الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جبال من الملح الأبيض والأصفر والأخضر والأحمر والأسود، ينحت منها الموائد والصحون والغضائر وغيرها من الظروف، وتهدى إلى سائر البلاد. وبها معدن الزئبق.
دمشق
قصبة بلاد الشام وجنة الأرض لما فيها من النضارة وحسن العمارة، ونزاهة الرقعة وسعة البقعة وكثرة المياه والأشجار ورخص الفواكه والثمار. قال أبو بكر الخوارزمي: جنان الدنيا أربع: غوطة دمشق، وصغد سمرقند، وشعب بوان، وجزيرة الأبلة، وقد رأيت كلها فأفضلها غوطة دمشق، وأهل السير يقولون: إن آدم، عليه السلام، كان ينزل في موضع بها يقال له الآن بيت الأبيات، وحواء في بيت لهيا، وهابيل في مقرى وقابيل في قنينة.
وكان في الموضع الذي يعرف الآن بباب الساعات عند الجامع صخرة عظيمة كانت القرابين توضع عليها، فما قبل نزلت نار أحرقته، وما لم يقبل بقي على حاله، وقتل قابيل هابيل على جبل قاسيون، وهو جبل على باب دمشق. وهناك حجر عليه مثل أثر الدم يزعم أهل دمشق انه الحجر الذي رض به قابيل رأس هابيل، وعند الحجر مغارة يقال لها مغارة الدم لذلك.
والمدينة الآن عظيمة حصينة ذات سور وخندق وقهندز، والعمارات مشبكة من جميع جوانبها، والبساتين محيطة بالعمارات فراسخ وقلما ترى بها داراً أو مسجداً أو رباطاً أو مدرسة أو خاناً إلا وفيها ماء جار.
ومن عجائبها الجامع وصفه بعض أهل دمشق قال: هو أحد العجائب كامل المحاسن جامع الغرائب، بسط فرشه بالرخام وألف على أحسن تركيب وانتظام. فصوص أقداره متفقة وصنعته مؤتلفة، وهو منزه عن صور الحيوان إلى صور النبات، وفنون الأغصان تجنى ثمرتها بالأبصار، ولا يعتريها حوائج الأشحار. والثمار باقية على طول الزمان مدركة في كل حين وأوان، لا يمسها
عطش مع فقدان القطر، ولا يصيبها ذبول مع تصاريف الدهر.
عمره الوليد بن عبد الملك، وكان ذا همة في أمر العمارات وبناء المساجد. أنفق على عمارته خراج المملكة سبع سنين، وحمل عليه الدساتير بما أنفق عليه على ثمانية عشر بعيراً فلم ينظر إليها، وأمر بإبعادها وقال: هو شيء أخرجناه لله فلا نتبعه! قالوا: من عجائب الجامع لو أن أحداً عاش مائة سنة، وكان يتأمله كل يوم، لرأى في كل يوم ما لم يره من حسن الصنعة ومبالغة التنميق.
وحكي أنه بلغ ثمن البقل الذي أكله الصناع ستين ألف دينار، فضج الناس استعظاماً لما أنفق فيه، وقالوا: أنفقت أموال المسلمين فيما لا فائدة لهم فيه! فقال: ان في بيت مالكم عطاء ثماني عشرة سنة، إن لم يدخل فيه حبة قمح! فسكت الناس، فلما فرغ أمر بتسقيفها من الرصاص، وإلى الآن سقفها من الرصاص، ورأيت الصانع يرقمها بالرصاص المذاب. قالوا: ان طيراً يذرق على الرصاص يحرقه فيحتاج إلى الإصلاح لدفع ماء المطر.
قال موسى بن حماد: رأيت في جامع دمشق كتابة بالذهب في الزجاج محفوراً سورة ألهاكم التكاثر ورأيت جوهرة حمراء نفيسة ملصقة في قاف المقابر، فسألت عن ذلك فقالوا: ماتت للوليد بنت كانت هذه الجوهرة لها، فأمرت أمها أن تدفن هذه الجوهرة معها، فأمر الوليد بها فصيرت في قاف المقابر، وحلف لأمها أنه أودعها المقابر.
والمسجد مبني على أعمدة رخام طبقتين: التحتانية أعمدة كبار، والفوقانية أعمدة صغار، في خلال ذلك صور المدن والأشجار بالفسيفساء والذهب والألوان. ومن العجب العمودان الحجريان اللذان على باب الجامع، وهما في غاية الإفراط طولاً وعرضاً، قيل: وهما من عمل عاد إذ ليس في وسع أبناء زماننا قطعهما ولا نقلهما ولا إقامتهما، وفي الجانب الغربي بالجامع عمودان على الطبقة العليا من الأعمدة الصغار، يقولون: انهما من الحجر الدهنج، وفي جدار الصحن
القبلي حجر مدور شبه درقة منقطة بأبيض وأحمر، قالوا: بذل الفرنج فيه أموالاً فلم يجابوا إليه. وللجامع أوقاف كثيرة وديوان عظيم، وعليها أرزاق كثير من الناس، منهم صناع يعملون القسي والنبال للجامع ويذخرونها ليوم الحاجة، ذكروا أن دخل الجامع كل يوم ألف ومائتا دينار، يصرف المائتان إلى مصالح الجامع والباقي ينقل إلى خزانة السلطان.
وأهل دمشق أحسن الناس خلقاً وخلقاً وزياً، وأميلهم إلى اللهو واللعب، ولهم في كل يوم سبت الاشتغال باللهو واللعب. وفي هذا اليوم لا يبقى للسيد على المملوك حجر، ولا للوالد على الولد، ولا للزوج على الزوجة، ولا للأستاذ على التلميذ، فإذا كان أول النهار يطلب كل واحد من هؤلاء نفقة يومه، فيجتمع المملوك بإخوانه من المماليك، والصبي بأترابه من الصبيان، والزوجة باخواتها من النساء، والرجل أيضاً بأصدقائه، فأما أهل التمييز فيمشون إلى البساتين ولهم فيها قصور ومواضع طيبة، وأما سائر الناس فإلى الميدان الأخضر، وهو محوط فرشه أخضر صيفاً وشتاء من نبت فيه، وفيه الماء الجاري.
والمتعيشون يوم السبت ينقلون إليه دكاكينهم. وفيها حلق المشعبذين والمساخرة والمغنين والمصارعين والفصالين. والناس مشغولون باللعب واللهو إلى آخر النهار، ثم يفيضون منها إلى الجامع ويصلون بها المغرب ويعودون إلى أماكنهم.
بها جبل ربوة، جبل على فرسخ من دمشق؛ قال المفسرون: إنها هي المذكورة في قوله تعالى: وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين. وهو جبل عال عليه مسجد حسن في وسط البساتين، ولما أرادوا إجراء ماء بردى وقع هذا الجبل في الوسط، فنقبوا تحته وأجروا الماء فيه، ويجري على رأسه نهر يزيد، وينزل من أعلاه إلى أسفله. وفي المسجد الذي على أعلى الماء الجاري. وله مناظر إلى البساتين، وفي جميع جوانبه الخضرة والأشجار والرياحين.
ورأيت في المسجد في بيت صغير حجراً كبيراً ذا ألوان عجيبة، حجمه كحجم صندوق مدور، وقد انشق بنصفين وبين شقيه مقدار ذراع، لم ينفصل