الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطبوع على البر والوفاء:
إن الإسلام ليطبع أبناءه على الوفاء وبر الأصدقاء، حتى يشمل بذلك أصدقاء الوالد، كما تقدم في كلامنا على "المسلم مع والديه"، وذلك تفديرا منه لفضيلة الوفاء، وإعظاما لعروة الأخوة والصداقة، وكتب التراث تفيض بنماذج رائعة من البر والوفاء، تمثلها السلف في حياتهم، فكانوا في أخلاقهم بحق خير أمة أخرجت للناس.
من هذا ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إن أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه)).
وعن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله بن عمر، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه. قال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله، إنهم الأعراب، وهم يرضون باليسير، فقال عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان ودا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((إن أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه)) (1).
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعهد قلوب المسلمين فيغرس فيها غرسات الوفاء، كلما وجد مناسبة يسمعهم فيها شيئا من هديه وتوجيهه، فقد جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال: ((نعم، الصلاة عليهما (2)، والاستغفار لهما، وإنفاذ
(1) رواه مسلم.
(2)
أي الدعاء لهما.
عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما)) (1).
وكان حرص الرسول الكريم على هذا الوفاء للصداقة مما يغيظ أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، إذ كان يشمل بر أصدقاء خديجة، فتغار منها. وهذا ما حدثت به السيدة عائشة، فقالت:((ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة رضي الله عنها، وما رأيتها قط، ولكن كان يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة، ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة! فيقول: ((إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد)) (2).
وفي رواية: ((وإن كان ليذبح الشاة، فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن)).
إنه الوفاء الإسلامي الذي ما بعده وفاء، يمتد فيشمل ببره ونداه الأصدقاء الأبعدين للآباء والزوجات الأموات، فكيف بالأصدقاء الأقربين لنا نحن معشر الأحياء؟!
ومن مقتضيات المحبة والنصحية والبر والوفاء في شرعة الإسلام أن ينصر الرجل أخاه في جميع الأحوال، ينصره إن كان على الحق، فيقف بجانبه، يؤازره ويذود عنه، وينصره إن كان على غير الحق، فينهاه، وينصحه، ويزجره على الارتكاس في حمأة الباطل، والتردي في مستنقعات الظلم. وهذا ما دعا إليه الرسول الكريم في قوله:
(1) رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه.
(2)
متفق عليه.