الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن تفوت الفرصة فجعل يعدو على شاطيء دجلة مقابل الشبارة وينادي بأعلى صوته: يا أمير المؤمنين، نعم القاضي قاضي جبل! فضحك يحيى بن اكثم، وكان راكباً في الشبارة مع الخليفة، وقال: يا أمير المؤمنين هذا المنادي هو قاضي جبل يثني على نفسه! فضحك المأمون وأمر له بشيء وعزله وقال: لا يجوز أن يلي شيئاً من أمور المسلمين من هذا عقله.
جرباذقان
بليدة من بلاد قهستان بين أصفهان وهمذان ذات سور وقهندز، لها رئيس يقال له جمال باده، لا يمشي إلى أحد من ملوك قهستان البتة. وله موضع حصين وإلى داره عقود وأبواب وحراس، والملوك كانوا يسامحونه بذلك ويقولون: إن أذيته وإزعاجه غير مبارك! وكان الأمر على ذلك إلى أن ملك الجبال خوارزمشاه محمد، سلمها إلى ابنه وإلى عماد الملك، فوصل عماد الملك إلى جرباذقان. أخبر بعادة الرئيس انه لا يمشي إلى أحد، فغضب من ذلك وبعث إليه يطلبه فأبى. فبعث إليه عسكره دخلوا المدينة قهراً، وتحصن الرئيس بالقلعة فحاصروها أياماً وقتل من الطرفين. فلما اشتد الأمر عليه نزل بالليل وهرب، فخرب عماد الملك القلعة وقتل أكثر أهلها لأنهم قتلوا أصحاب عماد الملك. فعما قريب ورد عساكر التتر وهرب عماد الملك فقتلوه في الطريق، وقتلوا ابن خوارزمشاه وعاد الرئيس إلى حاله كما كان.
جرجان
مدينة عظيمة مشهورة بقرب طبرستان. بناها يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، وهي أقل ندى ومطراً من طبرستان، يجري بينهما نهر تجري فيه السفن، بها فواكه الصرود والجروم، وهي بين السهل والجبل والبر والبحر.
بها البلح والنخل والزيتون والجوز والرمان والأترج وقصب السكر، وبها من الثمار والحبوب السهلية والجبلية المباحة، يعيش بها الفقراء. ويوجد في صيفها جني الصيف والشتاء من الباذنجان والفجل والجزر، وفي الشتاء الجدي والحملان والألبان والرياحين: كالخزامى والخيري والبنفسج والنرجس والأترج والنارنج. وهي مجمع طير البر والبحر، لكن هواءها رديء لأنه يختلف في يوم مضر سيما بالغرباء.
وحكي انه كان بنيسابور في أيام الطاهرية ستمائة رجل من بني هلال يقطعون الطريق، فظفروا بهم ونقلوا ثلاثمائة إلى جرجان وثلاثمائة إلى جرجانية بخوارزم. فلما تم عليهم الحول لم يبق ممن كان بجرجان إلا ثلاث أنفس، ولم يمتممن كان بجرجانية إلا ثلاثة.
وبجرجان من العناب الجيد والخشب الخلنج الذي يتخذ منه النشاب والظروف والأطباق، ويحمل إلى سائر البلاد. وبها ثعابين تهول الناظر ولا ضرر لها. وذكر أبو الريحان الخوارزمي انه شوهد بجرجان مدرة صار بعضها قاراً والبعض الآخر بحالها.
بها عين سياه سنك؛ قال صاحب تحفة الغرائب: بجرجان موضع يسمى سياه سنك، به عين ماء على تل يأخذ الناس ماءها للشرب، وفي الطريق إليها دودة، فمن أخذ من ذلك الماء وأصاب رجله تلك الدودة يصير الماء الذي معه مراً فيبدده، ويعود إليها يأخذ مرة أخرى، وهذا عندهم مشهور. ينسب إليها كرز بن وبرة كان من الأبدال، قال فضيل: إذا خرج كرز بن وبرة يأمر بالمعروف يضربونه حتى يغشى عليه، فسأل ربه أن يعرفه الاسم الأعظم بشرط أن لا يسأل به شيئاً من أمور الدنيا، فأعطاه الله ذلك، فسأل أن يقويه على قراءة القرآن، فكان يختم كل يوم وليلة ثلاث ختمات.
حكى أبو سليمان المكتب قال: صحبت كرز بن وبرة إلى مكة، فكان إذا نزل القوم أدرج ثيابه في الرحل واشتغل بالصلاة، فإذا سمع رغاء الإبل أقبل،
فتأخر يوماً عن الوقت، فذهبت في طلبه فإذا هو في وهدة في وقت حار، وإذا سحابة تظله فقال: يا أبا سليمان، أريد أن تكتم ما رأيت! فحلفت أن لا أخبر أحداً في حياته. وحكي انه لما توفي رأوا أهل القبور في النوم، عليهم ثياب جدد، فقيل لهم: ما هذا؟ قالوا: ان أهل القبور كلهم لبسوا ثياباً جدداً لقدوم كرز بن وبرة! وينس إليها أبو سعيد إسماعيل بن أحمد الجرجاني. كان وحيد دهره في الفقه والأصول والعربية، مع كثرة العبادة والمجاهدة وحسن الخلق والاهتمام بأمور الدين والنصيحة للمسلمين، وهو القائل:
إني ادّخرت ليوم ورد منيّتي
…
عند الإله من الأمور خطيرا
قولي بأنّ إلهنا هو أوحدٌ
…
ونفيت عنه شريكه ونظيرا
وشهادتي أنّ النّبّي محمّداً
…
كان الرّسول مبشّراً ونذيرا
ومحبّتي آل النّبّي وصحبه
…
كلاًّ أراه بالثّناء جديرا
وتمسّكي بالشّافعّي وعلمه
…
ذاك الّذي فتق العلوم بحورا
وجميل ظنّي بالإله وإن جنت
…
نفسي بأنواع الذّنوب كثيرا
إنّ الظّلوم لنفسه إن يأته
…
مستغفراً يجد الإله غفورا
فاشهد إلهي أنّني مستغفرٌ
…
لا أستطيع لما مننت شكورا
هذا الذي أعددته لشدائدي
…
وكفى بربّك هادياً ونصيرا!
قبض أبو سعيد في صلاة المغرب عند قوله: وإياك نستعين، وفاضت روحه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة.
وينسب إليها القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني. كان أديباً فقيهاً شاعراً، وهو القائل:
يقولون لي: فيك انقباضٌ! وإنّما
…
رأوا رجلاً عن موقف الذلّ أحجما