الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يسألون ويناظرون فمن يصلح؟ قالوا: ليس لهم مثل القاضي أبي بكر، فإنه يناظرهم ويغلبهم في كل ما يقولونه. فبعثه إلى قيصر الروم، فلما أراد الدخول عليه علم الرومي انه لا يخدم كما هي عادة الرسل، فاتخذ الباب الذي يدخل منه إلى قيصر باباً قصيراً، من أراد دخوله ينحني، فلما وصل القاضي إلى ذلك عرف الحال فأدار ظهره إلى الباب، ودخل راكعاً ظهره إلى الباب، فتعجب قيصر من فطنته ووقع في نفسه هيبته.
فلما أدى الرسالة رأى عنده بعض الرهابين فقال له القاضي مستهزئاً: كيف أنت وكيف الأولاد؟ فقال له قيصر: إنك لسان الأمة ومقدم علماء هذه الملة! أما علمت أن هؤلاء متنزهون عن الأهل والولد؟ فقال القاضي: إنكم لا تنزهون الله عن الأهل والولد وتنزهون هؤلاء، فهؤلاء أجل عندكم من الله تعالى! وقال بعض طاغية الروم للقاضي: اخبرني عن زوجة نبيكم عائشة وما قيل فيها. قال القاضي: قيل في حق عائشة ما قيل في حق مريم بنت عمران، وعائشة ما ولدت ومريم ولدت، وقد برأ الله تعالى كل واحدة منهما! وحكى بعض الصالحين: انه لما توفي القاضي أبو بكر رأيت في منامي جمعاً عليهم ثياب بيض، ولهم وجوه حسنة وروائح طيبة، قلت لهم: من أين جئتم؟ قالوا: من زيارة القاضي أبي بكر الأشعري. قلت: ما فعل الله به؟ قالوا: غفر الله له ورفع درجته. فمشيت إليه فرأيته وعليه ثياب حسنة في روضة خضرة نضرة، فهممت أن أسأله عن حاله فسمعته يقرأ بصوت عال: هاؤم اقرأوا كتابيه. اني ظننت اني ملاق حسابيه. فهو في عيشة راضية. في جنة عالية.
بغداد
أم الدنيا وسيدة البلاد وجنة الأرض ومدينة السلام، وقبة الإسلام ومجمع الرافدين، ومعدن الظرائف ومنشأ أرباب الغايات، هواؤها ألطف من كل هواء، وماؤها أعذب من كل ماء، وتربتها أطيب من كل تربة، ونسيمها
أرق من كل نسيم! بناها المنصور أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ولما أراد المنصور بناء مدينة بعث رواداً يرتاد موضعاً، قال له: أرى يا أمير المؤمنين أن تبنى على شاطيء دجلة، تجلب إليها الميرة والأمتعة من البر والبحر، وتأتيها المادة من دجلة والفرات، وتحمل إليها ظرائف الهند والصين، وتأتيها ميرة أرمينية وآذربيجان وديار بكر وربيعة، لا يحمل الجند الكثير إلا مثل هذا الموضع. فأعجب المنصور قوله وأمر المنجمين، وفيهم نوبخت، باختيار وقت للبناء فاختاروا طالع القوس الدرجة التي كانت الشمس فيها، فاتفقوا على أن هذا الطالع مما يدل على كثرة العمارة وطول البقاء، واجتماع الناس فيها وسلامتهم عن الأعداء. فاستحسن المنصور ذلك ثم قال نوبخت: وخلة أخرى يا أمير المؤمنين. قال: وما هي؟ قال: لا يتفق بها موت خليفة! فتبسم المنصور وقال: الحمد لله على ذلك. وكان كما قال، فإن المنصور مات حاجاً، والمهدي مات بماسبذان، والهادي بعيساباد، والرشيد بطوس، والأمين أخذ في شبارته وقتل بالجانب الشرقي، والمأمون بطرسوس، والمعتصم والواثق والمتوكل والمستنصر بسامرا. ثم انتقل الخلفاء إلى التاج وتعطلت مدينة المنصور من الخلفاء؛ قال عمارة بن عقيل:
أعاينت في طولٍ من الأرض أو عرض
…
كبغداد من دارٍ بها مسكن الخفض؟
صفا العيش في بغداد واخضّر عوده
…
وعيش سواها غير خفضٍ ولا غضّ
قضى ربّها أن لا يموت خليفةٌ
…
بها، إنّه ما شاء في خلقه يقضي
ذكر أبو بكر الخطيب أن المنصور بنى مدينة بالجانب الغربي، ووضع اللبنة الأولى بيده، وجعل داره وجامعها في وسطها، وبنى فيها قبة فوق ايوان كان علوها ثمانين ذراعاً. والقبة خضراء على رأسها تمثال فارس بيده رمح، فإذا رأوا ذلك التمثال استقبل بعض الجهات ومد رمحه نحوها، فعلموا أن بعض الخوارج
يظهر من تلك الجهة، فلا يطول الوقت حتى يأتي الخبر ان خارجياً ظهر من تلك الجهة، وقد سقط رأس هذه القبة سنة تسع وعشرين وثلاثمائة في يوم مطير ريح، وكانت تلك القبة علم بغداد وتاج البلد، ومأثرة بني العباس.
وكان بجانبها الشرقي محلة تسمى باب الطاق، كان بها سوق الطير فاعتقدوا ان من تعسر عليه شيء من الأمور فاشترى طيراً من باب الطاق وأرسله، سهل عليه ذلك الأمر. وكان عبد الله بن طاهر طال مقامه ببغداد، ولم يحصل له اذن الخليفة، فاجتاز يوماً بباب الطاق فرأى قمرية تنوح، فأمر بشرائها واطلاقها، فامتنع صاحبها أن يبيعها إلا بخمسمائة درهم، فاشتراها وأطلقها وأنشأ يقول:
ناحت مطوّقةٌ بباب الطّاق
…
فجرت سوابق دمعي المهراق
كانت تغرّد بالأراك وربّما
…
كانت تغرّد في فروع السّاق
فرمى الفراق بها العراق فأصبحت
…
بعد الأراك تنوح في الأشواق
فجعت بإفراجٍ فأسبل دمعها
…
إنّ الدّموع تبوح بالمشتاق
تعس الفراق وتبّ حبل وتينه
…
وسقاه من سمّ الأساود ساقي
ماذا أراد بقصده قمريّةً
…
لم تدر ما بغداد في الآفاق
بي مثل ما بك يا حمامة فاسألي
…
من فكّ أسرك أن يحلّ وثاقي!
هذه صفة المدينة الغربية، والآن لم يبق منها أثر. وبغداد عبارة عن المدينة الشرقية. كان أصلها قصر جعفر بن يحيى البرمكي، والآن هي مدينة عظيمة كثيرة الأهل والخيرات والثمرات. تجبى إليها لطائف الدنيا وظرائف العالم إذ ما من متاع ثمين ولا عرض نفيس إلا ويحمل إليها، فهي مجمع لطيبات الدنيا ومحاسنها، ومعدن لأرباب الغايات وآحاد الدهر في كل علم وصنعة.
وبها حريم الخلافة، وعليه سور ابتداؤه من دجلة وانتهاؤه إلى دجلة كشبه الهلال، وله أبواب: باب سوق التمر باب شاهق البناء عال، أغلق من أول أيام
الناصر واستمر إغلاقه. ذكر أن المسترشد خرج منه فأصابه ما أصابه فتطيروا به وأغلقوه. وباب النوبي وعنده العتبة التي يقبلها الملوك والرسل إذا قدموا بغداد. وباب العامة وعليه باب عظيم من الحديد نقله المعتصم من عمورية لم ير مصراعان أكبر منهما من الحديد.
ومن عجائبها دار الشجرة من أبنية المقتدر بالله، دار فيحاء ذات بساتين مؤنقة، وإنما سميت بذلك لشجرة كانت هناك من الذهب والفضة في وسط بركة كبيرة أمام أبوابها، ولها من الذهب والفضة ثمانية عشر غصناً، ولكل غصن فروع كثيرة مكللة بأنواع الجواهر على شكل الثمار. وعلى أغصانها أنواع الطير من الذهب والفضة، إذا هب الهواء سمعت منها الهدير والصفير. وفي جانب الدار عن يمين البركة تمثال خمسة عشر فارساً، ومثله عن يسار البركة، قد ألبسوا أنواع الحرير المدبج مقلدين بالسيوف، وفي أيديهم المطارد يحركون على خط واحد، فيظن أن كل واحد قاصد إلى صاحبه.
ومن مفاخرها المدرسة التي أنشأها المستنصر بالله. لم يبن مثلها قبلها في حسن عمارتها ورفعة بنائها، وطيب موضعها على شاطيء دجلة وأحد جوانبها في الماء. لم يعرف موضع أكثر منها أوقافاً ولا أرفه منها سكاناً. وعلى باب المدرسة ايوان ركب في صدره صندوق الساعات على وضع عجيب، يعرف منه أوقات الصلوات وانقضاء الساعات الزمانية نهاراً وليلاً؛ قال أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي:
يا أيّها المنصور يا مالكاً
…
برايه صعب اللّيالي يهون!
شيّدت لله ورضوانه
…
أشرف بنيانٍ يروق العيون
إيوان حسنٍ وصفه مدهشٌ
…
يحار في منظره النّاظرون!
تهدي إلى الطّاعات ساعاته
…
النّاس، وبالنّجم هم يهتدون
صوّر فيه فلكٌ دائرٌ
…
والشّمس تجري ما لها من سكون
دائرةٌ من لازوردٍ حلت
…
نقطة تبرٍ فيه سرٌّ مصون
فتلك في الشّكل وهذا معاً
…
كمثل هاءٍ ركّبت وسط نون
فهي لإحياء العلى والنّدى
…
دائرةٌ مركزها العالمون
وأما أولو الفضل من العلماء والزهاد والعباد والأدباء والشعراء والصناع فلا يعلم عددهم إلا الله. ولنذكر بعض مشاهيرها إن شاء الله.
ينسب إليها القاضي أبو يوسف، ذكر أنه كان رآه رجل يهودي وقت الظهيرة يمشي راكباً على بغلة، واليهودي يمشي راجلاً جائعاً ضعيفاً، فقال للقاضي: أليس نبيكم يقول الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر؟ قال: نعم. قال: فأنت في السجن وأنا في الجنة والحالة هذه! فقال القاضي: نعم يا عدو الله، بالنسبة إلى ما أعد الله لي من الكرامة في الآخرة في السجن، وأنت بالنسبة إلى ما أعد الله لك في الآخرة من العذاب في الجنة! وحكي أن الهادي الخليفة اشترى جارية فاستفتى فقال الفقهاء: لا بد من الاستبراء أو الاعتاق والتزويج. فقال القاضي أبو يوسف: زوجها من بعض أصحابك وهو يطلقها قبل الدخول وحلت لك.
وحكي أن الرشيد قال لزبيدة: أنت طالق ثلاثاً إن بت الليلة في مملكتي! فاستفتوا في ذلك فقال أبو يوسف: تبيت في بعض المساجد فإن المساجد لله! فولاه القضاء بجميع مملكته.
وحكي أن زبيدة قالت للرشيد: أنت من أهل النار. فقال لها: إن كنت من أهل النار فأنت طالق ثلاثاً! فسألوا عنه فقال: هل يخاف مقام ربه؟ قالوا: نعم. قال: فلا يقع الطلاق لأن الله تعالى يقول: ولمن خاف مقام ربه جنتان.
وينسب إليها القاضي يحيى بن أكثم. كان فاضلاً غزير العلم ذكي الطبع، لطيفاً حسن الصورة حلو الكلام، كان المأمون يرى له لا يفارقه، ويضرب به المثل في الذكاء. ولي القضاء وهو ابن سبع عشرة سنة فقال بعض الحاضرين في مجلس
الخليفة: أصلح الله القاضي! كم يكون سن عمره؟ فعلم يحيى انه قصد بذلك استحقاره لقلة سنه، فقال: سن عمري مثل سن عمر بن عتاب بن أسيد حين ولاه رسول الله، عليه السلام، قضاء مكة! فتعجب الحاضرون من جوابه.
وحكي انه كان ناظر الوقوف ببغداد فوقف العميان له وقالوا: يا أبا سعيد اعطنا حقنا! فأمر بحبسهم، فقيل له: لم حبست العميان وقد طلبوا حقهم؟ فقال: هؤلاء يستحقون ابلغ من ذلك، إنهم شبهوني بأبي سعيد اللوطي من مدينة كذا! وكان هذا قصدهم فما فات القاضي ذلك.
وحكي انه اجتاز بجمع من مماليك الخليفة صبياناً حساناً فقال لهم: لولا أنتم لكنا مؤمنين. فعرف المأمون ذلك فأمر أن يذهب كل يوم إلى باب داره أربعمائة مملوك حسن الصورة، حتى إذا ركب يمشون في خدمته إلى دار الخلافة ركاباً.
وينسب إليها أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل. كان أصله من مرو وجيء به حملاً إلى بغداد فنشأ بها. فلما كان أيام المعتصم وقع في محنة المعتزلة، جمع المعتصم بينه وبين المعتزلة وكبيرهم القاضي أبو داود. قالوا: ان القرآن مخلوق! قال لهم أحمد: ما الدليل على ذلك؟ قالوا: قوله تعالى: وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث. فقال لهم أحمد: المراد من الذكر ههنا الذكر عند قوله تعالى: ص والقرآن ذي الذكر. فالذكر مضاف إلى القرآن فيكون غير القرآن، وههنا مطلق وفي ص مقيد، فيجب حمل المطلق على المقيد. فانقطعت حجتهم، فقال المعتصم لأبي داود: ما تقول في هذا؟ فقال القاضي: هذا ضال مضل يجب تأديبه! وعن ميمون بن الإصبع قال: كنت حاضراً عند محنة أحمد، فلما ضرب سوطاً قال: بسم الله، فلما ضرب الثاني قال: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فلما ضرب الثالث قال: القرآن كلام الله غير مخلوق، فلما ضرب الرابع قال:
لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا! وعن محمد بن إسماعيل قال: سمعت شاباً يقول: ضربت لأحمد ثمانين سوطاً لو ضربت فيلاً لهدته فجرى دمه تحت الخشب! ثم أمر بحبسه فانتشر ذكر ذلك واستقبح من الخليفة، وورد كتاب المأمون من طرسوس يأمر بإشخاص أحمد. فدعا المعتصم عند ذلك أحمد وقال للناس: أتعرفون هذا الرجل؟ قالوا: نعم هو أحمد بن حنبل. قال: انظروا إليه ما به كسر ولا هشم. وسلمه إليهم.
وحكى صالح بن أحمد قال: دخلت على أبي وبين يديه كتاب كتب إليه: بلغني أبا عبد الله ما أنت فيه من الضيق، وما عليك من الدين، وقد بعثت إليك أربعة آلاف درهم على يد فلان، لا من زماة ولا من صدقة وإنما هي من إرث أبي! فقال أحمد: قل لصاحب هذا الكتاب: أما الدين فصاحبه لا يرهقنا ونحن نعافيه، والعيال في نعمة من الله. قال: فذهبت إلى الرجل وقلت له ما قاله أبي، والله يعلم ما نحن فيه من الضيق. فلما مضت سنة قال: لو قبلناها لذهبت! وحكى أحمد بن حرار قال: كانت أمي زمنةً عشرين سنة فقالت لي يوماً: اذهب إلى أحمد بن حنبل وسله أن يدعو الله لي. فذهبت ودققت الباب فقالوا: من؟ قلت: رجل من ذاك الجانب، وسألتني أمي الزمنة ان أسألك أن تدعو الله لها. فسمعت قائلاً يقول: نحن أحوج إلى من يدعو الله لنا! فوليت منصرفاً فخرجت عجوز من داره وقالت: أنت الذي كلمت أبا عبد الله؟ قلت: نعم. قالت: تركته يدعو الله لها. فجئت إلى بيتي ودققت الباب، فخرجت أمي على رجليها تمشي وقالت: قد وهب الله لي العافية.
وذكروا أن أحمد بن حنبل جعله المعتصم في حل يوم قتل بابك الخرمي أو يوم فتح عمورية. وتوفي أحمد سنة إحدى وأربعين ومائتين عن تسع وسبعين سنة.
وحكى أبو بكر المروزي قال: رأيت أحمد بن حنبل بعد موته في المنام في روضة، وعليه حلتان خضراوان وعلى رأسه تاج من نور، وهو يمشي مشياً
لم أكن أعرفه. فقلت: يا أحمد ما هذه المشية؟ قال: هذه مشية الخدام في دار السلام! فقلت: ما هذا التاج الذي أراه فوق رأسك؟ فقال: ان ربي أوقفني وحاسبني حساباً يسيراً، وحباني وقربني وأباحني النظر وتوجني بهذا التاج، وقال لي: يا أحمد هذا تاج الوقار توجتك به كما قلت القرآن كلامي غير مخلوق.
وينسب إليها أبو علي الحسين بن صالح بن خيران. كان عالماً شافعي المذهب جامعاً بين العلم والعمل والورع. طلبه علي بن عيسى وزير المقتدر لتوليته القضاء، فأبى وهرب فختم بابه بضعة عشر يوماً، قال أبو عبد الله بن الحسن العسكري: كنت صغيراً وعبرت مع أبي على باب أبي علي بن خيران، وقد وكل به الوزير علي بن عيسى، وشاهدت الموكلين على بابه فقال لي أبي: يا بني ابصر هذا حتى تتحدث إن عشت أن إنساناً فعل به هذا فامتنع عن القضاء. ثم إن الوزير عفا عنه وقال: ما أردنا بالشيخ أبي علي إلا خيراً، وأردنا أن نعلم الناس أن في ملكنا رجلاً يعرض عليه قضاء الشرق والغرب وهو لا يقبل. توفي ابن خيران في حدود عشرين وثلاثمائة.
وينسب إليها أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي. كان عالماً بعلم التفسير والحديث والفقه والأدب والوعظ، وله تصانيف كثيرة في فنون العلوم. وكان أيضاً ظريفاً سئل وهو على المنبر: أبو بكر أفضل أم علي؟ فقال: الذي كانت ابنته تحته! فقالت السنية: فضل أبا بكر! وقالت الشيعة: فضل علياً! وكانت له جارية حظية عنده فمرضت مرضاً شديداً فقال وهو على المنبر: يا إلهي يا إلهي ما لنا شيء إلا هي، قد رمتني بالدواهي والدواهي والدواهي: ونقل أنهم كتبوا على رقعة إليه وهو على المنبر: إن ههنا امرأة بها داء الابنة والعياذ بالله تعالى فماذا تصنع بها؟ فقال:
يقولون ليلى في العراق مريضةٌ
…
فيا ليتني كنت الطّبيب المداويا
توفي سنة سبع وتسعين وخمسمائة.
وينسب إليها الوزير علي بن عيسى وزير المقتدر ووزير ابنه المطيع. ركب يوم الموسم كما كان الوزراء يركبون في موكب عظيم، فرآه جمع من الغرباء قالوا: من هذا؟ وكانت امرأة عجوز تمشي على الطريق قالت: كم تقولون من هذا؟ هذا واحد سقط من عين الله تعالى، فابتلاه الله بهذا كما ترونه! فسمع هذا القول علي بن عيسى، فرجع إلى بيته واستعفى من الوزارة وجاور مكة إلى أن مات.
وينسب إليها أبو نصر بشر بن الحرث الحافي. ذكر أيوب العطار انه قال له بشر: ألا أحدثك عن بدو أمري؟ بينا أنا أمشي إذ رأيت قرطاساً على وجه الأرض عليه اسم الله تعالى، فأخذته وكنت لا أملك إلا درهماً واحداً اشتريت به الماورد والمسك، غسلت القرطاس بالماورد وطيبته بالمسك ثم رجعت إلى منزلي ونمت، فأتاني آت يقول: طيبت اسمي لأطيبن ذكرك وطهرته لأطهرن قلبك! وحكت زبيدة أخت بشر أن بشراً دخل علي ليلةً من الليالي، فوضع إحدى رجليه داخل الدار والأخرى خارجها وهو كذلك إلى أن أصبح، فقلت له: في ماذا كنت تفكر؟ قال: في بشر اليهودي وبشر النصراني وبشر المجوسي! ونفسي ما الذي سبق مني خصتني الله تعالى دونهم؟ فتفكرت في تفضيله وحمدته على أن جعلني من خاصته وألبسني أحبائه.
وحكي أن بشراً الحافي دعي إلى دعوة، فلما وضع الطعام بين يديه أراد أن يمد يده إليه فما امتدت حتى فعل ذلك ثلاث مرات فقال بعض الحاضرين الذي كان يعرف بشراً: ما كان لصاحب الدعوة حاجة إلى إحضار من أظهر أن طعامه ذو شبهة.
وحكي أن أحمد بن حنبل سئل عن مسألة في الورع فقال: لا يحل لي أن أتكلم في الورع وأنا آكل من غلة بغداد! لو كان بشر بن الحرث حاضراً لأجابك فإنه لا يأكل من غلة بغداد ولا من طعام السواد! توفي سنة تسع وعشرين
ومائتين عن خمس وسبعين سنة.
وحكى الحسن بن مروان ال: رأيت بشراً الحافي في المنام بعد موته فقلت له: أبا نصر ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي ولكل من تبع جنازتي! وكانت جنازته قد رفعت أول النهار، فما وصل إلى القبر إلا وقت العشاء لكثرة الخلق. وقال لي خزيمة: رأيت أحمد بن حنبل في المنام فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وتوجني وألبسني نعلين من ذهب! قلت: فما فعل الله ببشر؟ قال: بخ بخ! من مثل بشر تركته بين يدي الخليل وبين يديه مائدة الطعام، والخليل مقبل عليه وهو يقول له: كل يا من لم يأكل، واشرب يا من لم يشرب، وانعم يا من لم ينعم! وقال غيره: رأيت بشراً الحافي في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وقال يا بشر أما استجبت مني وكنت تخافني كل ذلك الخوف؟ ورآه غيره فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: قال لي يا بشر لقد توفيتك يوم توفيتك وما على وجه الأرض أحب إلي منك! وينسب إليها أبو عبد الله الحرث بن أسد المحاسبي. كان عديم النظير في زمانه علماً وورعاً وحالاً. كان يقول: ثلاثة أشياء عزيزة: حسن الوجه مع الصيانة، وحسن الخلق مع الديانة، وحسن الإجابة مع الأمانة، مات أبوه أسد المحاسبي وخلف من المال ألوفاً ما أخذ الحرث منه حبة، وكان محتاجاً إلى دانق، وذاك لأن أباه كان رافضياً. فقال الحرث: أهل ملتين لا يتوارثان! وحكى الجنيد: ان المحاسي اجتاز بي يوماً فرأيت أثر الجوع في وجهه، فقلت: يا عم لو دخلت علينا ساعةً! فدخل فعمدت إلى بيت عمي، وكان عندهم أطعمة فاخرة، فجئت بأنواع من الطعام ووضعته بين يديه. فمد يده وأخذ لقمة رفعها إلى فيه يلوكها ولا يزدردها، ثم قام سريعاً ورمى اللقمة في الدهليز وخرج ما كلمني. فلما كان الغد قلت: يا عم سررتني ثم نغصت علي! فقال: يا بني أما الفاقة فكانت شديدة، وقد اجتهدت أن أنال من الطعام الذي جعلته بين يدي، ولكن بيني وبين الله علامة، وهي أن الطعام إذا لم يكن
مرضياً يرتفع منه إلى أنفي زفر لا تقبله نفسي! توفي سنة ثلاث وأربعين ومائتين.
وينسب إليها أبو الحسن السري بن المغلس السقطي خال أبي القاسم الجنيد وأستاذه وتلميذ معروف الكرخي. دعا له أستاذه معروف وقال له: أغنى الله قلبك! فوضع الله تعالى فيه الزهد. وقيل: ان امرأة اجتازت بالسري ومعها ظرف فيه شيء فسقط من يدها وانكسر، فأخذ السري شيئاً من دكانه وأعطاها بدل ما ضاع عليها، فرأى معروف ذلك فأعجبه وقال له: ابغض الله إليك الدنيا! فتركها وتزهد كما دعا له.
وحكي أن امرأة جاءت إلى السري وقالت: يا أبا الحسن، أنا من جيرانك، وإن ابني أخذه الطائف، واني أخشى أن يؤذيه، فإن رأيت أن تجيء معي أو تبعث إليه أحداً. فقام يصلي وطول صلاته فقالت المرأة: أبا الحسن، الله الله في ولدي! إني أخشى أن يؤذيه السلطان! فسلم وقال لها: أنا في حاجتك. فما برحت حتى جاءت امرأة وقالت لها: لك البشرى فقد خلوا عن ابنك! حكى الجنيد قال: دخلت على السري فإذا هو قاعد يبكي وبين يديه كوز مكسور، قلت: ما سبب البكاء؟ قال: كنت صائماً فجاءت ابنتي بكوز ماء فعلقته حتى يبرد فأفطر عليه، فأخذتني عيني فنمت فرأيت جارية دخلت علي من هذا الباب في غاية الحسن، فقلت لها: لمن أنت؟ قالت: لمن لا يبرد الماء في الكيزان الخضر! وضربت بكمتها الكوز ومرت وهو هذا. قال الجنيد: فمكثت اختلفت إليه مدة طويلة أرى الكوز المكسور بين يديه.
وحكي أن السري كل ليلة إذا أفطر ترك لقمة، فإذا أصبح جاءت عصفورة وأكلت تلك اللقمة من يده. فجاءت العصفورة في بعض الأيام ووقعت على شيء من جدار حجرته ثم طارت وما أكلت اللقمة، فحزن الشيخ لذلك وقال: بذنب مني نفرت العصفورة، حتى تذكر انه اشتهى الخبز بالقديد فأكل، فعلم ان انقطاع العصفورة بسبب ذلك، فعهد أن لا يتناول أبداً شيئاً من الادام فعادت العصفورة.
وحكي انه اشترى كرلوز بستين ديناراً، وكتب في دستوره ثلاثة دنانير ربحه، فارتفع الربح وصار اللوز بتسعين ديناراً. فأتاه الدلال وأخبره انه بتسعين ديناراً فقال: اني عقدت عقداً بيني وبين الله تعالى اني أبيعه بثلاثة وستين لأجله لست أبيعه بأكثر من ذلك! فقال الدلال: واني عقدت عقداً بيني وبين الله تعالى اني لا أغش مسلماً! توفي السري سنة إحدى وخمسين ومائتين.
وينسب إليها أبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد. أصله من نهاوند ومولده بغداد. كان أبوه زجاجاً وكان هو خرازاً. صحب الحرث المحاسبي وخاله السري السقطي. وكان الجنيد يفتي على مذهب سفيان الثوري. كان ورده في كل يوم ثلاثمائة ركعة وثلاثين ألف تسبيحة. وعن جعفر الخلدي أن الجنيد عشرين سنة ما كان يأكل في كل أسبوع إلا مرةً.
حكى أبو عمرو الزجاجي قال: أردت الحج فدخلت على الجنيد فأعطاني درهماً شددته في مئزري، فلم أنزل منزلاً إلا وجدت رزقاً فما احتجت إلى إخراج الدرهم؛ فلما عدت إلى بغداد ودخلت عليه مد يده وأخذ الدرهم.
وحكى بعض الهاربين عن ظالم قال: رأيت الجنيد واقفاً على باب رباطه فقلت: يا شيخ أجرني أجارك الله! فقال: ادخل الرباط. فدخلت فما كان إلا يسيراً حتى وصل الطالب بسيف مسلول فقال للشيخ: أين مشى هذا الهارب؟ فقال الشيخ: دخل الرباط. فمر على وجهه وقال: تريد أن تقويه علي! قال الهارب: قلت للشيخ كيف دللته علي، أليس لو دخل الرباط قتلني؟ فقال الشيخ: وهل نجوت إلا بقولي دخل الرباط؟ فما زال منا الصدق ومنه اللطف.
وحكي أن رجلاً أتى الجنيد بخمسمائة دينار، وكان هو جالساً بين أصحابه، وقال له: خذ هذا وأنفق على أصحابك. فقال له: هل لك غيرها؟ قال: نعم لي دنانير كثيرة! قال: فهل تريد غيرها؟ قال: نعم. قال: خذها إليك فأنت أحوج إليها منا.
قال أبو محمد الجزري: لما كان مرض موته كنت على رأسه وهو يقرأ
ويسجد، فقلت: أبا قاسم ارفق بنفسك. فقال: يا أبا ممد هوذا صحيفتي تطوى، وأنا أحوج ما كنت الساعة! ولم يزل باكياً وساجداً حتى فارق الدنيا سنة ثمان وستين ومائتين.
وقال جعفر الخلدي: رأيت الجنيد بعد موته في المنام قلت: ما فعل الله بك يا أبا قاسم؟ فقال: طاحت تلك الإشارات وغابت تلك العبارات، ونفدت تلك العلوم وامحت تلك الرسوم، وما بقينا إلا على الركيعات التي كنا نصليها في جوف الليل! وينسب إليها أبو الحسن علي بن محمد المزين الصغير. كان من المشايخ الكبار صاحب الحالات والكرامات. حكى أبو عبد الله بن خفيف قال: سمعت أبا الحسن بمكة يقول: كنت في بادية تبوك فقدمت إلى بئر لأستقي منها، فزلقت رجلي فوقعت في قعر البئر فرأيت في البئر زاوية، فأصلحت موضعاً وجلست عليه لئلا يفسد الماء ما علي من اللباس، وطابت نفسي وسكن قلبي، فبينما أنا قاعد إذا أنا بشخشخة فتأملت فإذا حية عظيمة تنزل علي، فراجعت نفسي فإذا نفسي ساكنة، فنزلت ولفت ذنبها علي وأنا هاديء السر لا أضطرب شيئاً، وأخرجتني من البئر وحلت عني ذنبها، فلا أدري الأرض ابتلعتها أم السماء رفعتها؟ فقمت ومشيت إلى حاجتي.
وحكى جعفر الخلدي: عزمت على السفر فودعت أبا الحسن المزين وقلت: زودني شيئاً. فقال: إن ضاع شيء وأردت وجدانه أو أردت أن يجمع الله بينك وبين إنسان فقل: يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد. رد إلي ضالتي أو اجمع بيني وبين فلان. قال: فما دعوت في شيء إلا استجبت. توفي بمكة مجاوراً سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.
وينسب إليها محمد بن إسماعيل، ويعرف بخير النساج، كان من أقران الثوري. عاش مائة وعشرين سنة. كان أسود عزم الحج. أخذه رجل على باب الحرم وقال: أنت عبدي واسمك خير! فمكث على ذلك مدة يستعمله في
نسج الخز ثم عرف أنه ليس عبده ولا اسمه خير، قال له: أنت في حل من جميع ما عملت لك. وفارقه.
وحكي أن رجلاً جاءه وقال له: يا شيخ أمس قد بعت الغزل وشددت ثمنه في مئزرك، وأنا جئت خلفك وحللته فقبضت يدي! فضحك الشيخ وأومى إلى يده فحلت وقال: اصرف هذه الدراهم في شيء من حاجتك ولا تعد إلى مثلها. ورئي في المنام بعد موته، قيل له: ما فعل الله بك؟ قال: لا تسألني عن هذا، استرحت من دنياكم الوضرة! وينسب إليها أبو محمد رويم بن أحمد البغدادي. كان من كبار المشايخ وكان عالماً بعلم القراءة والفقه على مذهب داود، وكان يقول: من حكمة الحكيم الشريعة على إخوانه والتضييق على نفسه، لأن حكم الشريعة اتباع العلم وحكم الورع التضييق على نفسه.
حكي انه اجتاز وقت الظهيرة بدرب في بغداد وكان عطشان، فاستسقى من بيت فخرجت جارية بكوز ماء فأخذ منها وشرب، فقالت الجارية: صوفي يشرب بالنهار! فما أفطر بعد ذلك. توفي سنة ثلاث وثلاثمائة.
وينسب إليها أبو سعيد أحمد بن عيسى الخراز. كان من المشايخ الكبار، صحب ذا النون المصري والسري السقطي وبشراً الحافي، وكان أبو سعيد يمشي بالتوكل.
حكى عن نفسه قال: دخلت البادية مرة بغير زاد فأصابني فاقة، فرأيت المرحلة من بعيد فسررت بأن وصلت إلى العمارة ثم فكرت في نفسي اني سلوت، واتكلت على غيري فآليت ألا أدخل المرحلة إلا إذا حملت إليها، فحفرت لنفسي في الرمل حفيرة وواريت جسدي فيها إلى صدري، فلما كان نصف الليل سمعوا صوتاً عالياً: يا أهل المرحلة إن لله ولياً في هذه المرحلة فالحقوه! فجاءت جماعة وأخرجوني وحملوني إلى القرية.
وينسب إليها الأستاذ علي بن هلال الخطاط، ويعرف بابن البواب، كان
عديم النظير في صنعته، لم يوجد مثله لا قبله ولا بعده، فإن الكتابة العربية كانت بطريقة الكوفية ثم إن الوزير أبا الحسن بن مقلة نقلها إلى طريقته، وطريقته أيضاً حسنة، ثم إن ابن البواب نقل طريقة ابن مقلة إلى طريقته التي عجز عنها جميع الكتاب من حسنها وحلاوتها وقوتها وصفاتها، ولا يعرف لطافة ما فيها إلا كبار الكتاب، فإنه لو كتب حرفاً واحداً مائة مرة لا يخالف شيء منها شيئاً لأنها قلبت في قالب واحد، والناس كلهم بعده على طريقته. توفي سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
وينسب إليها أبو نواس الحسن بن هانيء. كان أديباً فصيحاً بليغاً شاعراً أوحد زمانه. حكي أن الرشيد قرأ يوماً: ونادى فرعون في قومه قال: يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون؟ فقال: اطلبوا لي شخصاً أنذل ما يكون حتى أوليه مصر. فطلبوا شخصاً مخبلاً كما أراد الخليفة، فولاه مصر وكان اسمه خصيباً. فلما ولي أحسن السيرة وباشر الكرم وانتشر ذكره في البلاد حتى قيل:
إذا لم تزر أرض الخصيب ركابنا
…
فأين لنا أرضٌ سواه نزور
فتىً يشتري حسن الثّناء بماله
…
ويعلم أنّ الدّائرات تدور
فقصده شعراء العراق وأبو نواس معهم وهو صبي، فلما دنوا من مصر قالوا ذات يوم: نحن من أرض العراق وندخل مصر فلا يأخذن علينا المصريون خطأً أو عيباً! ليعرض كل واحد منا شعره حتى نعتبره، فإن كان شيء منها محتاجاً إلى إصلاح أصلحناه. فأظهر كل واحد ما معه على القوم، فقالوا لأبي نواس: هات ما عندك. فقال: عندي هذا:
واللّيل ليلٌ والنّهار نهار
…
والبغل بغلٌ والحمار حمار
والديك ديكٌ والدّجاجة زوجه
…
والبطّ بطٌّ والهزار هزار
فضحكوا وقالوا: هذا أيضاً له وجه للمضاحك! فلما دخلوا على الخصيب وضعوا كرسياً كل واحد من الشعراء يقف عليه ويورد شعره حتى أوردوا جميعهم. بقي أبو نواس فقال بعض الشعراء: ارفعوا الكرسي، ما بقي أحد! فقال أبو نواس: اصبروا حتى أورد بيتاً واحداً ثم بعد ذلك إن أردتم فارفعوا، فأنشأ يقول:
أنت الخصيب وهذه مصر
…
فتشابها فكلاهما بحر!
فتحير الشعراء وأنشد قصيدة خيراً من قصائدهم كلها.
وحكي أن محمداً الأمين أمر بحبسه وأمر أن لا يترك عنده كاغد ودواة، فحبس في دار، فدخل عليه خادم من خدام الخليفة ونام عنده وعليه جبة سوداء، فأخذ قطعة جص من الحائط وكتب على جبة الخادم:
ما قدر عبدك بي نواس
…
وهو ليس بذي لباس
ولغيره أولى بها
…
إن كنت تعمل بالقياس
ولئن قتلت أبا نواسك
…
قيل من هو بو نواس؟
فقرأوا وفرجوا عنه.
وذكر أنه رئي في المنام بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: قد غفر لي بأبيات قلتها وهي تحت وسادتي؛ فوجدوا تحت وسادته رقعة فيها مكتوب:
يا ربّ إن عظمت ذنوبي كثرةً
…
فلقد علمت بأنّ عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلاّ المحسن
…
فمن الذي يرجوه عبدٌ مجرم
أدعوك يا ربّي إليك تضرّعاً
…
فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
ما لي إليك وسيلةٌ غير الرّجا
…
وكريم عفوك ثمّ إني مسلم