الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استطاع إلى ذلك سبيلا، وقبل سفره إلى الديار المقدسة يعكف على دراسة أحكام الحج دراسة مستفيضة، فيقف على كل صغيرة وكبيرة منها، فإذا ما أقبل يؤدي مناسك الحج كان حجه صحيحا تاما، وكان واعيا فاهما الحكم البليغة التي انطوت عليها هذه الفريضة العظيمة، وشعر بطمأنينة الإيمان تتغلغل في مسارب نفسه، وأحس بشاشة الإسلام تغمر كيانه، فينقلب بعد هذا الحج المبرور إلى أهله وبلده، وقد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وأفعمت نفسه إيمانا بعظمة هذا الدين الذي جمع أمم الأرض قاطبة حول البيت المعمور، فإذا الحج مؤتمر شعبي دولي أممي، لا تشهده الدنيا إلا في الحج، وإذا الحجيج على اختلاف ألوانه وأجناسه ولغاته يصدع بالتلبية والتهليل والتكبير والتسبيح والحمد للإله الواحد العلي الكبير.
يعتمر:
ولا ينسى المسلم المطيع أمر ربه أن يعتمر أيضا في غير أوقات الحج، إن تيسرت له الأسباب، ولا سيما في رمضان؛ ذلك أن العمرة في رمضان تعدل في ثوابها حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:((لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية: ((ما منعك من الحج؟)) قالت: أبو فلان - تعني زوجها- كان له ناضحان (1)، حج على أحدهما، والآخر يسقي أرضا لنا. قال:((فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي)))).
متمثل معنى العبودية لله:
والمسلم يعتقد اعتقادا جازما أنه ما وجد في هذه الحياة إلا لعبادة ربه:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2).
(1) أي: جملان.
(2)
الذاريات: 56.
وعبادة الله تتمثل في كل حركة من حركات الإنسان الإيجابية البناءة لإعمار الكون، وتحقيق كلمة الله في الأرض، وتطبيق منهجه في الحياة، كما تتمثل في شعور العبودية لله الواحد القهار، يستقر في ضمير المسلم، ويكون منطلقه في أعماله كلها، بحيث يبتغي بها وجه الله، وبذلك تكون أعمال المسلم عبادة كاداء الشعائر، ما دامت نيته في حركته كلها أنه يعمل في سبيل الله.
إن أجل الأعمال التعبدية التي يقوم بها المسلم الحق هو العمل على تحكيم شرع الله في الأرض، وتطبيق منهجه في الحياة، بحيث يحكم حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة.
وإن المسلم الصادق ليشعر أن عبادته تبقى ناقصة، إذا هو لم يبذل جهده لتحقيق الهدف الكبير الذي خلق الله الجن والإنس من أجله، ألا وهو إعلاء كلمة الله في الأرض، الذي به وحده تتحقق عبادة البشر لله:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1)، وبه وحده يتحقق معنى ((لا إله إلا الله محمد رسول الله)) في واقع الحياة.
ومن هذه الرؤية الراشدة والتصور الواعي لحقيقة العبادة في الإسلام، لا يستطيع المسلم إلا أن يكون صاحب رسالة في هذه الحياة، هي أن يكون الحكم لله وحده في شتى شؤون الحياة، لا يكمل إسلامه إلا بحملها، ولا تتحقق عبادته لربه إلا بالعمل الجاد الدائب المخلص على تحقيقها في واقع الحياة، وهذه الرسالة هي التي تعطي للمسلم هوية الآنتساب الصحيح للإسلام، وهي وحدها التي تدخله في زمرة المسلمين المجاهدين الصادقين، وهى التي تجعل الحياة في نظره ذات معنى، يليق بخلافة الإنسان في الأرض، إذ يفسر له علة وجوده في هذه الحياة، وتفضيل الله إياه على كثير ممن خلق:
(1) الذاريات: 56.