الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأندلس
جزيرة كبيرة بالمغرب فيها عامر وغامر. طولها دون الشهر في عرض نيف وعشرين مرحلة، ودورها أكثر من ثلاثة أشهر. ليس فيها ما يتصل بالبر إلا مسيرة يومين، والحاجز بين بلاد الأندلس وافرنجة جبل.
قال أحمد بن عمر العذري صاحب المسالك والممالك الأندلسية: إن الأندلس وقعت متوسطة بين الأرض كما هي متوسطة بين الأقاليم، فبعضها في الإقليم الرابع، وبعضها في الإقليم الخامس. وبها مدن كثيرة وقرى وأنهار وأشجار، وبها الرخص والسعة.
وبها معادن الذهب والفضة والرصاص والحديد في كل ناحية، ومعدن الزئبق والكبريت الأحمر والأصفر والزنجفر الجيد والتوتيا، والشبوب على أجناسها والكحل المشبه بالأصفهاني. وبها من الأحجار الياقوت والبلور والجزع واللازورد والمغناطيس والشادنج، والحجر الذي يقطع الدم والحجر اليهودي والمرقشيثا وحجر الطلق. وبها أصناف الرياحين حتى سنبل الطيب والقسط والاشقاقل، وبها الانبرباريس والعود.
حكى العذري أن بعض الولاة ولى ناحية بشرة فشم رائحة العود، فوجدوا من دار رجل ضعيف ووجدوا عنده عوداً كثيراً يتقد به، فرأوه فإذا هو ذكي من عود الهند، فسئل عن موضع احتطابه فحملهم إلى جبل من جبال وفر، فحفروا وأخرجوا بقيته واشتهر بين الناس.
وأهل الأندلس زهاد وعباد والغالب عليهم علم الحديث، ويقع في بلاد الأندلس من الخدم والجواري المثمنات على غير صناعة بل على حسنهم بألف دينار. ولأهلها إتقان في جميع ما يصنعونه إلا أن الغالب عليهم سوء الخلق.
ومن عجائب الدنيا أمران: أحدهما المملكة الإسلامية بالأندلس مع إحاطة الفرنج من جميع الجوانب والبحر بينهما وبين المدد من المسلمين، والآخر المملكة
النصرانية بساحل الشام مع إحاطة المسلمين من جميع الجوانب والبحر بينهما وبين المدد من الإفرنج.
قال العذري في وصف الأندلس: إنها شامية في طيبها وهوائها، يمانية في اعتدالها واستوائها، هندية في أفاويهها وذكائها، اهوازية في عظم اجتنائها، صنفية في جواهرها، عدنية في سواحلها.
بها آثار عجيبة وخواص غريبة تذكر في مواضعها.
وبها البحر الأسود الذي يقال له بحر الظلمات، محيط بغربي الأندلس وشماليه، وفي آخر الأندلس مجمع البحرين الذي ذكره الله في القرآن. وعرض مجمع البحرين ثلاثة فراسخ، وطوله خمسة وعشرون فرسخاً، وفيه يظهر المد والجزر، في كل يوم وليلة مدان وجزران، وذلك ان البحر الأسود عند طلوع الشمس يعلو ويفيض في مجمع البحرين، ويدخل في بحر الروم، وهو قبلى الأندلس وشرقيها، ولونها أخضر ولون البحر أسود كالحبر. وإذا أخذته في الإناء لا ترى فيه السواد، فلا يزال البحر الأسود يصب في البحر الأخضر إلى الزوال، فإذا زالت الشمس عاد الأمر معكوساً فيصب البحر الأخضر في البحر الأسود إلى مغيب الشمس، ثم يعلو البحر الأسود ويفيض في البحر الأخضر إلى نصف الليل، ثم ينعكس الأمر فيعلو البحر الأخضر ويصب في البحر الأسود إلى طلوع الشمس، وهكذا على التواتر، ذلك تقدير العزيز العليم؛ وسئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فقال: ملك على قاموس البحر إذا وضع رجله فيه فاض وإذا رفعها غاض.
وبها جبل فيه غار لا يرى أحد فيه النار، وإذا أخذت فتيلة مدهونة وشدت على رأس خشبة طويلة وأدخلت الغار، اشتعلت الفتيلة وتخرج مشتعلة.
وبها جبل بقرب الجبل الذي سبق ذكره، ترى على قلته النار مشتعلة بالليل، وبالنهار يصعد منه دخان عظيم.
وبها جبل عليه عينان بينهما مقدار شبرين، ينبع من إحداهما ماء حار ومن
الأخرى ماء بارد. ذكرهما صاحب تحفة الغرائب وقال: أما الحارث فلو رميت فيه اللحم ينطبخ، وأما البارد فيصعب شربه لغاية برودته.
وبها جبل شلير لا يفارقه الثلج صيفاً ولا شتاء، وهو يرى من اكثر بلاد الأندلس لارتفاعه وشموخه، وفيه أصناف الفواكه من التفاح والعنب والتوت والجوز والبندق وغير ذلك، والبرد به شديد جداً؛ قال بعض المغاربة وقد اجتاز بشلير فوجد ألم البرد:
يحلّ لنا ترك الصّلاة بأرضكم
…
وشرب الحميّا وهي شيءٌ محرّم
فراراً إلى نار الجحيم، فإنّها
…
أخفّ علينا من شلير وأرحم!
إذا هبّت الرّيح الشّمال بأرضكم
…
فطوبى لعبدٍ في اللّظى يتنعّم
أقول ولا ألحى على ما أقوله
…
كما قال قبلي شاعرٌ متقدّم:
فإن كنت يوماً في جهنّم مدخلي
…
ففي مثل ذاك اليوم طاب جهنّم!
وبها جبل الكحل. إنه بقرب مدينة بسطة؛ قالوا: إذا كان أول الشهر أخذ الكحل يخرج من نفس الجبل، وهو كحل أسود لا يزال كذلك إلى نصف الشهر، فإذا زاد على النصف نقص الكحل، ولا يزال الذي خرج يرجع إلى تمام الشهر.
وبها نهر ابره؛ قال أحمد بن عمر العذري صاحب المسالك والممالك الأندلسية: مخرج هذا النهر من عين يقال لها فونت ايبرهي، ومصبه في البحر الشامي بناحية طرطوشة، وامتداده مائتا ميل وعشرة أميال، يوجد فيه صنف من السمك عجيب يقال له الترحته لا يوجد في غيره البنة، وهو سمك أبيض ليس له إلا شوكة واحدة؛ كل ذلك عن العذري صاحب الممالك والمسالك الأندلسية.
وبها نهر أنه. مخرجه من موضع يعرف بفج العروس، ثم يغيض بحيث لا يبقى له أثر على وجه الأرض، ويحرج بقرية من قرى قلعة رباح يقال لها أنه، ثم يغيض ويجري تحت الأرض، ثم يبدو هكذا مراراً في مواضع شتى إلى أن