الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجلب من تفليس الزئبق والخلنج والعبيد والدواب الفره، وأنواع اللبود والأكسية والبسط الرقيقة والفرش، والصوف الرفيع والخز وما شابه ذلك.
جرجانية
قصبة ناحية خوارزم. مدينة عظيمة مشهورة على شاطيء جيحون، من أمهات المدن جامعة لأشتات الخيرات وأنواع المسرات. جاء في فضائلها ما ذكره الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار عن ابن مسعود، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ليلة أسري بي رأيت على السماء الرابعة قصراً مزخرفاً، حواليه قناديل من نور. قلت: يا جبريل ما هذا القصر المزخرف؟ قال: هذا رباط ستفتحه أمتك بأرض خراسان، من مات حول ذلك النهر على فراشه قام يوم القيامة شهيداً. قلت: يا جبريل ولم ذاك؟ قال: لهم عدو يقال له الترك شديد كلبهم قليل سلبهم، من وقع في قلبه فزعة منهم قام شهيداً يوم القيامة من قبره مع الشهداء.
وعن الحسن: مدينة بالمشرق يقال لها خوارزم على شاطيء نهر يقال له جيحون ملعون الجانبين، ألا وإن تلك المدينة محفوفة مكفوفة بالملائكة، تهدى إلى الجنة كما تهدى العروس إلى بيت زوجها، يبعث الله تعالى منها مائة شهيد، كل شهيد منهم يعدل شهيد بدر.
وجرجانية مدينة عظيمة كثيرة الأهل. وأهلها كلهم أجناد حتى البقال والقصاب والخباز والحائك.
وحكي أن السلطان محمد بن تكش أوقع به الخطأ في بعض وقائعه وقتلوا من المسلمين مقتلة عظيمة، وما أفلت منهم إلا السلطان في نفر يسير، فدخل البلد ليلاً لئلا يرى الناس قلة عدده، وركب أول النهار بثلاثين ألف فارس وذهب إلى وجه العدو.
وأهل جرجانية كلهم معتزلة، والغالب عليهم ممارسة علم الكلام حتى في الأسواق والدروب يناظرون من غير تعصب بارد في علم الكلام. وإذا رأوا من أحد التعصب أنكروا عليه كلهم وقالوا: ليس لك إلا الغلبة بالحجة، وإياك وفعل الجهال! وأهلها أهل الصناعات الدقيقة كالحداد والنجار وغيرهما، فإنهم يبالغون في التدقيق في صناعاتهم، والسكاكون يعملون الآلات من العاج والآبنوس، لا يعمل في غير خوارزم إلا بقرية يقال لها طرق من أعمال أصفهان. ونساؤها يعملون بالإبرة صناعات مليحة كالخياطة والتطريز والأعمال الدقيقة.
وحكي أن السبب في بناء هذه المدينة أن بعض الملوك غضب على جمع من أصحاب مملكته، فأمر بنفيهم إلى موضع بعيد عن العمارات، فنفوهم إلى هذا المكان وتركوهم، وكان موضعاً منقطعاً عن البلاد لا زرع به ولا ضرع. فلما كان بعد مدة جرى ذكرهم عند الملك، فأمر بكشف خبرهم فجاؤوا إليهم فوجدوهم قد بنوا أكواخاً ويتقوتون بصيد السمك، وكان عندهم حطب كثير فقالوا لهم: كيف حالكم؟ قالوا: لنا هذا السمك وهذا الحطب. فسمي الموضع خوارزم لأن بلغتهم خوار اللحم ورزم الحطب، فبعث الملك إليهم أربعمائة جارية من سبي الترك على عدد الرجال المنفيين، فتوالدوا وتناسلوا فلهذا ترى صورهم صور الأتراك وطباعهم طباع الترك. وفيهم جلادة وقوة فعمروا ذلك الموضع حتى صار من أحسن بلاد الله تعالى وأكثرها عمارة، حتى لم ير بها خراب، فإنها معما هي عليه من سباخة أرضها وكثرة برودها متصلة العمارة متقاربة القرى، كثيرة القصور والبيوت، وقلما يقع النظر في رستاقها على أرض لا عمارة فيها، هذا مع كثرة الأشجار.
والغالب عليها التوت والخلاف لأجل دود القز، فإن لهم يداً باسطة في تربيتها، والخلاف لأجل العمارات، فإن عماراتهم من الاخصاص والخلاف لأن أرضها كثيرة النزور لا تحتمل البناء الثقيل؛ فإن الماء ينبع إذا حفرت ذراعين.