الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصلاً. وهم موترصدون للخلاف، ويرضى الوالي منهم بأن يقال: انهم في الطاعة وأدوا الخراج. وانهم لا يزرعون على البقر خوفاً من أنهم إذا خالفوا يؤخذ عواملهم، وإنما يزرعون بالمساحي ولا يقتنون الدواب والمواشي لما ذكرنا أن أعداءهم كثيرون فيأخذون مواشيهم.
وفواكههم كثيرة وحسنة جداً، سيما رمانهم فإن مثلها غير موجود في شيء من البلاد.
جاجرم
مدينة بأرض خراسان مشهورة بقرب اسفرايين. بها عين تنبع قناة بين جاجرم واسفرايين؛ حدثني بعض فقهاء خراسان: من غاص في ماء هذه العين يزول جربه.
الجبال
ناحية مشهورة يقال لها قهستان. شرقها مفازة خراسان وفارس، وغربها آذربيجان، وشمالها بحر الخزر، وجنوبها العراق وخوزستان. وهي أطيب النواحي هواء وماء وتربة. وأهلها أصح الناس مزاجاً وأحسنهم صورة؛ قالوا: إنها تربة ديلمية لا تقبل العدل والانصاف ومن وليها عصى! وكتب الإسكندر إلى أرسطاطاليس: أرى بأرض الجبال ملوكاً حساناً لا أختار قتلهم، وان تركتهم لا آمن عصيانهم، فماذا ترى؟ فكتب إليه أرسطاطاليس: أن سلم كل بقعة إلى أحد. ففعل ذلك وظهرت ملوك الطوائف، فلما مات الإسكندر اختلفوا فغلبهم أردشير بن بابك جد ملوك ساسان. فاتخذها الأكاسرة مصيفاً لطيب هوائها وسلامتها من سموم العراق وسخونة مائه وكثرة ذبابه وهوامه وحشراته، ولذلك قال أبو دلف العجلي:
وإني امرؤٌ كسرويّ الفعال
…
أصيف الجبال وأشتو العراقا
لا ينبت بها النخل والنارنج والليمون والأترج، ولا يعيش بها الفيل والجاموس ولو حملا إليها ماتا دون سنة. وقصبتها أصفهان والري وهمذان وقزوين. وبها من الجبال والأودية ما لا يحصى.
بها جبل أروند وهو جبل نزه خضر نضر مطل على همذان، حكى بعض أهل همذان قال: دخلت على جعفر بن محمد الصادق فقال: من أين أنت؟ قلت: من همذان. قال: أتعرف جبلها راوند؟ قلت: جعلني الله فداك! جبلها أروند؟ قال: نعم إن فيها عيناً من عيون الجنة! وأهل همذان يرون الماء الذي على قلة الجبل، فإنها يخرج منها الماء في وقت من أوقات السنة معلوم، ومنبعه من شق في صخر وهو ماء عذب شديد البرد، فإذا جاوزت أيامه المعدودة ذهب إلى وقته من العام المقبل لا يزيد ولا ينقص، وهو شفاء للمرضى يأتونه من كل جهة، وذكروا أنه يكثر إذا كثر الناس عليه ويقل إذا قلوا.
وبها جبل بيستون بين همذان وحلوان وهو عال ممتنع لا ترتقى ذروته، ومن أعلاه إلى أسفله أملس كأنه منحوت وعرضه ثلاثة أيام وأكثر. ذكر في تواريخ العجم أن حظية كسرى ابرويز شيرين المشهورة بالحسن والجمال عشقها رجل حجار اسمه فرهاذ، وتاه في حبها واشتهر ذلك بين الناس، فذكر أمره لأبرويز فقال لأصحابه: ماذا ترون في أمر هذا الرجل ان تركته وما هو عليه فهتك وقبح، وإن قتلته أو حبسته فعاقبت غير مجرم؟ فقال بعض الحاضرين: اشغله بحجر حتى يصرف عمره فيه! فاستصوب كسرى رأيه وأمر بإحضاره، فدخل وهو رجل ضخم البدن طويل القامة مثل الجمل الهائج، فأمر كسرى بإكرامه وقال: ان على طريقنا حجراً يمنعنا من المرور، نريد أن تفتح فيه طريقاً يصلح لسلوكنا فيه، وقد عرفنا دربتك وذكاءك! وأشار إلى بيستون لفرط شموخه وصلابة حجره. فقال الصانع: ارفع هذا الحجر من طريق الملك ان وعدني بشيرين! فتأذى كسرى من هذا لأنها كانت حظيته، لكن قال في نفسه: من يقدر على قطع بيستون؟ فقال في جوابه: نفعل ذلك إذا فرغت! فخرج
فرهاذ من عند كسرى وشرع في قطع الجبل، ورسم فيه درباً يتسع لعشرين فارساً عرضاً، وسمكه أعلى من الرايات والأعلام، فكان يقطع طول نهاره وينقل طول ليله، ويرصف القطاع الكبار شبه الأعدال في سفح الجبل ترصيفاً حسناً يحشو خللها بالنحاتة، ويسويها مع الطريق. وكان ينحت من الجبل شبه منارة عظيمة ثم يقطعها قطعاً كل قطعة كعدل ويرميها، ولقد رأيت عند اجتيازي به شبه منارة فتح جوانبها وما قطعها بعد، ورأيت قطعاً من الحجر كالأعدال عليها آثار ضرب الفاس، وفي كل قطعة حفرتان في جانبيها، ليجعل اليد فيها عند رفعها. فذكر يوماً عند كسرى شدة اهتمامه بقطع الجبل، فقال بعض الحاضرين: رأيته يرمي بكل ضربة شبه جبل، ولو بقي على ما هو عليه لا يبعد أن يفتح الطريق. فانفرق كسرى فقال بعضهم: أنا أكفيك أمره! فبعث إليه من أخبره بموت شيرين. فلما سمع ذلك ضرب فأسه على الحجر وأثبته فيه، ثم جعل يضرب رأسه على الفأس إلى أن مات. ومقدار فتحه من الجبل غلوة سهم، وتلك الآثار باقية إلى الآن لا ريب فيها.
وقال أحمد بن محمد الهمذاني: في سفح جبل بيستون ايوان منحوت من الحجر، وفي وسط الايوان صورة فرس كسرى شبديز وابرويز راكب عليه، وعلى حيطان الايوان صورة شيرين ومواليها؛ قيل: صورها فطرس بن سنمار، وسنمار هو الذي بنى الخورنق بظاهر الحيرة، وسببه أن شبديز كان أذكى الدواب وأعظمها خلقاً وأظهرها خلقاً، وأصبرها على طول الركض، كان لا يبول ولا يروث ما دام عليه سجره، ولا يخر ولا يزبد ما دام عليه لجامه. كان ملك الهند أهداه إلى ابرويز، فاتفق انه اشتكى وزاد شكواه فقال كسرى: من أخبرني بموته قتلته! فلما مات خاف صاحب خيله أن يسأل عنه فيجب عليه الخبر بموته، فجاء إلى البلهبد مغنيه وسأله أن يخبر كسرى ذلك في شيء من الغناء، وكان البلهبد أحذق الناس بالغناء ففعل ذلك. فلما سمع كسرى به فطن بمعناه وقال: ويحك! مات شبديز؟ فقال: الملك يقوله! فقال كسرى: زه! ما
أحسن ما تخلصت وخلصت غيرك! وجزع عليه فطرس بن سنمار فصوره على أحسن مثال، بحيث لا يكاد يفرق بينهما إلا بإدارات الروح، وجاء كسرى فتأمله باكياً وقال: يشد ما بقي هذا التمثال إلينا، وذكرنا ما يصير حالنا إليه بموت جسدنا وطموس صورتنا، ودروس أثرنا الذي لا بد منه، وسيبقى هذا التمثال أثراً من جمال صورتنا للواقفين عليه حتى كأننا بعضهم ونشاهدهم.
وحكي من عجائب هذا التمثال انه لم ير مثله، ولم يقف أحد منذ صور من أهل الفكر اللطيف والنظر الدقيق عليه إلا تعجب منه، حتى قال بعض الناس: انها ليست من صنعة البشر! ولقد أعطي ذاك المصور ما لم يعط غيره، فأي شيء أعجب من أن سخرت له الحجار كما أراد، حتى في الموضع الذي أراد أحمر جاء أحمر، وفي الموضع الذي أراد أبيض جاء أبيض، وكذلك سائر الألوان، والظاهر أن الأصباغ التي فيه عالجها بصنف من المعالجات العجيبة لم يغيرها طول الليالي، وصور الفرس واقفاً في وسط الإيوان، وكسرى راكب عليه لابس درعاً كأنه زرد به من حديد، يتبين مسامير الزرد في حلقها، وصور شيرين بحيث يظهر الحسن والملاحة في وجهها كأنها تسلب القلوب بغنجها. وسمعت أن بعض الناس عشق على صورة شيرين، وصار من عشقها متيماً، فكسروا أنفها لئلا يعشق عليها غيره. وذكر قصة شبديز خالد الفياض فقال:
والملك كسرى شهنشاه يقبضه
…
سهمٌ بريش جناح الموت مقطوب
إذ كان لذّته شبديز يركبه
…
وغنج شيرين والدّيباج والطّيب
بالنّار آلى يميناً شدّ ما غلظت
…
ان من يد أفعى الشبديز مصلوب
حتى إذا أصبح الشّبديز منجدلاً
…
وكان ما مثله في الناس مركوب
ناحت عليه من الأوتار أربعةٌ
…
بالفارسيّة نوحاً فيه تطريب
ورنّم الهربد الأوتار فالتهبت
…
من سحر راحته اليسرى شآبيب
فقال: مات؟ فقالوا: أنت فهت به
…
فأصبح الحنث عنه وهو مجذوب!
لولا البلهبد والأوتار تندبه
…
لم يستطع نعي شبديز المزاريب
أخنى الزّمان عليهم فاجر هدبهم
…
فما ترى منهم إلاّ الملاعيب
وبها جبل دماوند، وهو بقرب الري يناطح النجوم ارتفاعاً ويحكيها امتناعاً، لا يعلوه الغيم في ارتفاعه ولا الطير في تحليقه؛ قال مسعر بن مهلهل: انه جبل مشرف عال شاهق لا يفارق أعلاه الثلج صيفاً ولا شتاءً، ولا يقدر الإنسان أن يعلو ذروته، يراه الناظر من عقبة همذان، والناظر من الري يظن أنه مشرف عليه وبينهما فرسخان، فصعدت الجبل حتى وصلت إلى نصفه بمشقة شديدة، ومخاطرة بالنفس، فرأيت عيناً كبريتية، وحولها كبريت مستحجر، فإذا طلعت عليه الشمس الهتبت ناراً، والدخان يصعد من العين الكبريتية. وحكى أهل تلك النواحي أنهم إذا رأوا النمل يذخر الحب الكثير تكون السنة سنة جدب، وإذا دامت عليهم الأمطار حتى تأذوا منها صبوا لبن الماعز على النار فانقطعت. قال: جربت هذا مراراً فوجدته صحيحاً. وقالوا: إذا رأينا قلة هذا الجبل في وقت من الأوقات متحسراً عن الثلج، وقعت فتنة وأريقت دماء من الجانب الذي نراه متحسراً. وبقرب الجبل معدن الكحل الرازي والمرتك والاسرب والزاج. هذا كله قول مسعر.
وحكى محمد بن إبراهيم الضراب قال: ان أبي سمع أن بدماوند معدن الكبريت الأحمر، فاتخذ مغارف حديد طول السواعد واحتال في إخراجه، فذكر انه لا يقرب من ناره حديدة إلا ذابت من ساعتها. وذكر أهل دماوند أن رجلاً من أهل خراسان اتخذ مغارف حديدية طويلة مطلية بها، عالجها بها وأخرج من الكبريت لبعض الملوك.
وحكى علي بن رزين وكان حكيماً له تصانيف قال: وجهت جماعة إلى جبل دماوند وهو جبل عظيم شاهق في الهواء، يرى من مائة فرسخ، وعلى رأسه
أبداً مثل السحاب المتراكم، لا ينحسر شتاء ولا صيفاً، ويخرج من أسفله نهر ماؤه أصفر كبريتي، فذكر الجماعة أنهم وصلوا إلى قلته في خمسة أيام وخمس ليال، فوجدوا قلته نحواً من مائة جريب مساحة، على أن الناظر إليها من أسفله يراها كالمخروط. قالوا: وجدنا رملاً تغيب فيه الأقدام، وانهم لم يروا عليها دابة ولا أثر حيوان، وان الطير لا يصل إلى أعلاها والبرد فيها شديد والريح عاصف. وانهم عدوا سبعين كوة يخرج منها الدخان الكبريتي، ورأوا حول كل ثقب من تلك الكوى كبريتاً أصفر كأنه ذهب، وحملوا معهم شيئاً منه. وذكروا أنهم رأوا على قلته الجبال الشامخة مثل التلال، ورأوا بحر الخزر كالنهر الصغير، وبينهما عشرون فرسخاً.
وبها جبل ساوة وهو على مرحلة منها. رأيته جبلاً شامخاً إذا أصعدت عليه قدر غلوة سهم رأيت ايواناً كبيراً يتسع لألف نفس، وفي آخرهم قد برز من سقفه أربعة أحجار شبيهة بثدي النساء، يتقاطر الماء من ثلاثة والرابع يابس. أهل ساوة يقولون: انه مصه كافر فيبس! وتحتها حوض يجتمع فيه الماء الذي يتقاطر منها، وعلى باب الإيوان ثقبة لها بابان، وفيها انخفاض وارتفاع؛ يقول أهل ساوة: ان ولد الرشدة يقدر أن يدخل من باب ويخرج من الآخر وولد الزنية لا يقدر! وبها جبل كركس كوه جبل دورته فرخان في مفازة بين الري والقم، وهو جبل وعر المسلك في مفازة بعيدة عن العمارات، في وسطه ساحة فيها ماء، والجبال محيطة بها من جميع جوانبها، فمن كان فيها كأنه في مثل حظيرة.
وسمي كركس كوه لأن النسر كان يأوي إليه، وكركس هو النسر، فلو اتخذ معقلاً حصيناً إلا أنه في مفازة بعيدة عن البلاد قلما يجتاز بها أحد.
وبها جبل نهاوند، وهو بقرب نهاوند، قال ابن الفقيه: على هذا الجبل طلسمان صورة سمك وثور، قالوا: إنهما لأجل الماء لئلا يقل ماؤه، وماؤه ينقسم قسمين: قسم يجري إلى نهاوند، والآخر إلى الدينور.