الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن احتقار المسلم أخاه شر محض، أي شر:
((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)) (4).
يجل الكبير وصاحب الفضل:
لقد جاء هدي الإسلام يحض المسلمين على احترام الناس، لا على احتقارهم وازدرائهم، وبخاصة إذا كانوا جديرين بالتقدير والاحترام، بل إنه ليعد احترام الكبير والعالم وصاحب الفضل من الأصول الأخلاقية الكبرى التي تعطي للمسلم هويته في المجتمع الإسلامي، ومن فقدها انخلع من عضوية هذا المجتمع، وجرد من شرف الانتساب لأمة الإسلام، كما قرر ذلك الرسول الكريم بقوله:
((ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه)) (5).
إن احترام الكبير في المجتمع، وتقديمه على من هو أصغر منه دليل رقي ذلك المجتمع، وآية فهم أعضائه لقواعد الأخلاق الإنسانية، وعلامة على سمو نفوسهم وتهذيبها، ومن أجل ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على أن يؤكد هذا
(1) أي لا يعيب بعضكم بعضا.
(2)
أي لا يدع بعضكم بعضا باللقب السوء.
(3)
الحجرات: 11.
(4)
رواه مسلم.
(5)
رواه أحمد والطبراني وإسناده حسن.
المعنى في نفوس المسلمين، وهو يرفع قواعد المجتمع الإسلامي، ويرسي دعائم الأخلاق فيه.
ومن شواهد حرصه على هذا المعنى قوله لعبد الرحمن بن سهل إذ رآه يتكلم، وكان أصغر القوم في الوفد الماثل بين يدي الرسول:((كبر، كبر)) (1)، فسكت عبد الرحمن، وتكلم من هو أكبر منه (2).
ويذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبعد مدى في تقدير الكبار وأصحاب الفضل، فيجعل إكرامهم من إجلال الله تعالى؛ وذلك في قوله:
((إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه (3)، وإكرام ذي السلطان المقسط (4))) (5).
ولقد أثمرت هذه التربية في نفوس الجيل الأول من المسلمين، فأنشأت رجالا تجسدت فيهم تلك الأخلاق الفاضلة، فكانوا نماذج فذة في إجلال الكبار وأصحاب الفضل، أذكر منها على سبيل المثال أبا سعيد سمرة بن جندب رضي الله عنه الذي يقول:
((لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما، فكنت أحفط عنه، فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالا هم أسن مني)) (6).
ومن هذه النماذج التي يحتاج كل مسلم إلى التأسي بها في إجلال
(1) أي ليتكلم الأكبر.
(2)
متفق عليه.
(3)
أي التارك له، البعيد عن تلاوته والعمل بما فيه.
(4)
أي العادل.
(5)
حديث حسن رواه أبو داود.
(6)
متفق عليه.
الكبار وأصحاب الفضل عبد الله بن عمر رضي الله عنه، فقد حضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أبو بكر وعمر، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤالا عرف ابن عمر جوابه، ولكنه لم يتكلم احتراما لأبي بكر وعمر، وفي ذلك يقول عبد الله بن عمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أخبروني بشجرة مثلها مثل المسلم، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، لا تحت ورقها))، فوقع في نفسي: النخلة، فكرهت أن أتكلم، وثم أبو بكر وعمر. فلما لم يتكلما قال النبي صلى الله عليه وسلم:((هي النخلة)). فلما خرجت مع أبى قلت: يا أبت! وقع في نفسي النخلة، قال: ما منعك أن تقولها؟ لو كنت قلتها كان أحب إلي من كذا وكذا. قال: ما منعني إلا لم أرك، ولا أبا بكر تكلمتما، فكرهت)) (1).
لقد أنزل الإسلام الناس في المجتمع الإسلامي منازلهم، وذلك بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر ذلك الإمام مسلم في أول صحيحه، فقال:
وذكر عن عائشة رضي الله عنها، قالت:((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم)).
ومن إنزال الناس منازلهم أن تعرف أقدارهم، فيقدم العلماء وحملة القرآن وأصحاب العقول الراجحة وأهل الفضل.
ذلك أن للعلماء مكانهم المرموق العالي في المجتمع الإسلامى، ما داموا أمناء على شريعة الله، صداعين بالحق، حراسا لشعائر الإسلام، وقد بوأهم الله تلك المنزلة الكريمة إذ قال:
(1) رواه الشيخان.
(2)
الزمر: 9.
ولحملة القرآن منزلتهم العالية أيضا في المجتمع الإسلامي، نوهت بها الأحاديث الصحيحة، فجعلت لهم الإمامة في الصلاة، والصدارة والإجلال في المجالس:
((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنه سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سنا، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه (1)، ولا يقعد في بيته على تكرمته (2) إلا بإذنه)) (3).
ولقد مر بنا قبل قليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
((إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه)) (4).
ولما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يواري شهداء الإسلام في أحد جاعلا في كل قبر اثنين كان يسأل: ((أيهما أكثر أخذا للقرآن (5)؟)) فإذا أشير له إلى أحد قدمه في اللحد (6).
وكان من توجيه النبى صلى الله عليه وسلم الحصيف الرائع في تنزيل الناس منازلهم قوله قبل الصلاة، وهو يسوي الصفوف:
((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى (7))) (8).
(1) أي محل ولايته، أو الموضع الذي يختص به.
(2)
أي الموضع الذي ينفرد بالجلوس فيه.
(3)
رواه مسلم.
(4)
حديث حسن رواه أبو داود.
(5)
أي حفظا له.
(6)
رواه البخاري.
(7)
أولو الأحلام: أهل الحلم والفضل. والنهى: العقول.
(8)
رواه مسلم.