الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ولأن أتصدق بعلاقة سوطي في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق رقبة بربرية! ولكثرة ما تخالف حالاتهم وعاداتهم سائر الناس قال بعض المغاربة:
رأيت آدم في نومي فقلت له:
…
أبا البريّة إنّ النّاس قد حكموا
أنّ البرابر نسلٌ منك؛ قال: أنا!
…
حوّاءٌ طالقةٌ إن صحّ ما زعموا
ومن عاداتهم العجيبة ما حكى ابن حوقل الموصلي التاجر وقد طاف بلادهم: إن أكثر البربر يضيفون المارة ويكرمون الضيف ويطعمون الطعام ولا يمنعون أولادهم الذكور من طالب التبديل، لو طلب هذا المعنى ممن هو أكبرهم قدراً وأكثرهم حمية وشجاعة لم يمتنع عليه. وقد شاهدهم أبو عبد الله الشعبي على ذلك حتى بلغ بهم أشد مبلغ فما تركوه. ومن العجب أنهم يرون ذلك كرماً والامتناع عنه لؤماً ونقصاً، ونسأل الله السلامة!
وحكي أيضاً أن أحدهم إذا أحب امرأة وأراد التزوج بها ولم يكن كفؤاً لها، عمد إلى بقرة حامل من بقر أبيها، ويقطع من ذنبها شيئاً من الشعر ويهرب، فإذا أخبر الراعي أهل المرأة بذلك خرجوا في طلبه، فإن وجدوه قتلوه، وان لم يظفروا به يمضي هو على وجهه، فإن وجد أحداً قطع ذكره وأتى القوم به قبل أن تلد البقرة، ظفر بالجارية وزوجوها منه ولا يمكنهم الامتناع البتة، وإن ولدت البقرة ولم يأت بالذكر المقطوع بطل عمله ولم يمكنه الرجوع إليهم، وإن رجع قتلوه، وترى في تلك البلاد كثيراً من المجبوبين يكون جبهم بهذا السبب، فإذا حصلوا في بلاد المغرب التمسوا القرآن والزهد.
البيضاء
مدينة كبيرة بأرض فارس، بناها العفاريت من الحجر الأبيض لسليمان عليه السلام، فيما يقال. وبها قهندز يرى من بعد بعيد لشدة بياضه. وهي
مدينة طيبة كثيرة الخيرات وافرة الغلات صحيحة الهواء عذبة الماء طيبة التربة، لا تدخلها الحيات والعقارب ولا شيء من الحيوانات المؤذية.
من عجائبها ما ذكر أنه في رستاقها عنب كل حبة منها عشرة مثاقيل، وتفاح دورته شبران.
ينسب إليها الحسين بن منصور الحلاج، صاحب الآيات والعجائب. فمن المشهور أنه كان يركب الأسد ويتخذ الحية سوطاً، وكان يأتي بفاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، ويمد يده إلى الهواء ويعيدها مملوءة دراهم احدية: قل هو الله أحد، مكتوب عليها. ويخبر الناس بما في ضمائرهم وبما فعلوا. وحكي أنه خرج يوماً من الحمام، فلقيه بعض من ينكره صفعه في قفاه صفعة قوية، فقال له: يا هذا لم صفعتني؟ قال: الحق أمرني بذلك! فقال: بحق الحق أردفها بأخرى! فلما رفع يده للصفع يبست! فلما ظهر قوله أنا الحق أنكره الناس وتكلموا فيه، وقالوا: قل أنا على الحق! فقال: ما أقول إلا أنا الحق! وسمع منه أشعار مثل قوله:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا
…
نحن روحان حللنا بدنا
ومثل قوله:
عجبت منك ومنّي
…
أفنيتني بك عنّي
أدنيتني منك حتّى
…
ظننت أنّك أنّي
فلما سمع أمثال هذه بعض الناس أساؤوا الظن فيه. حكى أبو القاسم بن كج أن جمعاً من الصوفية ذهبوا إلى الحسين بن منصور
وهو بتستر، وطلبوا منه شيئاً، فذهب بهم إلى بيت نار المجوس فقال الديراني: ان الباب مغلق ومفتاحه عند الهربد! فجهد الحسين فلم يجبه، فنفض الحسين كمه نحو القفل فانفتح، فدخلوا البيت، فرأوا قنديلاً مشتعلاً لا ينطفيء ليلاً ولا نهاراً، فقال: انها
من النار التي ألقي فيها الخليل، عليه السلام. نحن نتبرك بها وتحمل المجوس منها إلى جميع بلادهم.
فقال له: من يقدر على إطفائها؟ قال: قرأنا في كتابنا أنه لا يقدر على إطفائها إلا عيسى بن مريم، عليه السلام. فأشار الحسين إليها بكمه فانطفت، فقامت على الديراني القيامة وقال: الله الله! قد انطفت في هذه الساعة جميع نيران المجوس شرقاً وغرباً! فقال له: من يقدر على ردها؟ فقال: قرأنا في كتابنا أنه يقدر على ردها من يقدر على إطفائها! فلم يزل يتضرع إلى الحسين ويبكي فقال له: هل عندك شيء تدفعه إلى هذه المشايخ وأردها؟ وكان عنده صندوق من دخل البيت من المجوس طرح فيه ديناراً، ففتحه وسلم ما فيه إلى المشايخ وقال: ما ها هنا غير هذا. فأشار الحسين بكمه إليها، فاشتعلت وقال:
دنيا تخادعني كأني لست أعرف حالها
حظر المليك حرامها فأنا اجتنيت حلالها
مدّت إلي يمينها فرددتها وشمالها
فمتى طلبت زواجها حتى أردت وصالها
ورأيتها محتاجةً فوهبت جملتها لها!
ومن ظريف ما نقل عنه أنه قال له بعض منكريه: إن كنت صادقاً فيما تدعيه فامسخني قرداً! فقال: لو هممت بذلك لكان نصف العمل مفروغاً عنه. فلما تكلم الناس في حقه بقوله أنا الحق قال:
سقوني وقالوا: لا تغنّ! ولو سقوا
…
جبال سراةٍ ما سقيت لّغنّت!
تمنّت سليمى أن أموت بحبّها
…
وأسهل شيءٍ عندنا ما تمنّت!
وحكى أبو عبد الله محمد بن خفيف قال: دخلت على الحسين بن منصور وهو في الحبس مقيداً. فلما حضر وقت الصلاة رأيته نهض، فتطايرت منه القيود وتوضأ وهو على طرف المحبس، وفي صدر ذلك المحبس منديل. وكان بينه وبين المنديل مسافة، فوالله ما أدري أن المندير قدم إليه أو هو إلى المنديل! فتعجبت من ذلك وهو يبكي بكاء فقلت له: لم لا تخلص نفسك؟ فقال: ما أنا محبوس! أين تريد يا ابن خفيف؟ قلت: نيسابور! فقال: غمض عينيك! فغمضتهما. ثم قال: افتحهما. ففتحت فإذا أنا بنيسابور في محلة أردتها. فقلت: ردني. فردني وقال:
والله لو حلف العشّاق أنّهم
…
موتى من الحبّ أو قتلى لما حنثوا
قومٌ إذا هجروا من بعد ما وصلوا
…
ماتوا وإن عاد وصلٌ بعده بعثوا
ترى المحبّين صرعى في ديارهم
…
كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا
ثم قال: يا ابن خفيف، لا يكون الحزن إلا لفقد محبوب أو فوت مطلوب! والحق واضح والهوى فاضح. والخلق كلهم طلاب وطلبهم على قدر هممهم، وهممهم على قدر أحوالهم، وأحوالهم مطبوعة على علم الغيب، وعلم الغيب غائب عنهم، والخلق كلهم حيارى. وأنشأ يقول:
أنين المريد لشوقٍ يزيد
…
أنين المريض لفقد الطّبيب
قد اشتدّ حال المريدين فيه
…
لفقد الوصال وبعد الحبيب
ثم قال: يا ابن خفيف، حججت إلى زيارة القديم فلم أجد لقوم موضعاً من كثرة الزائرين، فوقفت وقوف البهيت، فنظر إلي نظرة فإذا أنا متصل به، ثم قال: من عرفني ثم أعرض عني فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين. وجعل يقول:
عذابه فيك عذبٌ
…
وبعده منك قرب
وأنت عندي كروحي
…
بل أنت منها أحبّ
وأنت للعين عينٌ
…
وأنت للقلب قلب
حتى من الحبّ إني
…
لما تحبّ أحبّ
وحكي أن حبسه كان في عهد المقتدر بالله، وكان الوزير حامد بن العباس سيء الظن فيه، فأحضر عند الوزير وقاضي القضاة أبي عمرو وقالوا له: بلغنا أنك قلت: من كان له مال يتصدق به على الفقراء خير من أن يحج به! فقال الحسين: نعم! أنا قلت ذلك! فقالوا له: من أين قلت هذا؟ فقال: من الكتاب الفلاني! فقال القاضي: كذبت يا زنديق! ذلك الكتاب سمعناه فما وجدنا فيه هذا! فقال الوزير للقاضي: اكتب انه زنديق! فأخذ خط القاضي وبعث إلى الخليفة فأمر الخليفة بصلبه، ولما أخرج استدعى بعض الحجاب وقال: إني إذا أحرقت يأخذ ماء دجلة في الزيادة حتى تكاد تغرب بغداد، فإذا رأيتم ذلك خذوا شيئاً من رمادي واطرحوه في الماء ليسكن! وكان ينشد هذين البيتين:
اقتلوني يا ثقاتي، إنّ في موتي حياتي
…
ومماتي في حياتي، وحياتي في مماتي
والذي حيّ قديمٌ غير مفقود الصّفات
…
وأنا منه رضيعٌ في حجور المرضعات
وحكي أن بعض من كان ينكره لما صلب وقف بإزائه يقول: الحمد لله الذي جعلك نكالاً للعالمين وعبرة للناظرين! فإذا هو بالحسين ورآه واضعاً يديه على منكبيه يقول: ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم! فلما صلب وأحرق أخذ الماء في الزيادة حتى كادت تغرق بغداد! فقال الخليفة: هل سمعتم من الحلاج فيه شيئاً؟ قال الحاجب: نعم يا أمير المؤمنين إنه قال كذا وكذا. فقال: بادروا إلى ما قال! فطرحوا رماده في الماء فصار رماده على وجه الماء على شكل الله مكتوباً وسكن الماء. وكان ذلك في سنة تسع وثلاثمائة، والله الموفق.