المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

من النقباء يوشع بن نون ابن عم موسى وكالب بن - آثار البلاد وأخبار العباد

[زكريا القزويني]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌خطبة الكتاب

- ‌المقدمة الاولى

- ‌في الحاجة الداعية إلى إحداث المدن والقرى

- ‌المقدمة الثانية

- ‌في خواص البلاد

- ‌الفصل الأول

- ‌في تأثير البلاد في سكانها

- ‌الفصل الثاني

- ‌في تأثير البلاد في المعادن والنبات والحيوان

- ‌المقدمة الثالثة

- ‌في أقاليم الأرض

- ‌الاقليم الاول

- ‌إرم ذات العماد

- ‌البجة

- ‌بكيل

- ‌بلاد التبر

- ‌بلاد الحبشة

- ‌بلاد الزنج

- ‌بلاد السودان

- ‌بلاد النوبة

- ‌تغارة

- ‌تكرور

- ‌جابرسا

- ‌جاوة

- ‌جزاير الخالدات

- ‌جزيرة الرامني

- ‌جزيرة زانج

- ‌جزيرة سكسار

- ‌جزيرة القصار

- ‌جزيرة النساء

- ‌جزيرة واق واق

- ‌جوف

- ‌حرث

- ‌حضرموت

- ‌دلان ودموران

- ‌دنقلة

- ‌ذات الشعبين

- ‌ذمار

- ‌سبأ

- ‌سجلماسة

- ‌سرنديب

- ‌سفالة

- ‌سلوق

- ‌سمهر

- ‌سندابل

- ‌الشحر

- ‌شعب

- ‌شمخ

- ‌شيلا

- ‌صنعاء

- ‌الصين

- ‌ظفار

- ‌عمان

- ‌غانة

- ‌غدامس

- ‌قاع

- ‌قلعة الشرف

- ‌كاكدم

- ‌كله

- ‌كنام

- ‌كوار

- ‌لنجوية

- ‌مأرب

- ‌مذيخرة

- ‌مرباط

- ‌مسور

- ‌مقدشو

- ‌مقرى

- ‌مهرة

- ‌وبار

- ‌ورور

- ‌ اليمن

- ‌الاقليم الثاني

- ‌الأبلق

- ‌أجأ وسلمى

- ‌ارام

- ‌البحرين

- ‌بدر

- ‌تبت

- ‌تكناباذ

- ‌جاجلى

- ‌جزيرة برطاييل

- ‌جزيرة جابة

- ‌جزيرة سقطرى

- ‌جزيرة السلامط

- ‌جزيرة سيلان

- ‌جزيرة الشجاع

- ‌جزيرة القصر

- ‌الحجاز

- ‌الحجر

- ‌خط

- ‌خيبر

- ‌رحا بطان

- ‌زغر

- ‌زويلة

- ‌السند

- ‌سومناة

- ‌صنف

- ‌صيمور

- ‌الطائف

- ‌طيفند

- ‌عدن

- ‌فاس

- ‌فيصور

- ‌قبا

- ‌قزدار

- ‌قشمير

- ‌قمار

- ‌كلبا

- ‌كله

- ‌كنزة وقران

- ‌كولم

- ‌مدينة يثرب

- ‌المشقر

- ‌مغمس

- ‌مراكش

- ‌مكة

- ‌ملتان

- ‌مليبار

- ‌منىً

- ‌مندورفين

- ‌مندل

- ‌المنصورة

- ‌مهيمة

- ‌نجران

- ‌الندهة

- ‌الهند

- ‌يترب

- ‌ اليمامة

- ‌الاقليم الثالث

- ‌أبرقوه

- ‌أبسوج

- ‌أبيار

- ‌أجر

- ‌إخميم

- ‌أرجان

- ‌الأردن

- ‌أريحا

- ‌الإسكندرية

- ‌أسيوط

- ‌إصطخر

- ‌إفريقية

- ‌أفيق

- ‌أنصنا

- ‌أنطاكية

- ‌أنطرطوس

- ‌أورم الجوز

- ‌الأهواز

- ‌أيلة

- ‌باميان

- ‌بداً

- ‌براق

- ‌البشمور

- ‌بعلبك

- ‌بلقاء

- ‌بلينا

- ‌بلرم

- ‌بنارق

- ‌بنزرت

- ‌بيت لحم

- ‌ بيت المقدس

- ‌بلاد بربر

- ‌البيضاء

- ‌تاهرت

- ‌تدمر

- ‌تستر

- ‌تلمسان

- ‌تنس

- ‌تونس

- ‌التيه

- ‌الجابية

- ‌جاشك

- ‌جالطة

- ‌جزيرة تنيس

- ‌أنواع الطيور التي توجد بجزيرة تنيس

- ‌ويعرف بها من السمك تسعة وسبعون نوعاً

- ‌جزيرة الجساسة

- ‌جزيرة الكنيسة

- ‌جفار

- ‌جنابة

- ‌جور

- ‌جيرفت

- ‌جيزة

- ‌حلب

- ‌حمص

- ‌حوران

- ‌الحيرة

- ‌خبيص

- ‌خربة الملك

- ‌الخليل

- ‌دارا

- ‌دارابجرد

- ‌دمشق

- ‌دمندان

- ‌دمياط

- ‌دندرة

- ‌دورق

- ‌دورقستان

- ‌دير أبي هور

- ‌دير أتريب

- ‌دير أيوب

- ‌دير سمعان

- ‌دير طور سينا

- ‌دير الطير

- ‌دير نهيا

- ‌الرصافة

- ‌الرقادة

- ‌زكندر

- ‌سابور

- ‌سبتة

- ‌سجستان

- ‌سخا

- ‌سدوم

- ‌سمنود

- ‌سنجل

- ‌سنون

- ‌سوبلا

- ‌سيراف

- ‌سيرجان

- ‌سيلون

- ‌الشام

- ‌شرشال

- ‌شطا

- ‌شعب بوان

- ‌شيراز

- ‌سقياً لدشت الأرزن الطوّال

- ‌الصعيد

- ‌صفت

- ‌صفين

- ‌صقلية

- ‌صور

- ‌طبرستان

- ‌طبرية

- ‌طرسوس

- ‌العباسة

- ‌العريش

- ‌عزاز

- ‌عسقلان

- ‌عسكر مكرم

- ‌عكة

- ‌عين جارة

- ‌عين الشمس

- ‌الغريان

- ‌غزة

- ‌الغوطة

- ‌فارس

- ‌فرغانة

- ‌الفسطاط

- ‌فيروزاباد

- ‌الفيوم

- ‌القادسية

- ‌القاهرة

- ‌قبرس

- ‌قرية صاهك

- ‌قرية عبد الرحمن

- ‌قفط

- ‌قلعة النجم

- ‌القيروان

- ‌قيس

- ‌كابل

- ‌كاريان

- ‌كازرون

- ‌كدال

- ‌كرد فناخسرو

- ‌كركويه

- ‌كرمان

- ‌كفرطاب

- ‌كفرمندة

- ‌كفرنجد

- ‌كلز

- ‌كوزا

- ‌الكوفة

- ‌اللاذقية

- ‌اللجون

- ‌ماردين

- ‌ماسبدان

- ‌مجانة

- ‌محجة

- ‌مدين

- ‌مرسى الخرز

- ‌المرقب

- ‌مريسة

- ‌مريوط

- ‌مصر

- ‌المزة

- ‌المطرية

- ‌معرة النعمان

- ‌مكران

- ‌مليانة

- ‌منبج

- ‌منف

- ‌منية هشام

- ‌موتة

- ‌مورجان

- ‌المهدية

- ‌نابلس

- ‌ناصرة

- ‌نفزاوة

- ‌وادي الرمل

- ‌وادي موسى

- ‌وادي النمل

- ‌واقصة

- ‌ودان

- ‌هجر

- ‌هراة

- ‌هنديجان

- ‌هنديان

- ‌هيت

- ‌يابسة

- ‌ياقد

- ‌يزد

- ‌الاقليم الرابع

- ‌آبه

- ‌آذربيجان

- ‌آرشت وناشقين

- ‌آمل

- ‌أبلة

- ‌أبهر

- ‌أبيورد

- ‌إربل

- ‌اردبهشتك

- ‌أردبيل

- ‌أرسلان كشاد

- ‌أرمية

- ‌أستوناوند

- ‌أسفجين

- ‌أسفرايين

- ‌اشتروين

- ‌أصفهان

- ‌أفشنة

- ‌الموت

- ‌إيذج

- ‌إيراوه

- ‌ايلابستان

- ‌بابل

- ‌بالس

- ‌بدخشان

- ‌برقعيد

- ‌بروجرد

- ‌بسطام

- ‌البصرة

- ‌بغداد

- ‌بغشور

- ‌بلاد الديلم

- ‌بلخ

- ‌بلد

- ‌بلور

- ‌بنان

- ‌بوشنج

- ‌باخرز

- ‌بيهق

- ‌تبريز

- ‌تهران

- ‌جاجرم

- ‌الجبال

- ‌ جبل

- ‌جرباذقان

- ‌جرجان

- ‌جرجرايا

- ‌الجزيرة

- ‌جوهسته

- ‌جوين

- ‌جيلان

- ‌الحضر

- ‌حصن الطاق

- ‌حلوان

- ‌الحويزة

- ‌الحيرة

- ‌حيزان

- ‌خاوران

- ‌خراسان

- ‌خرقان

- ‌خوار

- ‌خواف

- ‌خوست

- ‌دامسيان

- ‌دامغان

- ‌داوردان

- ‌دور

- ‌دوراق

- ‌ديار بكر

- ‌دير الجب

- ‌دير الجودي

- ‌دير حزقيل

- ‌دير الخنافس

- ‌دير سعيد

- ‌دير العذارى

- ‌دير القيارة

- ‌دير كردشير

- ‌دير متى

- ‌دير مر توما

- ‌دير مر جرجيس

- ‌رأس العيس

- ‌رحبة الشام

- ‌روذبار

- ‌روذراور

- ‌رويان

- ‌الري

- ‌زاوه

- ‌زراعة

- ‌زز

- ‌زنجان

- ‌ساباط

- ‌سامرا

- ‌ساوه

- ‌سبران

- ‌سرجهان

- ‌سرخس

- ‌سلماس

- ‌سميرم

- ‌سناباذ

- ‌سنجار

- ‌سهرورد

- ‌شاذياخ

- ‌شاه دز

- ‌شكمبة

- ‌شهرزور

- ‌شهرستان

- ‌شيز

- ‌صيمرة

- ‌طالقان

- ‌الطاهرية

- ‌طبرستان

- ‌طبس

- ‌طرابلس

- ‌طرق

- ‌طرزك

- ‌طروز

- ‌طمغاج

- ‌طوس

- ‌طيب

- ‌طيزناباد

- ‌عانة

- ‌عبادان

- ‌عبد الله اباذ

- ‌العراق

- ‌عزان

- ‌عقرقوف

- ‌غرشستان

- ‌غريان

- ‌غزنة

- ‌الغور

- ‌فراهان

- ‌فم الدبل

- ‌فنك

- ‌قاشان

- ‌قرميسين

- ‌قزوين

- ‌قصران

- ‌قصر شيرين

- ‌قم

- ‌كران

- ‌كرخ

- ‌كركان

- ‌كسكر

- ‌كشم

- ‌كندر

- ‌كنكور

- ‌كوثى

- ‌لنبان

- ‌ليخواست

- ‌ماذران

- ‌ماذروستان

- ‌ماهاباذ

- ‌ماوشان

- ‌المدائن

- ‌مرو

- ‌المشان

- ‌المطيرة

- ‌الموصل

- ‌ميسان

- ‌ناووس الظبية

- ‌نسا

- ‌نخشب

- ‌نصراباذ

- ‌نصيبين

- ‌نضيراباذ

- ‌النعمانية

- ‌نهاوند

- ‌النهروان

- ‌نيسابور

- ‌نينوى

- ‌واسط

- ‌ورجند

- ‌هراة

- ‌همذان

- ‌يل

- ‌يمكان

- ‌الاقليم الخامس

- ‌آمد

- ‌أبروق

- ‌أران

- ‌أرزنجان

- ‌أرزن الروم

- ‌ارطانة

- ‌أرمية

- ‌أرمينية

- ‌الأشبونة

- ‌اشبيلية

- ‌أفرنجة

- ‌أفسوس

- ‌أفلوغونيا

- ‌إلبيرة

- ‌ الش

- ‌الأندلس

- ‌أنقرة

- ‌باب الابواب

- ‌بتم

- ‌بجانة

- ‌بخارى

- ‌ بذ

- ‌برذعة

- ‌بسطة

- ‌بلقوار

- ‌بلنسية

- ‌بيضاء

- ‌بيلقان

- ‌تركستان

- ‌تفليس

- ‌جرجانية

- ‌جنبذق

- ‌جنزة

- ‌ختلان

- ‌خلاط

- ‌خوارزم

- ‌خوي

- ‌خيوق

- ‌دير برصوما

- ‌الروم

- ‌رندة

- ‌روين دز

- ‌زمخشر

- ‌سبتة

- ‌سبرى حصار

- ‌سرقسطة

- ‌سمرقند

- ‌سيواس

- ‌شاش

- ‌شاطبة

- ‌شاشين

- ‌شبلية

- ‌شغنسة

- ‌شلب

- ‌شنترة

- ‌شنترين

- ‌شنت مرية

- ‌شنقنيرة

- ‌صغد

- ‌طراز

- ‌طرطوشة

- ‌طركونة

- ‌طلبيرة

- ‌ طليطلة

- ‌غرناطة

- ‌غنجرة

- ‌فاراب

- ‌فبرة

- ‌فراغة

- ‌فرمنتيرة

- ‌فهمين

- ‌قادس

- ‌قاليقلا

- ‌قرطبة

- ‌قسطلونة

- ‌قلعة اللان

- ‌قيصرية

- ‌كش

- ‌كند

- ‌لبلة

- ‌لشبونة

- ‌لورقة

- ‌مالطة

- ‌ما وراء النهر

- ‌مدينة النحاس

- ‌مراغة

- ‌مربيطر

- ‌المستطيلة

- ‌المصيصة

- ‌ملطية

- ‌موغان

- ‌ميافارقين

- ‌هرقلة

- ‌هزاراسب

- ‌وادي الحجارة

- ‌وشلة

- ‌والوطة

- ‌ياسي جمن

- ‌يونان

- ‌الاقليم السادس

- ‌أبولدة

- ‌اشت

- ‌أفرنجة

- ‌افش

- ‌انطرحت

- ‌ايرلاندة

- ‌باكويه

- ‌باني وأريشة

- ‌برذيل

- ‌برطاس

- ‌بلاد بجناك

- ‌بلاد بجا

- ‌بلاد بغراج

- ‌بلاد تاتار

- ‌بلاد التغزغز

- ‌بلاد جكل

- ‌بلاد الختيان

- ‌بلاد خرخيز

- ‌بلاد الخرلخ

- ‌بلاد الخزر

- ‌بلاد خطلخ

- ‌بلاد الروس

- ‌بلاد الروم

- ‌بلاد الغز

- ‌بلاد كيماك

- ‌بلدة بهى

- ‌بيقر

- ‌تركستان

- ‌رذوم

- ‌رومية

- ‌زره كران

- ‌سد يأجوج ومأجوج

- ‌سقسين

- ‌شابر

- ‌شروان

- ‌شلشويق

- ‌شناس

- ‌ظاخر

- ‌فاراب

- ‌فرغانة

- ‌قسطنطينية

- ‌القليب

- ‌كرتنة

- ‌كرمالة

- ‌مدينة النساء

- ‌مغانجة

- ‌نيقية

- ‌الاقليم السابع

- ‌ باشغرت

- ‌باطن الروم

- ‌بجنة

- ‌برجان

- ‌بلغار

- ‌شوشيط

- ‌صقلاب

- ‌مشقة

- ‌واطر بورونة

- ‌ورنك

- ‌ويسو

- ‌يأجوج ومأجوج

- ‌يورا

الفصل: من النقباء يوشع بن نون ابن عم موسى وكالب بن

من النقباء يوشع بن نون ابن عم موسى وكالب بن يوفنا زوج أخت موسى، قالا: يا قوم ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون! وجد موسى وهارون جداً عظيماً، فقالوا: إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فينا فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون. فحبسهم الله تعالى في التيه أربعين سنة فماتوا كلهم سوى يوشع وكالب، وأوحى الله تعالى إلى يوشع فدخل الشام بأولاد الممتنعين وفتحها، فأمرهم الله تعالى أن يدخلوا مدينة أريحا سجداً لله تعالى شكراً قائلين: حطة! أي سؤالنا حط ذنوبنا. وكانوا يدخلونها على استاههم قائلين حنطة، فسخط الله عليهم ورماهم بالطاغين، فهلك منهم آلاف مؤلفة وذلك قوله تعالى: فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون.

‌الإسكندرية

وهي المدينة المشهورة بمصر، على ساحل البحر. اختلف أهل السير في بانيها: فمنهم من ذهب إلى أن بانيها الإسكندر الأول، وهو ذو القرنين اشك بن سلوكوس الرومي، الذي جال الأرض وبلغ الظلمات ومغرب الشمس ومطلعها، وسد على يأجوج ومأجوج كما أخبر الله تعالى عنه، وكان إذا بلغ موضعاً لا ينفذ اتخذ هناك تمثالاً من النحاس ماداً يمناه مكتوباً عليها: ليس ورائي مذهب.

ومنهم من قال بناها الإسكندر بن دارا ابن بنت الفيلسوف الرومي، شبهوه بالإسكندر الأول لأنه ذهب إلى الصين والمغرب ومات وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة، والأول كان مؤمناً والثاني كان على مذهب أستاذه أرسطاطاليس، وبين الأول والثاني دهر طويل.

قيل: إن الإسكندر لما هم ببناء الإسكندرية، وكانت قديماً من بناء شداد بن عاد كان بها آثار العمارة والأسطوانات الحجرية، ذبح ذبائح كثيرة للقرابين، ودخل هيكلاً كان لليونانيين وسأل ربه أن يبين له أمر

ص: 143

هذه المدينة هل يتم أم لا؟ فرأى في منامه قائلاً يقول له: إنك تبني هذه المدينة ويذهب صيتها في الآفاق، ويسكنها من الناس ما لا يحصى عددهم، وتختلط الرياح الطيبة بهوائها ويصرف عنها السموم، ويطوى عنها شدة الحر والزمهرير ويكعم عنها الشرور حتى لا يصيبها من الشياطين خبل، وان جلبت الملوك إليها جنودهم لا يدخلها ضرر.

فأتى الإسكندر موضعها وشاهد طيب هوائها وآثار العمارة القديمة وعمداً كثيرة من الرخام، فأمر بحث الصناع من البلاد وجمع الآلة واختيار الوقت لبنائها، فاختاروا وقتاً وعلقوا جرساً حتى إذا حرك الجرس الصناع، يضعون البناء من جميع أطرافها في وقت واحد، فإذا هم مترقبون طار طير وقع على الجرس فحركه فوضعوا البناء.

قيل ذلك للاسكندر فقال: أردت طول بقائها وأراد الله سرعة خرابها، ولا يكون إلا ما أراد الله فلا تنقضوها. فلما ثبت أساسها وجن الليل خرجت من البحر دابة وخربت ما بنوا، فلم يزل يحكمها كل يوم ويوكل بها من يحفظها، فأصبحوا وقد خربت. فأمر الإسكندر باتخاذ عمد عليها طلسم لدفع الجن، فاندفع عنها أذيتهم.

قال المسعودي: الأعمدة التي للطلسم عليها صور وأشكال وكتابة باقية إلى زماننا، كل عمود طوله ثمانون ذراعاً، عليها صور وأشكال وكتابة، فبناها الإسكندر طبقات تحتها قناطر بحيث يسير الفارس تحتها مع الرمح. وكان عليها سبعة أسوار، وهي الآن مدينة كثيرة الخيرات، قال المفسرون: كانت هي المراد من قوله تعالى: وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتاً.

وكان بها يوم الزينة واحتجاج موسى والسحرة. وكان موسى قبل الإسكندر بأكثر من ألف سنة.

بها مجلس سليمان، عليه السلام؛ قال الغرناطي: إنه خارج الإسكندرية، بنته الجن منحوتاً من الصخر بأعمدة الرخام لا مثل لها، كل عمود على قاعدة

ص: 144

من الرخام وعلى رأسه مثل ذلك، والرخام أبيض منقط بحمرة وسواد مثل الجزع اليماني، طول كل عمود ثلاثون ذراعاً ودورته ثمانية أذرع، وله باب من الرخام وعتبته وعضادتاه أيضاً من الرخام الأحمر الذي هو أحسن من الجزع، وفي هذا المجلس أكثر من ثلاثمائة عمود كلها من جنس واحد وقد واحد، وفي وسط هذا المجلس عمود من الرخام على قاعدة رخامية، طوله مائة وإحدى عشرة ذراعاً ودوره خمسة وأربعون شبراً، إني شبرتها بشبري.

ومن عجائبها عمود يعرف اليوم بعمود السواري قريب من باب الشجرة من أبواب الإسكندرية، فإنه عظيم جداً كأنه منارة عظيمة، وهو قطعة واحدة منتصب على قاعدة من حجر عظيم مربع، وعلى رأسه حجر آخر مثل القاعدة كأنه بيت، فإن تحت ذلك من مقطعه وانتصابه ورفع الحجر الفوقاني على رأسه يدل على أن فاعليه كانوا في قوة شديدة، وكانوا بخلاف أهل زماننا.

ومن عجائبها ما ذكر أبو الريحان في الآثار الباقية ان بالإسكندرية اسطوانة متحركة، والناس يقولون إنها تتحرك بحركة الشمس، وإنما قالوا ذلك لأنها إذا مالت يوضع تحتها شيء، فإذا استوت لا يمكن أخذها، وإن كان خزفاً أو زجاجاً يسمع تقريعه، وكانت الإسكندرية مجمع الحكماء، وبها كان معاريجهم مثل الدرج، يجلس عليها الحكماء على طبقاتهم فكان أوضعهم علماً الذي يعمل الكيمياء، فإن موضعه كان على الدرجة السفلى.

ومن عجائبها المنارة أسفلها مربع من الصخر المنحوت، وفوق ذلك منارة مثمنة، وفوق المثمنة منارة لطيفة مدورة، طول الأولى تسعون ذراعاً، والمثمنة مثل ذلك، وطول اللطيفة المدورة ثلاثون ذراعاً، وعلى أعلى المنارة مرآة وعليها موكل ينظر إليها كل لحظة، فإذا خرج العدو من بلاد الروم وركب البحر، يراه الناظر في المرآة ويخبر القوم بالعدو فيستعدون لدفعه. وكانت المرآة باقية إلى زمن الوليد بن عبد الملك بن مروان، فأنفذ ملك الروم شخصاً من خواصه ذا دهاء، فجاء إلى بعض الثغور وأظهر أنه هارب من ملك الروم ورغب في

ص: 145

الإسلام، وأسلم على يد الوليد بن عبد الملك واستخرج له دفائن من أرض الشام. فلما صارت تلك الأموال إلى الوليد شرهت نفسه فقال له: يا أمير المؤمنين إن ههنا أموالاً ودفائن للملوك الماضية. فسأله الوليد عن مكانه فقال: تحت منارة الإسكندرية، فإن الإسكندر احتوى على أموال شداد بن عاد وملوك مصر والشام فتركها في آزاج وبنى عليها المنارة. فبعث الوليد معه قوماً لاستخراجها فهم نقضوا نصف المنارة وأزيلت المرآة، فضجت الناس من أهل الإسكندرية. فلما رأى العلج ذلك وعلم أن المرآة أبطلت هرب بالليل في مركب نحو الروم وتمت حيلته.

والمنارة في زماننا حصن عال على نيق جبل مشرف على البحر في طرف جزيرة، بينها وبين البر نحو شوط فرس، ولا طريق إليها إلا في البحر المالح، وهي مربعة ولها درج واسعة يصعدها الفارس بفرسه. وقد سقفت الدرج بحجارة طوال مركبة على الحائطين المكتنفين للدرجة، فترتقي إلى طبقة عالية مشرفة على البحر بشرفات محيطة، وفي وسطه حصن آخر يرتقى إليه بدرجة أخرى فيصعد إلى طبقة أخرى لها شرفات، وفي وسطها قبة لطيفة كأنها موضع الديدبان.

وحكي أن عبد العزيز بن مروان لما ولي مصر جمع مشايخها وقال: إني أريد أن أعيد بناء الإسكندرية إلى ما كانت. فقالوا: انظرنا حتى نتفكر. فقال: أعينوني بالرجال وأنا أعينكم بالمال. فذهبوا إلى ناووس وأخرجوا منه رأس آدمي وحملوه على عجلة ووزنوا سناً من أسنانه فوجودها عشرين رطلاً على ما بها من

ص: 146