الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنك لن تسبق رزقك، ولن ترزق ما ليس لك، ومن لم يصدق فلينطح هذا الحجر حتى ينفجر!
شيلا
بلدة من أواخر بلاد الصين في غاية الطيب، لا يرى بها ذو عاهة من صحة هوائها وعذوبة مائها وطيب تربتها. أهلها أحسن الناس صورة وأقلها أمراضاً، وذكر أن الماء إذا رش في بيوتها تفوح منه رائحة العنبر، وهي قليلة الآفات والعلل، قليلة الذباب والهوام. إذا اعتل إنسان في غيرها ثم نقل إليها زالت علله.
قال محمد بن زكرياء الرازي: من دخلها استوطنا ولا يخرج عنها لطيبها ووفور خيراتها وكثرة ذهبها. والله الموفق.
صنعاء
قصبة بلاد اليمن، أحسن مدنا بناء وأصحها هواء وأعذبها ماء، وأطيبها تربة وأقلها أمراضاً، ذكر أن الماء إذا رش في بيوتها تفوح منه رائحة العنبر، وهي قليلة الآفات والعلل، قليلة الذباب والهوام. إذا اعتل إنسان في غيرها ونقل إليها يبرأ، وإذا اعتلت الإبل وأرعيت في مروجها تصح، واللحم يبقى بها أسبوعاً لا يفسد.
بناها صنعاء بن ازال بن عنير بن عابر بن شالح، شبهت بدمشق في كثرة بساتينها، وتخرق مياهها وصنوف فواكهها.
قال محمد بن أحمد الهمذاني: أهل صنعاء في كل سنة يشتون مرتين ويصيفون مرتين، فإذا نزلت الشمس نقطة الحمل صار الحر عندهم مفرطاً، فإذا نزلت أول السرطان زالت عن سمت رؤوسهم، فيكون شتاء، فإذا نزلت أول الميزان يعود الحر إليهم مرة ثانية فيكون صيفاً، وإذا صارت إلى الجدي شتوا مرة ثانية، غير أن شتاءهم قريب من الصيف في كيفية الهواء.
قال عمران بن أبي الحسن: ليس بأرض اليمن بلد أكبر من صنعاء، وهو بلد بخط الاستواء، بها اعتدال الهواء لا يحتاج الإنسان إلى رحلة الشتاء والصيف وتتقارب ساعات نهارها.
وكان من عجائب صنعاء غمدان الذي بناه التبابعة؛ قالوا: بانيه ليشرخ ابن يحصب؛ قال ابن الكلبي: اتخذه على أربعة أوجه: وجه أحمر ووجه أبيض ووجه أصفر ووجه أخضر، وبنى في داخله قصراً على سبعة سقوف بين كل سقفين أربعون ذراعاً، فكان ظله إذا طلعت الشمس يرى على ماء بينهما ثلاثة أميال، وجعل في أعلاه مجلساً بناه بالرخام الملون، وجعل سقفه رخامة واحدة، وصير على كل ركن من أركانه تمثال أسد، إذا هبت الريح يسمع منها زئير الأسد، وإذا أسرجت المصابيح فيه ليلاً كان سائر القصر يلمع من ظاهره كما يلمع البرق، وفيه قال ذو جدن الهمداني:
وغمدان الذي حدّثت عنه
…
بناه مشيّداً في رأس نيق
بمرمرةٍ وأعلاه رخامٌ
…
تحامٌ لا يعيّب بالشّقوق
مصابيح السّليط يلحن فيه
…
إذا أمسى كتوماض البروق
فأضحى بعد جدّته رماداً
…
وغيّر حسنه لهب الحريق
وقال أمية بن أبي الصلت يمدح سيف بن ذي يزن في قصيدة آخرها:
فاشرب هنيئاً عليك التاج مرتفقاً
…
في رأس غمدان داراً منك محلالا
تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ
…
شيبا بماء فصارا بعد أبوالا
وذكر أن التبابعة إذا قعدوا على هذا القصر وأشعلوا شموعهم يرى ذلك على مسيرة أيام.
حكي أن عثمان بن عفان، رضي الله عنه، لما أمر بهدم غمدان قالوا له: إن الكهنة يقولون هادم غمدان مقتول! فأمر بإعادته، فقالوا له: لو أنفقت
عليه خراج الارض ما أعدته كما كان، فتركه، ولما خربه وجد على خشبة من أخشابها مكتوباً: اسلم غمدان، هادمك مقتول. فهدمه عثمان بن عفان فقتل.
ووجد على حائط ايوان من مجالس تبع مكتوباً:
صبراً الدّهر نال منك فهكذا مضت الدهور
فرحٌ وحزنٌ بعده لا الحزن دام ولا السّرور
وبصنعاء جبل الشب وهو جبل على رأسه ماء يجري من كل جانب وينعقد حجراً قبل أن يصل إلى الأرض، وهو الشب اليماني الأبيض الذي يحمل إلى الآفاق.
ومن عجائب صنعاء ما ذكر أنه كان بها قبة عظيمة من جمجمة رجل. وبها نوع البر حبتان منه في كمام، ليس في شيء من البلاد غيرها، وبها الورس وهو نبت له خريطة كالسمسم، زرع سنة يبقى عشرين سنة.
وحكي أن أمير اليمن لما آل إلى الحبشة، بنى أبرهة بن الصبا بها كنيسة لم ير الناس أحسن منها، وسماها القليس، وزينها بالذهب والفضة والجواهر، وكتب إلى النجاشي: إني بنيت لك كنيسة ليس لأحد مثلها من الملوك، وأريد أصرف إليها حج العرب. فسمع ذلك بعض بني مالك بن كنانة فأتاها وأحدث فيها، فسأل أبرهة عنه، فقالوا: إنه من أهل البيت الذي يحج إليه العرب. فغضب وآلى ليسيرن إلى الكعبة ويهدمنها، ثم جاء بعسكره وفيلته، فأرسله الله تعالى عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول.
وبها الجنة التي أقسم أصحابها لنصرمنها مصبحين، وهي على أربعة فراسخ من صنعاء، وكانت تلك الجنة لرجل صالح ينفق ثمراتها على عياله، ويتصدق على المساكين، فلما مات الرجل عزم أصحابه على أن لا يعطو للمساكين شيئاً، فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين، فلما رأوها قالوا