الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الروم
بلاد واسعة من أنزه النواحي وأخصبها وأكثرها خيراً وعجائب ذكرت في مواضعها. مياهها أعذب المياه وأخفها، وهواؤها أصح الأهوية وأطيبها، وترابها أطيب الأتربة وأصحها. ومن خواصها نتاج الدواب والنعم. وليس في شيء من البلاد مثل مائها يحمل منها إلى سائر الآفاق، وكذلك أصناف الرقيق من الترك والروم.
وأهلها مسلمون ونصارى. وشتاؤها يضرب المثل به حتى وصفه بعضهم فقال: الشتاء بالروم بلاء وعذاب وعناء! يغلظ فيها الهواء ويستحجر الماء، تذوي الوجوه وتعمش العيون وتسيل الأنوف وتغير الألوان وتقشف الأبدان، وتميت كثيراً من الحيوان. أرضها كالقوارير اللامعة وهواؤها كالزنابير اللاسعة، وليلها يحول بين الكلب وهريره والأسد وزئيره، والطير وصفيره، والماء وخريره، ويتمنى أهلها من البرد الأليم دخول حر الجحيم! وبلاد الروم بلاد واسعة ومملكة عظيمة، ولبعدها عن بلاد الإسلام وقوة ملكها بقيت على كفرها كما كانت، وانه أحد معجزات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، انه قال: أما فارس فلا نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعدها! وأما الروم فإنها ذات قرون كلما مر قرن يخلفه قرن آخر! وأهل الروم سكان غربي الإقليم الخامس والسادس، ولبرد بلادهم ودخولها في الشمال ترى الغالب على ألوانهم البياض، وعلى شعورهم الشقرة، وعلى أبدانهم الصلابة. والغالب على طبعهم مباشرة اللهو والطرب، لأن المنجمين زعموا ان الروم تتعلق بالزهرة.
وحكي أن أهل الروم كانوا لا يملكون إلا من كان أكثرهم عقلاً وأوفرهم علماً وأصحهم بدناً، وإذا اختل منه شيء من هذه ملكوا غيره وعزلوه، وكانوا على هذا إلى أن أصاب ملكهم آفة فهموا بعزله، فقال الملك: اصبروا
علي زماناً فإن داويت مرضي فأنا أولى من غيري، وإلا فافعلوا ما شئتم! فذهب إلى بلاد الشام ليتداوى بحمة كانت بها، فرأى الملة النصرانية قد ظهرت بها، فأخذ جمعاً من القسوس والرهابين ورجع بهم إلى الروم، ودعا الناس إلى الملة النصرانية ولم يزل يجيب قوم بعد قوم حتى صاروا أمة واحدة.
وحكي عن أهل الروم أنهم يتخذون صور الملوك والحكماء والرهابين يستأنسون بها بعد موتهم. ولهم في التصوير يد باسطة حتى يصورون صورة الإنسان ضاحكاً وباكياً، وصورته مسروراً حزيناً.
وحكي أن مصوراً دخل بلداً ليلاً ونزل بقوم فضيفوه، فلما سكر قال: إني صاحب مال ومعي كذا وكذا ديناراً، فسقوه حتى طلح وأخذوا ما كان معه وحملوه إلى موضع بعيد منهم. فلما أصبح، وكان غريباً لم يعرف القوم ولا المكان، ذهب إلى والي المدينة وشكا فقال له الوالي: هل تعرف القوم؟ قال: لا. قال: هل تعرف المكان؟ قال: لا. قال: فكيف السبيل إلى ذلك؟ فقال الرجل: إني أصور صورة الرجل وصورة أهله فاعرضها على الناس لعل أحداً يعرفهم! ففعل ذلك وعرض الوالي على الناس، فقالوا: انها صورة فلان الحمامي وأهله. فأمر بإحضاره فإذا هو صاحبه فاسترد منه المال.
ويقام بالروم سوق كل سنة أول الربيع أربعين يوماً يقال لذلك السوق بيله يأتيها الناس من الأطراف البعيدة من الشرق والغرب والجنوب والشمال. والتجار يجهدون غاية جهدهم حتى يدركوا ذلك السوق، فمتاع أهل الشرق يشتريه أهل المغرب وبالعكس، ومتاع أهل الشمال يشتريه أهل الجنوب وبالعكس. ويقع فيه من المماليك والجواري التركية والرومية، ومن الخيل والبغال الحسنة، ومن الثياب الأطلس، ومن السقلاط ومن الفراء الفندر وكلب الماء والبرطاس، ويدلسون تدليسات عجيبة. ومن عادة هذا السوق ان من اشترى شيئاً فلا يرده البتة؛ وحكي أن بعض التجار اشترى مملوكاً حسن الصورة بثمن بالغ، فلما غاب عنه بائعه وجده جارية مستحسنة!