الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سمرقند
مدينة مشهورة بما وراء النهر قصبة الصغد؛ قالوا: أول من أسسها كيكاوس ابن كيقباذ، وليس على وجه الأرض مدينة أطيب ولا أنزه ولا أحسن من سمرقند.
عن أنس بن مالك أنه قال: مدينة خلف نهر جيحون تدعى بسمرقند، لا تقولوا لها سمرقند ولكن قولوا المدينة المحفوظة. فقالوا: يا أبا حمزة وما حفظها؟ قال: أخبرني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن مدينة خلف النهر تسمى المحفوظة لها أبواب، على كل باب خمسة آلاف ملك يحفظونها، وخلف المدينة روضة من رياض الجنة، وخارج المدينة ماء حلو عذب من شرب منه شرب من ماء الجنة، ومن اغتسل به خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ومن تعبد فيها ليلة يقبل منه عبادة ستين سنة، ومن صام فيها يوماً فكأنما صام الدهر، ومن أطعم فيها مسكيناً لا يدخل الفقر منزله أبداً.
حكي أن شمر بن افريقيش بن أبرهة جمع جنوده خمسمائة ألف رجل، وسار نحو بلاد الصين، فلما وصل إلى الصغد عصى عليه أهل تلك البلاد، وتحصنوا بسمرقند، فأحاط بها من جميع الجهات وحاصرها، فلم يظفر بها. وسمع أن ملكها أحمق وله ابنة تدبر أمر الملك، فأرسل إليها هدية عظيمة وقال: إني إنما قدمت هذه البلاد لأتزوج بك، ومعي أربعة آلاف صندوق ذهباً وفضة أدفعها إليك وأمضي إلى الصين، فإن ملكت كنت امرأتي وإن هلكت فالمال لك! فأجابته إلى ذلك فأرسل إليها أربعة آلاف صندوق فيها أربعة آلاف رجل، ولسمرقند أربعة أبواب إلى كل باب ألف صندوق، وجعل العلامة بينهم ضرب الجرس. فلما دخلوا باب المدينة ضربوا الجرس، فخرج الرجال وملكوا الأبواب حتى اتصل بهم جنود شمر وملكوا المدينة ونهبوها، وقتلوا وهدموا فسميت شمركند، فعربته العرب وقالوا: سمرقند. ثم سار شمر نحو الصين
فمات في الطريق هو وأصحابه عطشاً.
فلما هلك تبع بن أبي مالك أراد أن يأخذ بثأر جده، فسار نحو الصين، فلما وصل إلى سمرقند وجدها خراباً فأمر بعمارتها وردها إلى ما كانت وأحسن منها. فلما كان زمن الإسكندر وجدها موضعاً شريفاً فبالغ في عمارتها، وبنى لها سوراً محيطاً بها استدارته اثنا عشر فرسخاً، فيها بساتين ومزارع وارحاء، ولها اثنا عشر باباً من الباب إلى الباب فرسخ، وعلى أعلى السور آزاج وأبرجة للحرب. وإذا جزت المزارع جزت إلى الربض وفيه أبنية وأسواق.
وبها الجامع والقهندز ومسكن السلطان. وفي المدينة الداخلة نهر من رصاص يجري على مسناة عالية من حجر، ويدخل المدينة من باب كش، وأكثر دروبها ودورها فيها الماء الجاري، ولا تخلو دار من بستان حتى لو صعدت قهندزها لا ترى أبنية المدينة لاستتارها بالبساتين والأشجار. وأما داخل سور المدينة الكبيرة ففيه أودية وأنهار وعيون وجبال. وبسمرقند أشياء ظريفة تنقل إلى سائر البلاد: منها الكاغد السمرقندي الذي لا يوجد مثله إلا بالصين؛ وحكى صاحب الممالك والمسالك انه دفع من الصين إلى سمرقند سبي، وكان فيهم من يعرف صنعة الكاغد، فاتخذها ثم كثرت حتى صارت متجراً لأهل سمرقند، فمنها تحمل إلى سائر البلاد.
بها جبل قال صاحب تحفة الغرائب: في هذا الجبل غار يتقاطر منه الماء في الصيف، ينعقد من ذلك الماء الجمد، وفي الشتاء من غمس يده فيه يحترق.
ينسب إليها الإمام الفاضل البارع ركن الدين العميدي أعجوبة الزمان، انتشر صيته في الآفاق وفاق كل مناظر بالطبع السليم والذهن المستقيم. قال أستاذنا أثير الدين المفضل بن عمر الأبهري: ما رأيت مناظراً مثل العميدي في فصاحة الكلام وبلاغة المعاني، وحسن التقرير وتنقيح البيان! وحكي أن زين الدين عبد الرحمن الكشي، وكان من فحول العلماء، استدل في محفل، وكان العميدي حاضراً فصب عليه من الملازمات حتى بهره فقال الكشي: