الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحرص على نفع الناس ودفع الضر عنهم:
والمسلم الذي تربى على هدي الإسلام، وارتوت نفسه من معينه الطهور، حريص كل الحرص على نفع الناس في مجتمعه، ودفع الأذى عنهم؛ ذلك أنه بحكم تكوينه وتنشئته على مبادئ الحق والخير والفضيلة غدا عنصرا بناء فعالا نافعا، لا يطيق أن يرى الفرصة متاحة لفعل الخير ولا ينتهزها، وإنه ليعلم أن فعل الخير يؤدي إلى الفلاح:
{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1).
إنه ليسارع إلى فعل الخير، واثقا بمثوبة الله له في كل خطوة يخطوها في فعل الخير:
((كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين (2) صدقة، وتعين الرجل
في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة)) (3).
وما أروع هذا المزج بين الأفعال الاجتماعية الخيرة التي يقوم بها المسلم في حياته الاجتماعية وبين المشي للصلاة، تأكيدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن هذا الدين إنما جاء لصلاح أمر الإنسان كله، في دنياه وآخرته، لا تفريق بين الدين والدنيا، والحياة الاجتماعية والحياة الروحية؛ فأعمال الإنسان في تصور المسلم الواعي هدي هذا الدين كلها عبادة، ما دام متجها في نيته إلى الله، مبتغيا بها وجهه الكريم.
ومن هنا كانت أبواب الخير مفتوحة أمام المسلم التقي، يلجها متى
(1) الحج: 77.
(2)
أي تصلح بينهما بالعدل.
(3)
متفق عليه.
شاء، مستنزلا رحمة الله الثرة الواسعة، مستكثرا من ثوابه الجم وفضله العميم.
فعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((كل معروف صدقة)) (1).
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((الكلمة الطيبة صدقة)) (2).
بل إن رحمة الله لتدرك الإنسان الذي أسلم لله وجهه، وأخلص له نيته، فتجعله مثابا إن فعل أثارة من خير، ومثابا إن لم يفعل، شريطة أن يمسك عن الشر:
فعن أبى موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((على كل مسلم صدقة)). قالوا: يا رسول الله، أرأيت إن لم يجد؟ قال:((يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق))، قالوا: أرأيت إن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: ((يعين ذا الحاجة الملهوف))، قالوا: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: ((يأمر بالمعروف أو بالخير))، قالوا: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: ((يمسك عن الشر فإنها له صدقة)) (3).
لقد استهل الرسول الكريم حديثه بقوله: ((على كل مسلم صدقة))، ثم راح يعدد ألوان البر والخير والمعروف التي يستطيع المسلم أن يجني منها أجور تلك الصدقات؛ فالمسلم إذا عليه صدقة، أي عليه أن يقوم بالأعمال البناءة الخيرة في مجتمعه، فإن عجز، أو لم يفعل لسبب من الأسباب، فلا أقل من أن يكف لسانه وجوارحه عن فعل الشر، ففي ذلك أيضا صدقة، وإيجابيات المسلم وسلبياته كلها موجهة في خدمة الحق الذي يسود مجتمع المسلمين، والمسلم:((من سلم المسلمون من لسانه ويده)) (4).
(1) متفق عليه.
(2)
من حديث متفق عليه.
(3)
متفق عليه.
(4)
رواه البخاري.
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجعل خير المسلمين في المجتمع الإسلامي من يرجى خيره ويؤمن شره، وذلك فيما رواه الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على ناس جلوس فقال:
((أخبركم بخيركم من شركم؟))، فسكت القوم، فأعادها ثلاث مرات، فقال رجل من القوم: بلى يا رسول الله، قال:((خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره، وشركم من يرجى خيره ولا يؤمن شره)).
إن المسلم لا يقدم لمجتمعه إلا الخير، فإن لم يفعل أحجم عن الشر، وأمسك عن الأذى، والمسلم الحق هو الذي يفعل الخير دوما، ولا يصدر عنه شر؛ ذلك أنه ينطلق دوما من قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) (1).
وحب المسلم لإخوانه المسلمين ما يحب لنفسه يعني الحرص على نفعهم ودفع الأذى عنهم، ويعني شيئا آخر يميز الفرد في المجتمع الإسلامي، وهو فعاليته ونشاطه ودأبه في خدمة إخوانه المسلمين، يمد في نبعة نشاطه في هذا الميدان قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
((لا يزال الله في حاجة العبد ما دام العبد في حاجة أخيه)) (2).
وقوله:
((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة)) (3).
(1) متفق عليه.
(2)
رواه الطبراني ورجاله ثقات.
(3)
متفق عليه.
وقوله:
((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخزة)) (1).
ويسمو الهدي النبوي في إشاعة روح التعاون في المجتمع الإسلامي، فيجعل مشية الأخ في حاجة أخيه خيرا من الاعتكاف الطويل، كما في حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: ((من مشى في حاجة أخيه كان خيرا له من اعتكافه عشر سنين، ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق، كل خندق أبعد مما بين الخافقين)) (2).
ويجعل التبرم من خدمة الناس مع القدرة عليها مهددا النعم بالزوال، كما في حديث ابن عباس أيضا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
((ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه، ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرم، فقد عرض تلك النعمة للزوال)) (3).
ومن الصور الوضيئة المشرقة التي رسمتها الأحاديث الصحيحة لأهل الجنة، صورة رجل يتقلب في أعطاف النعيم في الجنة، لأنه أماط عن طريق المسلمين شجرة كانت تؤذيهم في غدوهم وراوحهم، ونجد ذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
((لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي المسلمين)) (4).
إن دفع الأذى عن المسلمين هو الوجه الأخر للخير الذي يقدم لهم بما
(1) رواه مسلم.
(2)
رواه الطبراني في الأوسط وإسناده جيد.
(3)
رواه الطبراني في الأوسط وإسناده جيد.
(4)
رواه مسلم.
ينفعهم من أعمال. والذي يجنب المسلمين الأذى والضر هو كمن يقدم لهم الخير والنفع، فكلاهما نفع المسلمين، وفاز بثواب الله صلى الله عليه وسلم رحمته ورضوانه. ومن هنا كان التوجيه النبوي للمسلمين يتناول الوجهين: تقديم النفع، ودفع الضر؛ ففيهما معا تسعد الجماعة، وتزدهر المجتمعات، وتنمو أواصر المودة في القلوب.
ومن هذا التوجيه العالي في دفع الأذى عن المسلمين ما يرويه أبو برزة، قال: قلت: يا نبي الله، علمني شيئا أنتفع به، قال:
((اعزل الأذى عن طريق المسلمين)) (1).
وفي رواية: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة، قال:
((أمط الأذى عن الطريق فهو لك صدقة)) (2).
فأي مجتمع مهذب راق هذا المجتمع الذي يبنيه الإسلام، إذ يلقي في
حس كل فرد فيه أن من الأعمال الصالحة التي تقرب من الله، وتدخل صاحبها الجنة، إماطة الأذى عن طريق الناس؟ إن مجتمع المسلمين الذي تعيش فيه أمثال هذه التوجيهات التربوية العالية نابضة متدفقة في النفوس، لمن أرقى مجتمعات الأرض بلا ريب؛ إذ لا يتصور إنسان أن يلقى فيه ما يلقاه الناس اليوم في الطريق العام من أكوام الفضلات والقاذورات ومخلفات البناء، وغير ذلك مما تعاتب البلديات عليه الناس، وتحملهم الغرامات الباهظة إن هم ألقوا هذا الأذى في الطريق.
وما أعظم الفرق بين مجتمع اهتدى بهدي هذا الدين، فسارع الأفراد فيه لإماطة الأذى عن الطريق امتثالا لأمر الله، وطمعا فى مثوبته، وبين مجتمع
(1) رواه مسلم.
(2)
حديث صحيح رواه أحمد.