الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا تخلف، لتؤتي هذه التمارين أكلها، وتعطي نتاجها الطيب لجسمه، كل ذلك باعتدال وتوازن ونظام اتسم به المسلم الحق الواعي في كل زمان ومكان.
نظيف الجسم والثياب:
والمسلم الذي يريده الإسلام شامة بين الناس نظيف جدا، نظيف في جسمه، يستحم كثيرا، وفي فترات متقاربة مستجيبا في ذلك لهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي حث على الاغتسال الكامل والتطيب، وبخاصة يوم الجمعة، فقال:
((إغتسلوا يوم الجمعة، واغسلوا رؤوسكم، وإن لم تكونوا جنبا، وأصيبوا من الطيب)) (1).
وبلغ من شدة حضه على النظافة بالاستحمام أن بعض الأئمة ذهب إلى أن الاغتسال واجب لصلاة الجمعة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما. يغسل فيه رأسه وجسدها (2).
والمسلم الحق نظيف في ثوبه وجوربه، يتفقد ثيابه وجوربه بين الحين والحين، فلا يرضى أن تفوح من أردانه أو قدميه رائحة منفرة، ويستعين على ذلك بالطيب أيضا، فلقد حكي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه كان يقول:((من أنفق ثلث ماله في الطيب ما كان مسرفا)).
ويتعهد المسلم الواعي فمه، فلا يشم أحد منه رائحة مؤذية، وذلك بتنظيف أسنانه يوميا بالسواك والفرشاة والمطهرات والمنظفات، ويتفقد فمه، فيعرضه على طبيب الأسنان مرة في كل سنة على الأقل، وعلى غيره من أطباء
(1) رواه البخاري.
(2)
متفق عليه.
الفم والحنجرة والبلعوم، إن احتاج الأمر إلى ذلك، بحيث يبقى فمه نقيا معطر الأنفاس.
تروي السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كان لا يرقد ليلا ولا نهارا، فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ، (1).
وتبلغ عناية الرسول الكريم بنظافة الفم حدا يجعله يقول: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) (2).
وسئلت السيدة عائشة عن أي شيء يبدأ به الرسول الكريم إذا دخل بيته، فقالت:((السواك)) (3).
إنه لمما يؤسف له أن نرى بعض المسلمين يهملون هذه الجوانب، وإنها لمن لب الإسلام وصميمه، فلا يعتنون بنظافة أفواههم وأبدانهم وملابسهم، فتراهم يغشون المساجد وغيرها من مجالس الذكر وحلقات الدرس والمذاكرة، وروائحهم البشعة تؤذي إخوانهم الحاضرين، وتنفر الملائكة التي تحف هذه الأماكن الجليلة المباركة. ومن عجب أنهم يسمعون ويرددون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أكل ثوما أو بصلا أو كراثا، ألا يقرب المساجد لكيلا يؤذي برائحة فمه الملائكة والناس:
((من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأدى مما يتأدى منه بنو آدم)) (4).
لقد حظر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين أكلوا بعض البقول ذات الرائحة الخبيثة الاقتراب من المسجد، لئلا تتاذى الملائكة والناس من أنفاسهم
(1) حديث حسن، رواه أحمد وأبو داود.
(2)
رواه الشيخان.
(3)
رواه مسلم.
(4)
رواه مسلم.
المشبعة بتلك الرائحة، ولعمري إنها لأهون شانا وأخف وقعا على النفس من كثير من روائح الملابس والجوارب المتسخة، والأبدان القذرة المنتنة، والأفواه البخر، التي تفوح من بعض الأفراد المتساهلين أو الغافلين عن النظافة، فيتأدى الناس منها في مجامعهم.
وروى الإمام أحمد والنسائي عن جابر رضي الله عنه، أنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرا، فرأى رجلا عليه ثياب وسخة، فقال:((ما كان يجد هذا ما يغسل به ثوتة؟)).
لقد أنكر الرسول الكريم أن يظهر الإنسان على الملأ بثياب وسخة ما دام قادرا على غسلها وتنظيفها، إشعارا منه، صلوات الله عليه، للمسلم بأن يكون دوما نظيف الثياب، حسن المظهر، محبب المنظر.
وكان يقول:
((ما على أحدكم إن وجد أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته)) (1).
إن الإسلام ليحض أبناءه جميعا في عديد من النصوص على النظافة؛ فهو يريد منهم أن يكونوا نظيفين دوما، تفوح ثيابهم بالطيب، وتفوح من أجسامهم الروائح النظيفة العطرة الزكية. وهذا ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم بإسناده عن أنس بن مالك رضي الله عنهما، قال:((ما شممت عنبرا قط، ولا مسكا، ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
والأحاديث والأخبار في نظافة جسمه وملابسه، وطيب ريحه وعرقه، صلى الله عليه وسلم، كثيرة مستفيضة. منها: أنه كان إذا صافح المصافح، ظل يومه يجد ريح الطيب في يده، وإذا وضع يده على رأس الصبي، عرف من بين
(1) رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد صحيح.
الصبيان بالرائحة الزكية. وذكر البخاري في تاريخه الكبير عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يمر في طريق، فيتبعه أحد، إلا عرف أنه سلكه من طيبه. ونام مرة في دار أنس، فعرق، فجاءت أم أنس بقارورة تجمع فيها عرقه، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقالت: هذا عرقك، نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب (1).
ألا ما أحوج المسلمين إلى قبسات من هدي هذا الرسول العظيم!.
ومن هدي هذا الرسول العظيم أمره صلى الله عليه وسلم برعاية الشعر وإصلاحه وتجميله التجميل المشروع في الإسلام؛ وذلك في الحديث الذي رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((من كان له شعر فليكرمه)).
وإكرام الشعر في الذوق الإسلامي يكون بتنظيفه وتمشيطه وتطييبه وتحسين شكله وهيئته.
وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدع الإنسان شعره مرسلا مهملا شعثا منفوشا، بحيث يبدو للأعين كأنه الغول الهائج، وشبهه لقبح منظره بالشيطان، وذلك في الحديث الذي رواه الإمام مالك في الموطأ مرسلا عن عطاء بن يسار، قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه الرسول بيده، كأنه يأمره بإصلاح شعره ولحيته، ففعل ثم رجع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((أليس هذا خيرا من أن يأتي أحدكم وهو ثائر الرأس، كأنه شيطان؟!)).
وواضح أن في تشبيه الرسول الكريم الرجل المنتفش الشعر بالشيطان
(1) رواه مسلم.