الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غزة
مدينة طيبة بين الشام ومصر على طرف رمال مصر، قال، صلى الله عليه وسلم: أبشركم بالعروسين غزة وعسقلان. فتحها معاوية بن أبي سفيان في أيام عمر بن الخطاب. وكفاها معجزاً انها مولد الإمام محمد بن إدريس الشافعي. ولد بها سنة خمسين ومائة. انه كان يجعل الليل اثلاثاً: ثلثاً لتحصيل العلم، وثلثاً للعبادة، وثلثاً للنوم. وقال الربيع: كان يختم في رمضان ستين ختمة كل ذلك في الصلاة.
وحكي أن عامل اليمن كتب إلى الرشيد: إن ههنا شاباً قرشياً يميل إلى العلوية ويتعصب، فكتب الرشيد إليه: ابعثه إلي تحت الاستظهار. فحمل إلى الرشيد. حدث الفضل بن الربيع وقال: أمرني الرشيد بإحضار الشافعي، وكان غضبان عليه، فأحضرته فدخل عليه وهو يقرأ شيئاً. فلما رآه أكرمه وأمر له بعشرة آلاف درهم، فدخل خائفاً وخرج آمناً. فقلت: يا أبا عبد الله أخبرني بم كنت تقرأ عند دخولك؟ فقال: إنها كلمات حدثني بها أنس بن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، انه قرأها يوم الأحزاب؛ فقلت: اذكرها لي. فقال: اللهم اني أعوذ بنور قدسك وعظمة طهارتك وبركة جلالك من كل آفة وعاهة وطارق الجن والانس إلا طارقاً يطرق بخير! اللهم أنت عياذي فبك أعوذ، وأنت ملاذي فبك ألوذ! يا من ذلت له رقاب الجبابرة وخضعت له مقاليد الفراعنة، أعوذ بجلال وجهك وكرم جلالك من خزيك وكشف سترك، ونسيان ذكرك والاضراب عن شكرك! إلهي أنا في كنفك في ليلي ونهاري ونومي وقراري وظعني وأسفاري، ذكرك شعاري وثناؤك دثاري! لا إله إلا أنت تنزيهاً لأسمائك وتكريماً لسبحات وجهك الكريم! أجرنا يا ربنا من خزيك ومن شر عقابك، واضرب علينا سرادقات فضلك وقناسيات عذابك، واعنا بخير منك، وأدخلنا في حفظ عنايتك
يا أرحم الراحمين! وقد جربت هذه الكلمات لا يقولها خائف إلا آمنه الله تعالى، وكان الرشيد يقربه ويكرمه لما عرف فضله وغزارة علمه.
وكان القاضي أبو يوسف ومحمد بن حسن رتبا عشرين مسألة وبعثاها على يد حدث من أصحابهما فقال الشافعي له: من حملك على هذا؟ فقال: من أراد حكمها. فقال: متعنت أو متعلم؟ فسكت الغلام، فقال الشافعي: هذا من تعنت أبي يوسف ومحمد! ثم نظر فيها وحفظها ورد الدرج إلى الحدث، فأخبر الخليفة بذلك فأحضر أبا يوسف ومحمداً وسألهما عن حال الدرج فاعترفا به، فأحضر الشافعي وقال: بين أحكامها ولك الفضل. فقال: يا أمير المؤمنين قل لهما يسألاني عن واحدة واحدة ويسمعان جوابها بتوفيق الله. فعجزا عن استحضارها، فقال الشافعي: أنا أكفيهما. سألاني عن رجل ابق له عبد فقال: هو حر ان طعمت طعاماً حتى أجده، كيف الخلاص من ذلك؟ الجواب: يهبه لبعض أولاده ويطعم حتى لا يعتق.
وسألاني عن رجلين كانا فوق سطح فوقع أحدهما من السطح ومات فحرمت على الآخر امرأته. الجواب: ان امرأة الحي كانت أمة للميت، وكان الزوج بعض ورثته، فصارت الأمة ملكاً للزوج بحق الارث فحرمت عليه.
وسألاني عن رجلين خطبا امرأة في حالة واحدة وانها لم تحل لأحدهما وحلت للآخر. الجواب: لأحد الرجلين أربع وهي خامسة فلا تحل له، والآخر ما كان كذلك فحلت له.
وسألاني عن رجل ذبح شاة في منزله وخرج لحاجة ورجع، قال لأهله: كلوا فإنها حرمت علي، فقال له أهله: ونحن أيضاً قد حرمت علينا. الجواب: كان الرجل مجوسياً أو وثنياً، فذبح شاة وخرج لحاجة وأسلم وأهله أيضاً أسلموا، فقال لأهله: كلوا فإني أسلمت لا تحل لي ذبيحة المجوس! فقال له أهله: نحن أيضاً قد أسلمنا وحرمت علينا أيضاً.
وسألاني عن امرأة تزوجت في شهر واحد ثلاثة أزواج، كل ذلك حلال غير حرام. الجواب: إن هذه المرأة طلقها زوجها وهي حامل فوضعت. انقضت عدتها بالوضع فتزوجت، ثم ان هذا الزوج خالعها قبل الدخول فلا عدة عليها، فتزوج بها آخر وهكذا ان أردت رابعاً وخامساً وسادساً.
وسألاني عن رجل حرمت عليه امرأته سنة من غير حنث أو طلاق أو عدة. الجواب: هذا الرجل وامرأته كانا محرمين فلم يدركا الحج، فلم تزل امرأته تحرم عليه إلى العام القابل، فإذا فرغت من الحج في العام المقبل حلت لزوجها.
وسألا عن امرأتين لقيتا غلامين فقالتا: مرحباً بابنينا وابني زوجينا وهما زوجانا! الجواب: إن للمرأتين ابنين، وكل واحدة منهما مزوجة بابن صاحبتها، فكان الغلامان ابنيهما وابني زوجيهما وهما زوجاهما.
وسألا عن رجلين شربا الخمر فوجب الحد على أحدهما دون الآخر. الجواب: كان أحدهما غير موصوف بأوصاف وجوب الحدث كالعقل والبلوغ.
وسألا عن مسلمين سجدا لغير الله وهما مطيعان في هذه السجدة. الجواب: هذه سجدة الملائكة لآدم، عليه السلام.
وسألا عن رجل شرب من كوز بعض الماء وحرم الباقي عليه. الجواب: انه رعف فوقع في باقيه شيء من الدم فحرم عليه.
وسألا عن امرأة ادعت البكارة وزوجها يدعي أنه أصابها فكيف السبيل إلى تحقيق هذا الأمر؟ الجواب: تؤمر القابلة بأن تحملها بيضة فإن غابت البيضة كذبت المرأة وإن لم تغب صدقت.
وسألا عن رجل سلم إلى زوجته كيساً وقال لها: أنت طالق إن فتحته أو فتقته أو خرقته أو حرقته! وأنت طالق إن لم تفرغيه! الجواب: يكون في الكيس سكر أو ملح أو ما شابههما فيوضع في الماء الحار ليذوب ويفرغ الكيس.
وسألا عن امرأة قبلت غلاماً وقالت: فديت من أمه ولدت أمه وأنا امرأة أبيه. الجواب: انها أمه.
وسألا عن خمسة نفر زنوا بامرأة: فعلى أحدهم القتل، وعلى الثاني الرجم، وعلى الثالث الحد، وعلى الرابع نصف الحد، وعلى الخامس لا يجب شيء. الجواب: الأول مشرك زنا بامرأة مسلمة يجب قتله، والثاني محصن فعليه الرجم، والثالث بكر فعليه الحد، والرابع مملوك عليه نصف الحد، والخامس مجنون لا شيء عليه.
وسألا عن امرأة قهرت مملوكاً على وطئها وهو كاره لوطئها، فما يجب عليهما؟ الجواب: إن كان المملوك يخشى أن تقتله أو تضربه أو تحبسه فلا شيء عليه، وإلا فعليه نصف الحد. وأما مولاته إن كانت محصنة فعليها الرجم وإلا فالحد، ويباع المملوك عليها.
وسألا عن رجل يصلي بقوم فسلم عن يمينه طلقت امرأته، وعن يساره بطلت صلاته، ونظر إلى السماء فوجب عليه ألف درهم. الجواب: لما سلم عن يمينه رأى رجلاً كان زوج امرأته وكان غائباً، فثبت عند القاضي موته فتزوج بامرأته هذا المصلي، فرآه وقد قدم من سفره فحرمت عليه زوجته. ثم سلم عن شماله فرأى على ثوبه دماً فلزم عليه إعادة الصلاة، ونظر إلى السماء فرأى الهلال فحل عليه الدين المؤجل إلى رأس الشهر.
وسألا عن رجل ضرب رأس رجل بعصاً وادعى المضروب ذهاب إحدى عينيه وتجفيف الخياشيم والخرس من تلك الضربة، فيوميء بذلك كله إيماء أو يكتب كتابة. الجواب: يقام في مقابل الشمس، فإن لم يطرق رأسه فهو صادق، ويشم الحراق، فإن لم ينفعل فهو صادق، ويغرز لسانه، فإن خرج منه دم فهو صادق.
وسألا عن إمام يصلي بقوم وكان وراءه أربعة نفر، فدخل المسجد رجل فصلى عن يمين الإمام، فلما سلم الإمام عن يمينه رآه الرجل الداخل، فله قتل الإمام وأخذ امرأته وجلد الجماعة وهدم المسجد. الجواب: ان الداخل أمير تلك البقعة، وسافر وخلف أخاً مقامه في البلد فقتله المصلي، وشهد الجماعة
أن زوجة الأمير في نكاح القاتل، وأخذ دار الأمير غصباً جعلها مسجداً، فلما سلم رآه الأمير فعرفه فله قتله وأخذ منكوحته منه، وجلد الذين شهدوا زوراً، ورد المسجد داراً كما كانت.
فقال الرشيد: لله درك يا ابن ادريس ما أفطنك! وأمر له بألف دينار وخلعة، فخرج الشافعي من مجلس الخليفة يفرق الدنانير في الطريق قبضة قبضة، فلما انتهى إلى منزله لم يبق معه إلا قبضة واحدة أعطاها لغلامه.
وحكى أبو عبد الله نصر المروزي قال: كنت قاعداً في مسجد رسول الله، عليه السلام، إذ أغفيت إغفاءة فرأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في المنام فقلت له: اكتب يا رسول الله رأي أبي حنيفة؟ قال: لا! قلت: اكتب رأي مالك؟ قال: اكتب ما وافق حديثي! قلت: اكتب رأي الشافعي؟ طأطأ رأسه شبه الغضبان وقال: هو رد على من خالف سنتي! فخرجت في إثر هذه الرؤيا إلى مصر وكتبت كتب الشافعي. وقال الربيع بن سليمان: قال لي الشافعي: رضى الناس غاية لا تدرك، فعليك بما يصلحك فإنه لا سبيل إلى رضاهم. واعلم أن من تعلم القرآن جل عند الناس، ومن تعلم الحديث قويت حجته، ومن تعلم النحو هيب، ومن تعلم العربية رق طبعه، ومن تعلم الحساب جزل رأيه، ومن تعلم الفقه نبل قدره، ومن لم يصن لم ينفعه علمه، وملاك ذلك كله التقوى.
قال محمد بن المنصور: قرأت في كتاب طاهر بن محمد النيسابوري بخط الشافعي:
إنّ امرأً وجد اليسار فلم يصب
…
حمداً ولا شكراً لغير موفّق
الجدّ يدني كلّ شيءٍ شاسعٍ
…
والجدّ يفتح كلّ بابٍ مغلق
وإذا سمعت بأنّ مجدوداً حوى
…
عوداً فأثمر في يديه فصدّق
وإذا سمعت بأنّ محروماً أتى
…
ماءً ليشربه فغاض فحقّق