وحكي انه كتب إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله. سلام عليك! أما بعد فإني أشركت في الأمر معك، وان لنا نصف الأرض ولقريش نصفها، لكن قريشاً يعتدون؛ وانفذه مع رسولين فكتب إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، السلام على من اتبع الهدى! أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. قتل مسيلمة خالد بن الوليد في زمن أبي بكر.
وحكي أنه رأى حمامة مقصوصة الجناح فقال: لم تعذبون خلق الله؟ لو أراد الله من الطير غير الطيران ما خلق لها جناحاً، وإني حرمت عليكم قص جناح الطائر! فقال بعضهم: سل الله الذي أعطاك آية البيض أن ينبت له جناحاً! فقال: إن سألت فانبت له جناحاً فطار تؤمنون بي؟ قالوا: نعم. فقال: إني أريد أناجي ربي، فأدخلوه معي هذا البيت حتى أخرجه وافي الجناح حتى يطير. فلما خلا بالطائر أخرج ريشاً كان معه وأدخل في قصبة كل ريشة مقطوعة ريشة مما كان معه، فأخرجه وأرسله فطار فآمن به جمع كثير.
وحكي أنه قال في ليلة منكرة الرياح مظلمة: إن الملك ينزل إلي الليلة ولأجنحة الملائكة صلصلة وخشخشة، فلا يخرجن أحدكم فإن من تأملهم اختطف بصره. ثم اتخذ صورة من الكاغد لها جناحان وذنب، وشد فيها
الجلاجل والخيوط الطوال فأرسل تلك الصورة وحملتها الريح، والناس بالليل يرون الصورة ويسمعون صوت الجلاجل ولا يرون الخيط. فلما رأوا ذلك دخلوا منازلهم خوفاً من أن تختطف أبصارهم، فصاح بهم صائح: من دخل منزله فهو آمن! فأصبحوا مطبقين على تصديقه؛ قال الهذلي:
ببيضة قارورٍ وراية شادنٍ
…
وتوصيل مقصوصٍ من الطير جازف
فلما سمع سورة والذاريات قال: وقد أنزل علي مثلها، وهي: والزارعات زرعاً. فالحاصدات حصداً. فالطاحنات طحناً. فالخابزات خبزاً. فالآكلات أكلاً! فقال بعض أهل المجون: قل والخاريات خرياً! ولما سمع سورة الفيل قال: قد أنزل علي مثلها، وهي: الفيل. وما أدراك ما الفيل! له ذنب طويل ومشفر وثيل، وان ذلك من خلق ربنا النبيل! ولما سمع سورة الكوثر قال: قد أنزل علي مثلها، وهي: إنا أعطيناك الجواهر، فصل لربك وهاجر، ان شانئك هو الكافر! فسبحان من أظهر إعجاز القرآن، فلو كان من عند غير الله لكان مثل هذا.