الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وان طلع عليكم فدهدهوا عليه الصخر، وليحمل عليه الخيل من ورائه، ففرقنا الخيل للحلمة وإنها تشمئز عنه، فأقبل يدنو ويختل، وكلما خالطه سهم أمر عليه ساعده وكسره في لحمه، فضرب فارساً آخر فقطع فخذه بسرجه وما تحت السرج من فرسه، فصاح به القيل: ويلك! من أنت؟ فقال بصوت الرعد: أنا حرث لا أراع ولا ألاع! فمن أنت؟ قال: أنا مثوب، قال: إنك لهو؟ قال: نعم. فقهقر وقال: اليوم انقضت المدة وبلغت نهايتها العدة، لك كانت هذه السرارة ممنوعة.
ثم جلس وألقى سيفه وجعل ينزع النبل من بدنه، فقلنا للقيل: قد استسلم؟ قال: كلا لكنه اعترف دعوة فإنه ميت، فقال: عهد عليكم لتحفرنني! فقال القيل: آكد عهد، ثم كبا لوجهه فأقبلنا إليه فإذا هو ميت، فأخذنا سيفه فلم يقدر أحد منا يحمله على عنقه، فأمر مثوب فحفر له اخدود ألقي فيه، واتخذ مثوب تلك الأرض منزلاً وسماها حرث، وسمي مثوب ذا حرث.
ووجد على أكمة صخرة مكتوب عليها: باسمك اللهم، إله من سلف ومن غبر، إنك الملك الكبار الخالق الجبار ملكنا هذه المدة، وحمى لنا أقطارها وأصبارها وأسرابها وحيطانها وعيونها وصيرانها إلى انتهاء عدة وانقضاء مدة، ثم يظهر علينا غلام ذو الباع الرحب والمضاء العضب، فيتخذها معمراً أعصراً ثم يجوز كما بدا، وكل محتوم آت وكل مترقب قريب، ولا بد من فقدان الموجود وخراب المعمور.
حضرموت
ناحية باليمن مشتملة على مدينتين، يقال لاحداهما شبام وللأخرى تريم، وهي بقرب البحر في شرقي عدن، وانها بلاد قديمة.
حكى رجل من حضرموت قال: وجدنا بها فخاراً فيه سنبلة حنطة وامتلأ
الظرف منها، وزناها كانت مناً، وكل حبة منها كبيضة دجاجة.
وكان في ذلك الوقت شيخ له خمسمائة سنة، وله ولد له أربعمائة سنة، وولد ولد له ثلاثمائة سنة؛ فذهبنا إلى ابن الابن قلنا: إنه أقرب إلى الفهم والعقل، فوجدناه مقيداً لا يعرف الخير والشر. فقلنا: إذا كان هذا حال ولد الولد فكيف حال الأب والجد؟ فذهبنا إلى صاحب الأربعمائة سنة فوجدناه أقرب إلى الفهم من ولده، فذهبنا إلى صاحب الخمسمائة سنة فوجدناه سليم العقل والفهم، فسألناه عن حال ولد ولده فقال: انه كانت له زوجة سيئة الخلق لا توافقه في شيء أصلاً، فأثر فيه ضيق خلقها ودوام الغم بمقاساتها، وأما ولدي فكانت له زوجة توافقه مرة وتخالفه أخرى، فلهذا هو أقرب فهماً منه. وأما أنا فلي زوجة موافقة في جميع الأمور مساعدة، فلذلك سلم فهمي وعقلي! فسألناه عن السنبلة فقال: هذا زرع قوم من الأمم الماضية كانت ملوكهم عادلة، وعلماؤهم أمناء، وأغنياؤهم أسخياء، وعوامتهم منصفة.
منها القاضي الحضرمي، رحمه الله، لما ولي القضاء أتى عليه سنتان لم يتقدم إليه خصمان، فاستعفى الملك وقال: إني آخذ معيشة القضاء ولا خصومة لأحد فالأجرة لا تحل لي! فاستبقاه الملك وقال: لعل الحاجة تحدث، إلى أن تقدمه خصيمان فقال أحدهما: اشتريت منه أرضاً فظهر فيها كنز قل له حتى يقبضها! وقال الآخر: إني بعت الأرض بما فيها والكنز له! فقال القاضي: هل لكما من الأولاد؟ قالا: نعم. فزوج بنت البائع من ابن المشتري، وجعل الكنز لولديهما وصالحا على ذلك.
وبها القصر المشيد الذي ذكره الله في القرآن، بناه رجل يقال له صد ابن عاد وذلك أنه لما رأى ما نزل بقوم عاد من الريح العقيم، بنى قصراً لا يكون للريح عليه سلطان من شدة إحكامه، وانتقل إليه هو وأهله، وكان له من القوة ما كان، يأخذ الشجرة بيده فيقلعها بعروقها من الأرض، ويأكل من الطعام مأكول عشرين رجلاً من قومه، وكان مولعاً من النساء، تزوج بأكثر من سبعمائة
عذراء وولد له من كل واحدة ذكر وأنثى، فلما كثر أولاده طغى وبغى، وكان يقعد في أعالي قصره مع نسائه، لا يمر به أحد إلا قتله كائناً من كان، حتى كثر قتلاه فأهلكه الله تعالى مع قومه بصيحة من السماء، وبقي القصر خراباً لا يجسر أحد على دخوله لأنه ظهر فيه شجاع عظيم، وكان يسمع من داخله أنين كأنين المرضى، وقد أخبر الله تعالى عنهم وأمثالهم بقوله: فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد، والبئر المعطلة كانت بعدن، سنذكرها إن شاء الله تعالى.
وبها قبر هود النبي، عليه السلام؛ قال كعب الأحبار: كنت في مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في خلافة عثمان، رضي الله عنه، فإذا برجل قد رمقه الناس لطوله، فقال: أيكم ابن عم محمد؟ قالوا: أي ابن عمه؟ قال: ذاك الذي آمن به صغيراً، فأومأوا إلى علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال علي: ممن الرجل؟ فقال: من اليمن من بلاد حضرموت. فقال علي: أتعرف موضع الأراك والسدرة الحمراء التي يقطر من أوراقها ماء في حمرة الدم؟ فقال الرجل: كأنك سألتني عن قبر هود، عليه السلام؟ فقال علي: عنه سألتك فحدثني، فقال: مضيت في أيام شبابي في عدة من شبان الحي نريد قبره، فسرنا إلى جبل شامخ فيه كهوف ومعنا رجل عارف بقبره حتى دخلنا كهفاً، فإذا نحن بحجرين عظيمين قد أطبق أحدهما على الآخر، وبينهما فرجة يدخلها رجل نحيف، وكنت أنا أنحفهم، فدخلت بين الحجرين فسرت حتى وصلت إلى فضاء، فإذا أنا بسرير عليه ميت وعليه أكفان كأنها الهواء، فمسست بدنه فكان علباً، وإذا هو كبير العينين مقرون الحاجبين واسع الجبهة أسيل الخد طويل اللحية، وإذا عند رأسه حجر على شكر لوح عليه مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً، أنا هود بن الحلود بن عاد رسول الله إلى بني عاد بن عوض ابن سام بن نوح، جئتهم بالرسالة وبقيت فيهم مدة عمري فكذبوني، فأخذهم