الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أفرنجة
بلدة عظيمة ومملكة عريضة في بلاد النصارى، بردها شديد جداً وهواؤها غليظ لفرط البرد. وإنها كثيرة الخيرات والفواكه والغلات، غزيرة الأنهار كثيرة الثمار، ذات زرع وضرع وشجر وعسل، صيودها كثيرة الانواع. بها معادن الفضة، وتضرب بها سيوف قطاعة جداً، وسيوف افرنجة أمضى من سيوف الهند.
وأهلها نصارى. ولهم ملك ذو بأس وعدد كثير وقوة ملك، له مدينتان أو ثلاث على ساحل البحر من هذا الجانب في وسط بلاد الإسلام، وهو يحميها من ذلك الجانب، كلما بعث المسلمون إليها من يفتحها يبعث هو من ذلك الجانب من يحميها. وعساكره ذوو بأس شديد لا يرون الفرار أصلاً عند اللقاء، ويرون الموت دون ذلك. لا ترى أقذر منهم وهم أهل غدر ودناءة أخلاق، لا يتنظفون ولا يغتسلون في العام إلا مرة أو مرتين بالماء البارد، ولا يغسلون ثيابهم منذ لبسوها إلى أن تتقطع. ويحلقون لحاهم وإنما تنبت بعد الحلق خشنة مستكرهة. سئل واحد عن حلق اللحى فقال: الشعر فضلة أنتم تزيلونها عن سوءاتكم فكيف نتركها نحن على وجوهنا؟
أفسوس
مدينة مشهورة بأرض الروم، وهي مدينة دقيانوس الجبار الذي هرب منه أصحاب الكهف، وبين الكهف والمدينة مقدار فرسخين، والكهف مستقبل بنات نعش لا تدخله الشمس، فيه رجال موتى لم يتغيروا وعددهم سبعة: ستة منهم نيام على ظهورهم، وواحد منهم في آخر الكهف مضطجع على يمينه، وظهره إلى جدار الكهف، وعند أرجلهم كلب ميت لم يسقط من أعضائه شيء، وهو باسط ذراعيه بالوصيد كافتراش السباع، وعلى الكهف مسجد يستجاب
فيه الدعاء، يقصده الناس، وأهل المدينة يرون بالليل على الكهف نوراً عظيماً، ويعرفون أن ذلك النور من سكان الكهف.
وكان من بداية أمرهم ما حكى وهب بن منبه أن سليمان بن داود، عليه السلام، لما قبض، ارتد ملك الروم إلى عبادة الأصنام، ودقيانوس أحد قواده رجع أيضاً معه، ومن خالفه عذبه بالقتل والحرق والصلب. فاتفق أن بعض الفتيان من أولاد البطارقة خرجوا ذات يوم لينظروا إلى المعذبين من الموحدين، فقدر الله هدايتهم وفتح أبصارهم، فكانوا يرون الرجل الموحد إذا قتل هبطت إليه الملائكة من السماء وعرجوا بروحه، فآمنوا ومكثوا على ذلك حتى ظهر أمر إسلامهم. فأرسل الملك إلى آبائهم وعتب عليهم بسبب إسلام أولادهم، فقالوا: أيها الملك، نحن تبرأنا منهم شأنك وشأنهم! فأحضرهم الملك وقال لهم: لكم المهل ثلاثة أيام، وإني شاخص في هذه الأيام من البلد، فإن وجدتكم في اليوم الرابع عند رجوعي مخالفين لطاعتي عذبتكم عذاب من خالفني؛ فلما كان اليوم الثالث اجتمع الفتية وقالوا: إنما يومنا هذا هو وليلته، وعزموا على الهرب في تلك الليلة، فلما جنهم الليل حمل كل واحد شيئاً من مال أبيه وخرجوا من المدينة يمشون، فمروا براعي غنم لبعض آبائهم فعرفهم فقال: ما شأنكم يا سادتي؟ فأظهروا أمرهم للراعي ودعوه إلى التوحيد، فأجابهم فأخذوه معهم.
وتبع الراعي كلبه، فساروا ليلتهم وأصبحوا على باب كهف دخلوا فيه وقالوا للراعي: خذ شيئاً من الورق وانطلق إلى المدينة، واشتر لنا طعاماً فإن القوم لا علم لهم بخروجك معنا. فأخذ الدراهم ومضى نحو المدينة وتبعه كلبه، وكان على باب المدينة صنم لا يدخل أحد المدينة إلا بدأ بالسجود لذلك الصنم قبل دخوله، فبقي الراعي متفكراً في السجود للصنم، فألهم الله الكلب ان عدا بين يديه حتى دخل المدينة، وجعل الراعي يعدو خلفه ويقول: خذوه خذوه! حتى جاوز الصنم ولم يسجد. فلما انتهى إلى السوق واشترى بعض حوائجه
سمع قائلاً يقول: ان راعي فلان أيضاً تبعهم. فلما سمع ذلك فزع وترك استتمام ما أراد شراءه، وخرج من المدينة مبادراً حتى وافى أصحابه فأخبرهم بما كان من أمره. فأكلوا طعامهم وأخذوا مضاجعهم فضرب الله على آذانهم.
فلما رجع الملك أخبروه بهربهم، فخرج يقفو آثارهم حتى انتهى إلى باب الكهف ووقف على أمرهم فقال: يكفيهم من العذاب أن ماتوا جوعاً! فأهلك الله دقيانوس وأنزل على باب الكهف صخرة وبعث إلى أهل ذلك العصر ثلاثة عشر نبياً، فدعوا الناس إلى التوحيد، فأجابهم إلى ذلك خلق كثير، وكان الملك الذي أحيا الله الفتية في أيامه موحداً. فلما كانت السنة التي أراد الله فيها احياء الفتية؛ انطلق رجل من أهل المدينة وأقام بذلك المكان يرعى غنمه، فأراد أن يتخذ لغنمه حظيرة فأمر أعوانه بتنحية الصخرة التي كانت على باب الكهف، فعند ذلك قام الفتية كمن يبيت ليلة صافية الألوان نقية الثياب، ورأوا كلبهم باسطاً ذراعيه بالوصيد، وكان ذلك بعد ثلاثمائة سنة بحساب الروم، وزيادة تسع بحساب العرب، لأن حساب الروم شمسية وحساب العرب قمرية، يتفاوت في كل مائة سنة ثلاث سنين.
وكان انتباههم آخر النهار ودخولهم أول النهار، فقال بعضهم لبعض: كم لبثتم؟ قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم! لأنهم رأوا الشمس غير غاربة فقالوا بعض يوم، فلما نظروا إلى طول شعورهم وأظافيرهم قالوا: ربكم اعلم بما لبثتم. فقالوا للراعي: إنك أتيت البارحة بطعام قليل لم يكفنا، فخذ شيئاً من هذا الورق وانطلق إلى المدينة واشتر لنا طعاماً! فانطلق خائفاً حتى أتى باب المدينة وقد أزيل عنه الصنم، ثم دخل المدينة وجعل يتصفح وجوه الناس فما كان يعرف أحداً. فانتهى إلى سوق الطعام ودفع إليه الورق فرده عليه وقال: هذا عتيق لا يروح اليوم! فناوله ما كان معه وقال: خذ حاجتك منها. فلما رأى صاحب الطعام ذلك همس إلى جاره وقال: احسب ان هذا قد وجد كنزاً! فلما رآهما يتهامسان ظن أنهما عرفاه فترك الدراهم وولى هارباً، فصاح به الناس أن خذوه فإنه