الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهب إلى طبرستان يستنجد بملوك بني سامان، ويحارب آل بويه إلى أن غدر به ابنه منوجهر وحبسه في بعض القلاع، وملوك الديلم ما كانوا في طاعة الخلفاء. فلما وقع لقابوس ما وقع قال المقتدر بالله:
قد قبس القابسات قابوس
…
ونجمه في السّماء منحوس!
فكيف يرجى الفلاح من رجلٍ
…
يكون في آخر اسمه بوس؟
فلما سمع قابوس ذلك قال:
يا ذا الذي بصروف الدّهر عيّرنا
…
هل عاند الدّهر إلاّ من له خطر؟
أما ترّى البحر تعلو فوقه جيفٌ
…
ويستقرّ بأدنى قعره الدّرر؟
وفي السّماء نجومٌ غير ذي عددٍ
…
وليس يكسف إلاّ الشّمس والقمر
بلخ
مدينة عظيمة من أمهات بلاد خراسان. بناها منوجهر بن ايرج بن افريدون. أهلها مخصوصون بالطرمذة من بين سائر بلاد خراسان.
كان بها النوبهار، وهو أعظم بيت من بيوت الأصنام. لما سمع ملوك ذلك الزمان بشرف الكعبة واحترام العرب إياها، بنوا هذا البيت مضاهاة للكعبة، وزينوه بالديباج والحرير والجواهر النفية، ونصبوا الأصنام حوله. والفرس والترك تعظمه وتحج إليه وتهدي إليه الهدايا. وكان طول البيت مائة ذراع في عرض مائة، وأكثر من مائة ارتفاعاً، وسدانته للبرامكة، وملوك الهند والصين يأتون إليه، فإذا وافوا سجدوا للصنم وقبلوا يد برمك. وكان برمك يحكم في تلك البلاد كلها، ولم يزل برمك بعد برمك إلى أن فتحت خراسان في أيام عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وانتهت السدانة إلى برمك أبي خالد، فرغب في الإسلام وسار إلى عثمان وضمن المدينة بمال، وفتح عبد الله بن عامر بن كريز
خراسان وبعث إلى النوبهار الأحنف بن قيس بن الهيثم فخربها.
ينسب إليها من المشاهير إبراهيم بن أدهم العجلي، رحمه الله، كان من ملوك بلخ، وكان سبب تركه الدنيا انه كان في بعض متصيداته يركض خلف صيد ليرميه، فالتفت الصيد إليه وقال: لغير هذا خلقت يا إبراهيم! فرجع ومر على بعض رعاته ونزل عن دابته، وخلع ثيابه وأعطاها للراعي ولبس ثياب الراعي واختار الزهد.
وحكي أنه ركب سفينة في بعض أسفاره، فلما توغل في البحر طالبه الملاح بالأجرة وألح عليه، فقال له إبراهيم: اخرجني إلى هذه الجزيرة حتى أؤدي أجرتك! فأخرجه إليها وذهب معه فصلى إبراهيم ركعتين وقال: إلهي يطلب أجرة السفينة! فسمع قائلاً يقول: خذ يا إبراهيم. فمد يده نحو السماء وأخذ دينارين دفعهما إلى الملاح وقال: لا تذكر هذا لأحد! ورجعا إلى السفينة فهبت ريح عاصف واضطربت السفينة فأشرفت على الهلاك، فقال الملاح: اذهبوا إلى هذا الشيخ ليدعو الله. فذهب القوم إليه وهو مشغول بنفسه في زاوية؛ قالوا: إن السفينة أشرفت على الهلاك، ادع الله تعالى لعله يرحمنا! فنظر إبراهيم بموق عينه نحو السماء وقال: يا مرسل الرياح من علينا بالعاطفة والنجاح! فسكنت الريح في الحال.
وحكي أنه مر به بعض رعاته من بلخ فرآه جالساً على طرف ماء يرقع دلقاً، فجلس إليه يعيره بترك الملك واختيار الفقر، فرمى إبراهيم إبرته في الماء وقال: ردوا إلي إبرتي! فأخرج سمك كثير من الماء رؤوسها وفي فم كل واحدة إبرة من الذهب. فقال: لست أريد غير إبرتي! فأخرجت واحدة رأسها بإبرته. فقال للرجل: أي الملكين خير هذا أم ذاك؟ وحكي أنه اجتاز به جندي سأل منه الطريق فأشار إلى المقبرة، فتأذى الرجل الجندي وضربه فشج رأسه. فلما عرف انه إبراهيم جاء إليه معتذراً فقال له: إنك وقت ضربتني دعوت لك لأنك حصلت لي ثواباً فقابلت ذلك بالدعاء.
وحكي أن إبراهيم كان ناطوراً في بستان بأجرة، فإذا هو نائم وحية تروحه بطاقة نرجس. وجاءه رجل جندي يطلب منه شيئاً من الثمرة، وهو يقول: أنا ناطور ما أمرني صاحب البستان ببذل شيء منها! فجعل الجندي يضربه وهو يقول: اضرب على رأس طالما عصى الله تعالى! توفي سنة إحدى وستين ومائة.
وينسب إليها أبو علي شقيق بن إبراهيم البلخي من كبار مشايخ خراسان، أستاذ حاتم الأصم. وكان أول أمره رجلاً تاجراً سافر إلى بلاد الهند. دخل بيتاً من بيوت الأصنام فرأى رجلاً حلق رأسه ولحيته يعبد الصنم فقال له: ان لك إلهاً خالقاً رازقاً فاعبده ولا تعبد الصنم، فإنه لا يضر ولا ينفع! فقال عابد الصنم: إن كان كما تقول فلم لا تقعد في بيتك وتتعب للتجارة، فإنه يرزقك في بيتك؟ فتنبه شقيق لقوله وأخذ في طريق الزهد.
وحكي أن أهله شكت إليه من الفاقة فقام يظهر أنه يمشي إلى شغل الطين ودخل بعض المساجد وصلى إلى آخر النهار وعاد إلى أهله وقال: عملت مع الملك فقال اعمل أسبوعاً حتى أوفيك أجرتك دفعة واحدة. وكان كل يوم يمشي إلى المسجد ويصلي، فلما كان اليوم السابع قال في نفسه: لو لم يكن اليوم معي شيء تخاصمني أهلي! فأجر نفسه من شخص ليعمل له يومه وأهله تنتظر مجيئه آخر النهار بأجرة الأيام، إذ دق الباب أحد وقال: بعثني الملك بأجرة الأيام التي عمل له فيها شقيق، ويقول لشقيق: ما الذي صدك عنا حتى اشتغلت اليوم بشغل غيرنا؟ فذهبت المرأة إليه فسلم إليها صرة فيها سبعون ديناراً.
وحكى حاتم الأصم أن علي بن عيسى بن ماهان كان أمير بلخ، وكان يحب كلاب الصيد، ففقد كلب من كلابه يوماً، فاتهم به جار شقيق فاستجار به، فدخل شقيق على الأمير وقال: خلوا سبيله فإني أرد لكم كلبكم إلى ثلاثة أيام، فخلوا سبيله فانصرف شقيق مهتماً لما صنع، فلما كان اليوم الثالث كان رجل من أهل بلخ غائباً، وكان من رفقاء شيق، وكان لشقيق فتىً، وهو رفيقه، رأى في الصحراء كلباً في رقبته قلادة فقال: أهديه إلى شقيق. فحلمه إليه فإذا
هو كلب الأمير سلمه إليه.
استشهد شقيق في غزوة كولان سنة أربع وتسعين ومائة.
وينسب إليها أبو حامد أحمد بن حضرويه من كبار مشايخ خراسان. صحب أبا تراب النخشبي وكان زين العارفين أبو يزيد يقول: أستاذنا أحمد ذكر أنه اجتمع عليه سبعمائة دينار ديناً، فمرض وغرماؤه حضروا عنده فقال: اللهم إنك جعلت الرهون وثيقةً لأرباب الأموال وأنت وثيقتي فادعني، فدق بابه أحد وقال: اين غرماء أحمد؟ وقضى عنه جميع ديونه ثم فارق الدنيا، وذلك في سنة أربع ومائتين عن خمس وتسعين سنة.
وينسب إليها عبد الجليل بن محمد الملقب بالرشيد، ويعرف بوطواط. كان كاتباً للسلطان خوارزمشاه إتسز. وكان أديباً فاضلاً بارعاً ذا نظم ونثر بالعربية والعجمية، والسلطان يحبه لا يفارقه ساعة لظرافته وحسن مجالسته، فأمر أن يبنى له قصر بحذاء قصر السلطان حتى يحادثه من الروشن، فأخرج الرشيد رأسه مرة من الروشن فقال السلطان: يا رشيد أرى رأس ذئب خارجاً من روشنك! فقال: أيها الملك ما هو رأس الذئب، ذاك سجنجل أنا أخرجته! فضحك السلطان من عجيب جوابه! وحكي أن أحداً من أصحاب الديوان يستعير دوابه كثيراً فكتب إليه: بلغني من النوادر المطربة والحكايات المضحكة أن تاجراً استأجر حماراً من نيسابور إلى بغداد، وكان حماراً ضعيفاً لا يمكنه السير، ولا يرجى منه الخير، إذا حرك سقط، وإذا ضرب ضرط، من مكاري قليل السكون، كثير الجنون، طول الطريق يبكي دماً، ويتنفس الصعداء ندماً، فبعد اللتيا والتي وصل إلى بغداد والحمار ضئيل، ولم يبق من المكاري إلا القليل، إذ سمع صيحةً هائلة تصرع القلوب، وتشق الجيوب، فالتفت المكاري فإذا المحتسب بدرته، وصاحب الشرطة لابس ثوب شرته، فقال المكاري: ماذا حدث؟ قالوا: ههنا تاجر فاجر، أخذ مع غلام الخطيب، كالغصن الرطيب، تواتر عليه
الصفعات المغمية، والضربات المدمية، طلبوا حماراً، وكان حمار المكاري حاضراً، فتعادوا إليه، وأركبوا التاجر عليه، فالمكاري ذهب عنه القرار، وينادي بالويل ويعدو خلف الحمار، إلى أن طيف بجيمع المحال والبلد بغداد، فلما كان المساء ردوا الحمار إلى المكاري جائعاً سلم الطوى إلى التوى، والصدى إلى الردى! فأخذه المكاري مترحماً مد أذنيه، وتفل ما بين عينيه، وزاد في علفه، خوفاً من تلفه. فلما دنا الصباح، وظهر أثر النهار ولاح، قرع سمعه صوت أهول من الصيحة الأمسية، فالتفت المكاري فإذا المحتسب على الباب، وصاحب الشرطة كاشر الناب، فقال المكاري: ماذا حدث؟ قالوا: ذاك التاجر أخذ مرة أخرى مع غلام القاضي، كالسيف الماضي، فأراد المكاري أن يواري الحمار، فسبقت العامة إليه، وأركبوا التاجر عليه، والمكاري يعدو خلفه ويصيح، بعين باكية وقلب جريح، إلى أن طيف به في جميع المحال ثم ردوه إلى المكاري وقد أشرف على الهلاك، ولا يقدر على الحراك، فبات المكاري مسلوب القرار، في مداواة الحمار، فلما انتشرت أعلام الضوء، في أقطار الجو، صكت أذنه من الصيحتين الأوليين، فالتفت فإذا المحتسب في الدرب، وصاحب الشرطة منشمر للضرب، فقال المكاري: ماذا حدث؟ قالوا: ذاك التاجر أخذ مرة أخرى مع غلام الرئيس، كالدر النفيس، والعامة رأت حمار المكاري فعدت إليه فعدا المكاري إلى التاجر وقال: يا خبيث! ان لم تترك صنعتك الشنيعة، ولم ترجع عن فعلتك القبيحة، فاشتر حماراً يركبونك عليه كل يوم فقد أهلكت حماري، وأزلت قراري! وها أنا أقول ما قال المكاري للتاجر، إن أردت أن تكون كاتباً للأمير، فهييء النقس والطرس، وإلا فالزم البيت والعرس.