الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واسط
مدينة بين الكوفة والبصرة من الجانب الغربي، كثيرة الخيرات وافرة الغلات. تشقها دجلة. وإنها في فضاء من الأرض صحيحة الهواء عذبة الماء وكثيراً ما يفسد هواؤها باختلاف هواء البطائح بها فيفسده. وأما نفس المدينة فلا يرى أحسن منها صورة، فإن كلها قصور وبساتين ومياه، وعيبها أن حاصلها يحمل إلى غيرها، فلو كان حاصلها يبقى في يد أهلها لفاقت جميع البلاد.
بناها الحجاج سنة أربع وثمانين، وفرغ منها سنة ست وثمانين، وسكنها إلى سنة خمس وتسعين وتوفي في هذه السنة.
وحكي عن سماك بن حرب انه قال: استعملني الحجاج على ناحية نادوربا، فبينا أنا يوماً على شاطيء دجلة إذا أنا برجل على فرس من الجانب الآخر، فصاح باسمي واسم أبي، فأجبت فقال: الويل لأهل مدينة تبنى ههنا! ليقتلن فيها ظلماً سبعون ألفاً! كرر ذلك ثلاث مرات ثم أقحم فرسه في دجلة وغاب في الماء. فلما كان العام القابل ساقني القضاء إلى ذلك الموضع، فإذا أنا برجل صاح بي كما صاح وقال كما قال وزاد: سيقتل ما حولها ما يستقل الحصى لعددهم! ثم أقحم فرسه في الماء وغاب.
فلما بنى الحجاج واسطاً أحصي في حبسه ثلاثة وثلاثون ألف إنسان، لم يحبسوا في دم ولا دين ولا تبعة، وأحصي من قتله صبراً فبلغوا مائة وعشرين ألف إنسان! وحكي انه كان يقرأ القرآن، فانتهى إلى قوله تعالى: انه عمل غير صالح. فاشتبه عليه انه قرأ اسماً أو فعلاً، فبعث إلى بعض المقرئين وأمر بإحضاره ليسأل عنه، فلما حضر المقريء قام الحجاج من مجلسه فقال الأعوان: كيف نعمل به وقد طلبه الحجاج؟ فأوقفوه حتى يتبين أمره، فبقي في الحبس ستة أشهر إلى أن فرغ الحجاج في النظر إلى المحبوسين، فلما انتهى إلى اسمه سأل عن ذنبه
فقالوا: لا نعرف! فأمر بإحضاره وقال له: على أي شيء حبست؟ قال: على ذنب ابن نوح! فضحك الحجاج وخلى سبيله.
ينسب إليها جماعات من القراء، يعرفون علم القراءة السبعة والعشرة والشواذ، منهم أبو العز القلانسي، حكي انه جاءه رجل وقال له: أنت القلانسي المقريء؟ قال: نعم. قال: إني أريد أن أقرأ عليك قراءة القرآن. قلت له: كيف اخترت هذه القراءة؟ قال: إني سمعتها في بعض أسفاري عن رجل فأعجبتني. فقلت له: على من قرأتها؟ قال: على القلانسي. فكان يأتيني كل يوم آخر النهار. قلت: ائتني أول النهار. فقال: أرضي شاسعة. فكنت أدخل داري وأغلق الباب وأصعد السطح، فأراه داخل الدار فأقول له: كيف دخلت والباب مغلق؟ فيقول: ما كان مغلقاً. فلما ختم قال لي: اكتب خطك اني قرأت عليك. فقلت: ما لي عادة أكتب خطي إلا بخمسة عشر ديناراً. فجاءني بجدع من العود وقال: خذ هذا واكتب لي خطك. فأخذت وكتبت والجدع كان يسوى حمله. وكان زمن الناصر لدين الله، فأشهر هذا الحديث واشترى الجدع مني.
وينسب إليها أبو الحسين بنان بن محمد بن حمدان الحمال. ذهب إلى مصر فأمر ابن طولون صاحب مصر بالمعروف، فغضب عليه وأمر بإلقائه بين يدي السبع، فكان السبع يشمه ولا يضره. فلما أخرج من بين يدي السبع قالوا له: ما الذي كان في قلبك وقت يشمك السبع؟ قال: كنت أتفكر في سؤر السبع ولعابه أطاهر أم لا؟ وحكى عمر بن محمد بن عراك انه كان لرجل على رجل مائة دينار بوثيقة، فكان يطلب الوثيقة ولم يجدها، فجاء إلى بنان الحمال أن يدعو له فقال له بنان: إني رجل شيخ أحب الحلاوى، فاشتر لي رطل حلواء حتى أدعو لك! فذهب الرجل واشترى الحلواء وجعله في وسط القرطاس فجاء به، فقال له بنان: افتح القرطاس. ففتحه فإذا القرطاس في وسطه الوثيقة. فقال: هذه وثيقتي! فقال له
بنان: خذ وثيقتك واطعم الحلاوى صبيانك. توفي بمصر سنة ست عشرة وثلاثمائة.
وحكي انه احتاج إلى جارية تخدمه، فانبسط مع إخوانه فجعلوا له ثمن جارية وقالوا: إذا جاء السفر تكون معه جوار نشتري لك منهم جارية. فلما جاء السفر ومعه جوار اجتمعوا على واحدة وقالوا: انها صالحة له. فقالوا لصاحبها: بكم تبيعها؟ فقال: انها ليست للبيع. فألحوا عليه فقال: إنها لبنان الحمال، بعثتها له امرأة من سمرقند، فحملت إلى بنان وذكرت له القصة.
وينسب إليها يزيد بن هارون. كان عالماً عابداً مقرئاً محدثاً. قال: سافرت عن أهلي في طلب الحديث سنين كثيرة، فلما عدت إلى بغداد سمعت أن بعسكر أحد التابعين، فمشيت إليه فقال: حدثني أنس بن مالك، رضي الله عنه، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من ابتلاه الله ببلاء فليصبر ثم ليصبر ثم ليصبر! وقال: ما أحدثك غير هذا. قال: فعدت إلى واسط ووصلت ليلاً، ووقفت على بابي، كرهت دق الباب كراهة انزعاج القوم، فعالجت فتح الباب ودخلتها. وكان أهلي على السطح فصعدت السطح فوجدت زوجتي نائمة وبجنبها شاب، فأخذت حجراً وقصدت أضرب به فتذكرت الحديث الذي سمعت من العسكري، ثم قصدت ثانياً وثالثاً فتذكرت الحديث ثانياً وثالثاً، فانتبهت زوجتي فلما رأتني أيقظت الشاب وقالت: قم إلى أبيك! إني تركتها املاً فعلمت أن ذلك من بركة حديث العسكري.
وحكي أنه رئي في النوم بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قيل: بأي شيء؟ قال: بالقرآن والحديث ودعاء السحر. فقيل له: هل أخذ عليك شيئاً؟ قال: نعم، قال لي تروي الحديث عن حريز بن عثمان وهو يبغض علي بن أبي طالب. وأتاني الملكان وقالا: من ربك؟ قلت: أنا يزيد بن هارون، أما تريان هذه اللحية البيضاء؟ تسألاني عن الذي كنت أدعو الناس إليه سبعين سنة! فقالا: نم نومة العروس لا يوقظها إلا من هو أحب إليها.