الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله)) وأحسبه قال: ((وكالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر)) (1).
هذه هي طرق البر التي يسلكها المسلم المنفق الجواد، يبتغي بها مرضاة ربه ومثوبته، وهذه هي الأعمال الصالحات التي تقرب العبد من ربه زلفى، لا تلك الولائم التي تقام للأغنياء والوجهاء، وتراق في إقامتها الأموال الطائلة، طمعا في شهرة أو وجاهة او كسب موقوت؛ فتلك ولائم ذمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يرد بها وجه الله تعالى، وذلك في قوله:
((بئس الطعام طعام الوليمة، يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء)) (2).
ثم إن السعي على الأرملة والمسكين، وتكفل اليتيم والإحسان إليه، فضلا على ما فيهما من ثواب عظيم، ليزكيان نفس المعطي، وينميان إنسانيته، ويرققان قلبه، ويجعلانه يتذوق حلاوة العطاء، ويلتذ بشعور الحنان، ويسعد بفعل الخير. ومن هنا كان الرسول الكريم يروض القلوب القاسية على الإحسان لتخالطها رقة، ويخالجها عطف وندى وحنان. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال:
((امسح رأس اليتيم، وأطعم المسيكين)) (3).
لا يمن على من يعطيهم:
والمسلم التقي الواعي إذا وفقه الله للعطاء والبذل في سبيله، لا يمن على من أعطاهم، ويحرص على أن يكون ممن قال الله تعالى فيهم:
(1) متفق عليه.
(2)
رواه الشيخان.
(3)
رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
ولا يخفى عليه أن لا شيء أحبط للعمل وأبطل لثواب الصدقة من المن والأذى، بل إن نداء الله تبارك وتعالى للمؤمنين بالنهي والتحذير من المن الذي يبطل الصدقات ويطيح بالحسنات ليملأ سمعه، ويهز كيانه، ويصرفه عن التفكير بالمن أو الأذى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} (2).
إن المن على الإنسان الفقير الذي ألجأته الحاجة إلى الأخذ إهانة لإنسانيته، وامتهان لكرامته، وحط من قدره. وهذا كله محرم في شرعة الإسلام التي تعد المعطي والآخذ أخوين، لا فرق بينهما إلا بالتقوى والعمل الصالح، والأخ لا يمن على أخيه، ولا يؤذيه في نفسه وكرامته. ومن هنا اشتد الوعيد للمنان في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي ذر، إذ صنفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمرة الأشقياء الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، فقال:
((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم))، قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال:((المسبل (3)، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)).
(1) البقرة: 262.
(2)
البقرة: 264.
(3)
أي المسبل إزره وثوبه أسفل من الكعبين للخيلاء.