الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رومية
مدينة رئاسة الروم وعلمهم. وهي في شمالي غربي القسطنطينية، وبينهما مسيرة خمسين يوماً، وهي في يد الفرنج، ويقال لملكهم ملك المان. وبها يسكن البابا الذي تطيعه الفرنج، وهو عندهم بمنزلة الإمام الذي يكون واجب الطاعة.
ومدينة رومية من عجائب الدنيا لعظم عمارتها وكثرة خلقها خارج عن العادة إلى حد لا يصدقه السامع؛ ذكر الوليد بن مسلم الدمشقي أن استدارة رومية أربعون ميلاً، في كل ميل منها باب مفتوح، فمن دخل من الباب الأول يرى سوق البياطرة، ثم يصعد درجاً فيرى سوق الصيارفة والبزازين، ثم يدخل المدينة فيرى في وسطها برجاً عظيماً واسعاً، في أحد جانبيه كنيسة قد استقبل بمحرابها المغرب، وببابها المشرق، وفي وسط البرج بركة مبطنة بالنحاس، يخرج منها ماء المدينة كله. حكي أن في وسطها عموداً من حجارة عليه صورة راكب على بعير، يقول أهل المدينة: إن الذي بنى هذه المدينة يقول لا تخافوا على مدينتكم حتى يأتيكم قوم على هذه الصفة، فهم الذين يفتحونها! وثلاثة جوانب المدينة في البحر، والرابع في البر، ولها سوران من رخام، وبين السورين فضاء طوله مائتا ذراع، وعرض السور ثمانية عشر ذراعاً، وارتفاعه اثنان وستون ذراعاً. بها نهر بين السورين يدور ماؤه في جميع المدينة، وهو ماء عذب يدور على بيوتهم ويدخلها، وعلى النهر قنطرة بدفوف النحاس، كل دفة منها ستة وأربعون ذراعاً. إذا قصدهم عدو رفعوا تلك الدفوف فيصير بين السورين بحر لا يرام، وعمود النهر ثلاثة وتسعون ذراعاً في عرض ثلاثة وأربعين ذراعاً، وبين باب الملك إلى باب الذهب اثنا عشر ميلاً، وسوق ممتد من شرقيها إلى غربيها بأساطين النحاس، وسقفه أيضاً نحاس، وفوقه سوق آخر في الجميع التجار وأصحاب الأمتعة. وذكر أن بين يدي هذا السوق سوقاً آخر على أعمدة نحاس، كل عمود منها ثلاثون ذراعاً. وبين هذه الأعمدة نقير
من نحاس في طول السوق من أوله إلى آخره، فيه لسان من البحر تجري فيه السفن، فتجيء السفينة في هذه النقرة، وفيه الأمتعة حتى تجتاز على السوق بين يدي التجار، فتقف على تاجر تاجر فيختار منها ما يريد ثم ترجع إلى البحر.
وبها كنيسة داخل المدينة بنيت على اسم مار بطرس ومار بولس، وهما مدفونان فيها، يقصدهما الروم، ولهم فيهما اعتقاد عظيم ويذكرون عنهما أشياء عجيبة. وطول هذه الكنيسة ألف ذراع في خمسمائة ذراع في سمك مائتي ذراع.
وبها كنيسة أخرى بنيت باسم اصطافنوس رأس الشهداء. طولها ستمائة ذراع في عرض ثلاثمائة ذراع في سمك مائة وخمسين ذراعاً. وسقوف هذه الكنيسة وحيطانها وأرضها وبيوتها وكواها كلها حجر واحد. وفي المدينة كنائس كثيرة.
وفيها عشرة آلاف دير للرجال والنساء، وحول سورها ثلاثون ألف عمود للرهبان. وفيها اثنا عشر ألف زقاق، يجري في كل زقاق منها نهران: أحدهما للشرب، والآخر للحشوش. وفيها اثنا عشر ألف سوق، في كل سوق قبانان، وأسواقها كلها مفروشة بالرخام الأبيض، منصوبة على أعمدة النحاس، مطبقة بدفوف النحاس. وفيها ستمائة وستون ألف حمام. وإذا كان وقت الزوال يوم السبت ترك جميع الناس أشغالهم في جميع الأسواق إلى غروب الشمس يوم الأحد، وهو عيد النصارى.
وبها مجامع لمن يلتمس صنوف العلم من الطب والنجوم والحكمة والهندسة وغير ذلك؛ قالوا: انها مائة وعشرون موضعاً.
وبها كنيسة صهيون. شبهت بصهيون بيت المقدس، طولها فرسخ في عرض فرسخ في سمك مائتي ذراع، ومساحة هيكلها ستة أجربة. والمذبح الذي يقدس عليه القربان من زبرجد أخضر، طوله عشرون ذراعاً في عرض عشرة أذرع، يحمله عشرون تمثالاً من ذهب، طول كل تمثال ثلاثة أذرع، أعينها يواقيت
حمر، وفي الكنيسة ألف ومائتا أطسوانة من المرمر الملمع، ومثلها من النحاس المذهب، طول كل أسطوانة خمسون ذراعاً، لكل أسطوانة رجل معروف من الأساقفة. ولها ألف ومائتا باب كبار من النحاس الأصفر المفرغ، وأربعون باباً من الذهب، وأما الأبواب من الآبنوس والعاج فكثيرة. وفيها مائتا ألف وثلاثون ألف سلسلة من ذهب معلق من السقف ببكر تعلق منها القناديل، سوى القناديل التي تسرج يوم الأحد.
وبها من الأساقفة والشمامسة، وغيرهم ممن يجري عليه الرزق من الكنيسة خمسون ألفاً، كلما مات واحد قام مقامه آخر. وفيها عشرة آلاف جرة، وعشرة آلاف خوان من ذهب، وعشرة آلاف كاس، وعشرة آلاف مسرجة من ذهب. والمنائر التي تدار حول المذبح سبعمائة منارة، كلها ذهب، وفيها من الصلبان التي تقوم يوم الشعانين ثلاثون ألف صليب، وأما صلبان الحديد والنحاس المنقوشة والمموهة فمما لا يحصى، ومن المصاحف الذهبية والفضية عشرة آلاف مصحف. وقد مثل في هذه الكنيسة صورة كل نبي بعث من وقت آدم إلى عيسى، عليه السلام، وصورة مريم، عليها السلام، كان الناظر إذا نظر إليهم يحسبهم أحياء.
وفيها مجلس الملك حوله مائة عمود، على كل عمود صنم، في يد كل صنم جرس عليه اسم أمة من الأمم جميعاً. زعموا أنها طلسمات إذا تحرك صنم عرفوا ان ملك تلك الأمة يريدهم فيأخذون حذرهم.
وبها طلسم الزيتون، بين يدي هذه الكنيسة صحن يكون خمسة أميال في مثلها، في وسطه عمود من نحاس ارتفاعه خمسون ذراعاً، وهو كله قطعة واحدة، وفوقه تمثال طائر، يقال له السوداني، من ذهب، على صدره نقش وفي منقاره شبه زيتونة، وفي كل واحدة من رجليه مثل ذلك. فإذا كان أوان الزيتون لم يبق طائر في تلك الأرض إلا أتى وفي منقاره زيتونة وفي رجليه
زيتونتان يلقيها على ذلك الطلسم، فزيت أهل رومية وزيتونهم من ذلك؛ قالوا: هذا من عمل بليناس صاحب الطلسمات. وعلى هذا الطلسم أمناء وحفظة من قبل الملك، وأبواب مختومة فإذا ذهب أوان الزيتون وامتلأ الصحن من الزيتون يجتمع الأمناء، ويعطي الملك البطارقة منه ومن يجري مجراهم على قدرهم، ويجعل الباقي لقناديل الكنيسة. وهذه القصة، أعني طلسم الزيتون، رأيتها في كتب كثيرة قلما تترك في شيء من عجائب البلاد.
وقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: من عجائب الدنيا شجرة برومية من نحاس، عليها صورة سودانية، في منقارها زيتونة، فإذا كان أوان الزيتون صفرت فوق الشجرة، فيوافي كل طير في تلك الأرض من جنسها ثلاث زيتونات في منقاره ورجليه، ويلقيها على تلك الشجرة فيعصرها أهل رومية فتكفيهم لقناديل بيعهم وأكلهم جميع الحول.
وبها طلسم آخر وهو أنه في بعض كنائسهم نهر يدخل من خارج المدينة، وفيه من الضفادع والسلاحف والسرطانات شيء كثير، وعلى الموضع الذي يدخله الماء من الكنيسة صورة صنم من حجارة، في يده حديدة معتقة كأنه يريد أن يتناول بها شيئاً من الماء، فإذا انتهت إليه هذه الحيوانات المؤذية رجعت ولم يدخل الكنيسة شيء منها البتة.
وهذه كلها منقولة من كتاب ابن الفقيه، وهو محمد بن أحمد الهمذاني، وأعجب من هذه كلها أن مدينة هذه صفتها من العظم ينبغي أن تكون مزارعها وضياعها إلى مسيرة أشهر، وإلا لا يقوم بميرة أهلها. وذكر قوم من بغداد أنهم شاهدوا هذه المدينة قالوا: انها في العظم والسعة وكثرة الخلق مما يقارب هذا، والذي لم يرها يشكل عليه.
وحكي أن أهل رومية يحلقون لحاهم ووسط هاماتهم، فسئلوا عن ذلك فقالوا: لما جاءهم شمعون الصفا والحواريون دعوهم إلى النصرانية، فكذبوهم