الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاقليم الاول
فجنوبيه ما يلي بلاد الزنج والنوبة والحبشة، وشماليه الإقليم الثاني، وأوله حيث يكون الظل نصف النهار إذا استوى الليل والنهار قدماً واحدة ونصفاً وعشراً وسدس عشر قدم، وآخره حيث يكون ظل الاستواء فيه نصف النهار قدمين وثلاثة أخماس قدم. وقد يبتديء من أقصى المشرق من بلاد الصين، ويمر على ما يلي الجنوب من الصين جزيرة سرنديب، وعلى سواحل البحر في جنوب الهند، ويقطع البحر إلى جزيرة العرب ويقطع بحر قلزم إلى بلاد الحبشة، ويقطع نيل مصر وأرض اليمن إلى بحر المغرب؛ فوقع في وسطه من أرض صنعاء وحضرموت، ووقع طرفه الذي يلي الجنوب أرض عدن، ووقع في طرفه الذي يلي الشمال بتهامة قريباً من مكة.
ويكون أطول نهار هؤلاء اثنتي عشرة ساعة ونصف الساعة في ابتدائه، وفي وسطه ثلاث عشرة ساعة، وفي آخره ثلاث عشرة ساعة وربع الساعة. وطوله من المشرق إلى المغرب تسعة آلاف ميل وسبعمائة واثنان وسبعون ميلاً وإحدى وأربعون دقيقة، وعرضه أربعمائة ميل واثنان وأربعون ميلاً واثنتان وعشرون دقيقة وأربعون ثانية، ومساحته مكسراً أربعة آلاف ألف وثلاثمائة ألف وعشرون ألف ميل وثمانمائة وسبعة وسبعون ميلاً وإحدى وعشرون دقيقة، ولنذكر بعض بلادها مرتباً على حروف المعجم.
إرم ذات العماد
بين صنعاء وحضرموت، من بناء شداد بن عاد، روي أن شداد بن عاد كان جباراً من الجبابرة، لما سمع بالجنة وما وعد الله فيها أولياءه من قصور
الذهب والفضة والمساكن التي تجري من تحتها الأنهار، والغرف التي فوقها غرف، قال: إني متخذ في الأرض مدينة على صفة الجنة، فوكل بذلك مائة رجل من وكلائه، تحت يد كل وكيل ألف من الأعوان، وأمرهم أن يطلبوا أفضل فلاة من أرض اليمن، ويختاروا أطيبها تربة. ومكنهم من الأموال ومثل لهم كيفية بنائها، وكتب إلى عماله في سائر البلدان أن يجمعوا جميع ما في بلادهم من الذهب والفضة والجواهر؛ فجمعوا منها صبراً مثل الجبال، فأمر باتخاذ اللبن من الذهب والفضة، وبنى المدينة بها، وأمر أن يفضض حيطانها بجواهر الدر والياقوت والزبرجد، وجعل فيها غرفاً فوقها غرف، أساطينها من الزبرجد والجزع والياقوت. ثم أجرى إليها نهراً ساقه إليها من أربعين فرسخاً تحت الأرض فظهر في المدينة، فأجرى من ذلك النهر سواقي في السكك والشوارع، وأمر بحافتي النهر والسواقي فطليت بالذهب الأحمر، وجعل حصاه أنواع الجواهر الأحمر والأصفر والأخضر، ونصب على حافتي النهر والسواقي أشجاراً من الذهب، وجعل ثمارها من الجواهر واليواقيت.
وجعل طول المدينة اثني عشر فرسخاً وعرضها مثل ذلك، وصير سورها عالياً مشرفاً، وبنى فيها ثلاثمائة ألف قصر، مفضضاً بواطنها وظواهرها بأصناف الجواهر. ثم بنى لنفسه على شاطيء ذلك النهر قصراً منيفاً عالياً، يشرف على تلك القصور كلها، وجعل بابه يشرع إلى واد رحيب، ونصب عليه مصراعين من ذهب مفضض بأنواع اليواقيت.
وجعل ارتفاع البيوت والسور ثلاثمائة ذراع. وجعل تراب المدينة من المسك والزعفران.
وجعل خارج المدينة مائة ألف منظرة أيضاً من الذهب والفضة لينزلها جنوده. ومكث في بنائها خمسمائة عام، فبعث الله تعالى إليه هوداً النبي، عليه السلام، فدعاه إلى الله تعالى، فتمادى في الكفر والطغيان. وكان إذ ذاك تم ملكه سبعمائة سنة، فأنذره هود بعذاب الله تعالى وخوفه بزوال ملكه، فلم يرتدع عما كان
عليه. وعند ذلك وافاه الموكلون ببناء المدينة وأخبروه بالفراغ منها، فعزم على الخروج إليها في جنوده، وخرج في ثلاثمائة ألف رجل من أهل بيته، وخلف على ملكه مرثد بن شداد ابنه، وكان مرثد، فيما يقال، مؤمناً بهود، عليه السلام. فلما انتهى شداد إلى قرب المدينة بمرحلة جاءت صيحة من السماء، فمات هو وأصحابه وجميع من كان في أمر المدينة من القهارمة والصناع والفعلة، وبقيت لا أنيس بها فأخفاها الله، لم يدخلها بعد ذلك إلا رجل واحد في أيام معاوية يقال له عبد الله بن قلابة، فإنه ذكر في قصة طويلة ملخصها أنه خرج من صنعاء في طلب إبل ضلت، فأفضى به السير إلى مدينة، صفتها ما ذكرنا، فأخذ منها شيئاً من المسك والكافور وشيئاً من الياقوت، وقصد الشام وأخبر معاوية بالمدينة، وعرض عليه ما أخذه من الجواهر، وكانت قد تغير بطول الزمان. فأحضر معاوية كعب الأحبار وسأله عن ذلك فقال: هذا إرم ذات العماد التي ذكرها الله تعالى في كتابه، بناها شداد بن عاد، لا سبيل إلى دخولها ولا يدخلها إلا رجل واحد صفته كذا وكذا. وكانت تلك الصفة صفة عبد الله ابن قلابة؛ فقال له معاوية: أما أنت يا عبد الله فأحسنت النصح، ولكن لا سبيل لها. وأمر له بجائزة.
وحكي أنهم عرفوا قبر شداد بن عاد بحضرموت، وذلك أنهم وقعوا في حفيرة، وهي بيت في جبل منقورة مائة ذراع في أربعين ذراعاً، وفي صدره سرير عظيم من ذهب، عليه رجل عظيم الجسم، وعند رأسه لوح فيه مكتوب:
اعتبر يا أيّها المغرور بالعمر المديد
أنا شدّاد بن عادٍ صاحب القصر المشيد
وأخو القوّة والبأساء والملك الحسيد
دان أهل الأرض طرّاً لي من خوف وعيدي
فأتى هودٌ وكنّا في ضلالٍ قبل هود