الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تركستان
اسم جامع لجميع بلاد الترك، وحدها من الإقليم الأول ضارباً في المشرق عرضاً إلى الإقليم السابع، وأكثرهم أهل الخيام، ومنهم أهل القرى، وسنذكر بلادهم وقبائلهم في الإقليم السادس إن شاء الله تعالى، وإنهم سكان شرقي الأقاليم كلها من الجنوب إلى الشمال، ممتازة عن جميع الأمم بكثرة العدد، وزيادة الشجاعة والجلادة وصورة السباع، عراض الوجوه فطس الأنوف عبل السواعد ضيقو الأخلاق، والغالب عليهم الغضب والظلم والقهر وأكل لحوم الحيوانات، لا يريدون لها بدلاً، ولا يراعون فيها نضجاً، ولا يرون إلا ما كان اغتصاباً كما هي عادة السباع. وليس عيشهم إلا شن غارة أو طلب ظبي نافر أو طير طائر، حتى إذا ظن بهم الكلال رأيتهم على نشاطهم الأول في ركض الخيل، وتسلم الجبال. وحسبك ما ترى من كبر همتهم أن أحدهم إذا سبى لا يرضى أن يكون زعيماً أو متقدماً لعسكر سيده، بل يريد انتزاع الملك من سيده والقيام مقامه.
حكى بعض التجار قال: خرج من خوارزم قفل عظيم، فلما ذهبوا أياماً وبعدوا عن خوارزم ساروا ذات يوم، فلما نزل القوم رأوا مماليكهم الترك خرجوا عن وسط القوم، وكان عددهم أكثر من عدد التجار يرمون القوم بالنشاب. قالوا: ما شأنكم؟ قالوا: نريد نقتلكم ونأخذ هذه الأموال، نشتري منها الخيل والسلاح، ونمشي إلى خدمة السلطان! فقال القوم لهم: أنتم لا تحسنون بيع هذا القماش فاتركوه معنا حتى نحسن نشتري لكم منها الخيل والسلاح، ونجعل أحدكم أميراً، وتمشون إلى خدمة السلطان! فخدعوهم وبعثوا إلى خوارزم من يخبر شحنة خوارزم بالحال، فما كان إلا أيام قلائل حتى وصل الشحنة. قبض على المماليك، ورد القفل إلى خوارزم، وصلب المماليك، ونادى في خوارزم أن لا يشتري من التجار أحد مملوكاً رجلاً!
وحسبك من غلبتهم في الأمور وصعوبة جانبهم قوله، صلى الله عليه وسلم: اتركوا الترك ما تركوكم! والترك ليسوا من الديانات في شيء، فمنهم عبدة الكواكب، ومنهم عبدة النيران، ومنهم من على مذهب النصارى، ومنهم مانوية، ومنهم ثنوية، ومنهم سحرة، وصنعتهم الحرب والطعن والضرب الذي هو صنعة المريخ فإنه صاحبهم.
وحكي أن هشام بن عبد الملك بعث رسولاً إلى ملك الترك يدعوه إلى الإسلام؛ قال الرسول: دخلت عليه وهو يتخذ بيده سرجاً. قال للترجمان: من هذا؟ فقال: إنه رسول ملك العرب. فأمرني إلى بيت كثير اللحم قليل الخبز ثم بعد أيام استدعاني وقال: ما بغيتك؟ فتلطفت له وقلت: إن صاحبي يريد نصيحتك، ويرى أنك في ضلال يريد أن تدخل في دين الإسلام! فقال: ما الإسلام؟ فأخبرته بأركانه وشرائطه وحلاله وحرامه، فتركني أياماً ثم ركب ذات يوم مع عشرة أنفس، ومع كل واحد لواء وحملني معه، فمضينا حتى صعدنا تلاً وحول التل غيضة. فلما طلعت الشمس أمر واحداً من أولئك أن ينشر لواءه ففعل، فوافى عشرة آلاف فارس متسلحين ثم أمر غيره، فما زال واحد بعد واحد ينشر لواءه ويأتي عشرة آلاف حتى صار تحت التل مائة ألف مدجج. ثم قال للترجمان: قل لهذا الرسول ارجع إلى صاحبك وأخبره أن هؤلاء ليس فيهم إسكاف ولا حجام ولا خياط، فإذا أسلموا والتزموا الشرائط للإسلام فمن أين مأكلهم؟
وحكى داود بن منصور الباذغيسي، وكان رجلاً صالحاً، قال: اجتمعت بابن ملك الغز فوجدته رجلاً ذا فهم وعقل وذكاء، واسمه لقيق بن جثومة، وقلت له: بلغنا أن الترك يجلبون المطر والثلج متى شاءوا، كيف سبيلهم إلى ذلك؟ فقال: الترك أحقر وأذل عند الله تعالى من أن يستطيعوا هذا الأمر، والذي بلغك حق، وأنا أحدثك به: بلغني أن بعض أجدادي راغم أباه وكان أبوه ملكاً، فاتخذ لنفسه أصحاباً وموالي وغلماناً، وسار نحو المشرق يغير
على الناس ويصيد ما ظهر له، فانتهى به المسير إلى موضع ذكر أهله أن لا مسير له بعده، وكان عندهم جبل تطلع الشمس من ورائه، وتحرق كل شيء وقعت عليه، وكان سكانها في الأسراب تحت الأرض والغيران في الجبال بالنهار. وأما الوحش فتلتقط حصى هناك قد ألهمها الله تعالى معرفتها، فتأخذ كل وحشية حصاة في فيها وترفع رأسها إلى السماء، فتظلها غمامة عند ذلك تحجب بينها وبين الشمس، قال: فقصد أصحاب جدي حتى عرفوا ذلك الحجر، فحملوا من معهم ما قدروا إلى بلادنا، فهو معهم إلى الآن. فإذا أرادوا المطر حركوا منه شيئاً فينشأ الغيم ويوافي المطر، وإن أرادوا الثلج زادوا في تحريكها فيوافيهم الثلج والبرد؛ فهذه قصة المطر والحجر، وليس ذلك من حيلة الترك بل من قدرة الله تعالى! وحكى إسماعيل بن أحمد الساماني، وكان ملكاً عادلاً غازياً، قال: غزوت الترك ذات مرة في عشرين ألف فارس من المسلمين، فخرج علي منهم ستون ألفاً في السلاح الشاك، فواقعتهم أياماً، وإني ليوماً في قتالهم إذ جاءني قوم من مماليكي الأتراك وقالوا: إن لنا في معسكر الكفار قرابات، وقد أنذرونا بموافاة فلان وأنه ينشيء السحاب والمطر والثلج والبرد، وقد عزم أن يمطر علينا غداً برداً عظيماً لا يصيب الإنسان ألا يقتله، فانتهرتهم وقلت: هل يستطيع هذا أحد من البشر؟ فلما كان الغد وارتفع النهار نشأت سحابة عظيمة من جبل كنت مستنداً إليه بعسكري، ولم تزل تتنشر حتى أظلت عسكري، فهالني سوادها وما رأيت فيها من الهول، وما سمعت من الأصوات المزعجة، فعلمت أنها فتنة، فنزلت عن دابتي وصليت ركعتين والعسكر يموج بعضهم في بعض، ثم دعوت الله تعالى معفراً وجهي بالتراب وقلت: اللهم أغثنا فإن عبادك يضعفون عن محنتك! وإني أعلم أن القدرة لك، وان النفع والضر لا يملكهما إلا أنت! اللهم إن هذه السحابة إن أمطرت علينا كانت فتنة للمؤمنين وسطوة للمشركين. فاصرف عنا
شرها بحولك وقوتك، يا ذا الحول والقوة! قال: وأكثرت من الدعاء رغبة ورهبة إلى الله تعالى ووجهي على التراب. فبينا أنا كلك إذ بادر إلي الغلمان يبشروني بالسلامة، وأخذوا بعضدي ينهضوني. وكنت ثقيلاً من عدة الحديد، فرفعت رأسي فإذا السحابة قد زالت عن عسكري. وقصدت عسكر الترك وأمطرت برداً عظيماً، فإذا هم يموجون وتنفر دوابهم، وما وقعت بردة على أحد إلا أوهنته أو قتلته. فقال أصحابي: نحمل عليهم؟ فقلت: لا فإن عذاب الله أدهى وأمر! فمات منهم خلق كثير ولم يفلت إلا القليل. فلما كان من الغد دخلنا معسكرهم فوجدنا من الغنائم ما شاء الله، فحملناها وحمدنا الله تعالى على السلامة.
بها جبل زانك؛ قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض تركستان جبل به جمع من أهل بيت يقال لهم زانك، وهم أناس ليس لهم زرع ولا ضرع، وفي جبالهم معدن الذهب والفضة، فربما توجد قطعة كرأس شاة، فمن أخذ القطاع الصغار تمتع بها، ومن أخذ من الكبار يفشو الموت في كل بيت فيه تلك القطعة. فإن ردها إلى مكانها ينقطع عنهم الموت، ولو أخذها الغريب لا يضره شيء.
وبها جبل النار؛ هذا الجبل بأرض تركستان فيه غار شبه بيت كبير، كل دابة تدخله تموت في الحال لشدة وهج النار في ذلك البيت.
وبها جبل كيلسيان؛ ذكر صاحب تحفة الغرائب أن بهذا الجبل موضعاً، كل طير طار مسامتاً له يقع في الحال ميتاً، فيرى حوله من الحيوانات الميتة ما شاء الله.
وبها جبل ذكره أبو الريحان الخوارزمي في كتابه المسمى بالآثار الباقية: إن بأرض الترك جبلاً إذا اجتاز عليه الغنم شدت أرجلها بالصوف لئلا تصطك حجارة فيعقبها المطر.
وبها معدن البلحش ومعدن اللازورد والبيجاذق، من خصائصها المسك الذكي الرائحة، والسنجاب والسمور والقاقم والفنك والثعالب السود والأرانب