الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الشرب على دفعتين أو ثلاث، فهو ما كان عليه الرسول الكريم، كما أخبر بذلك أنس رضي الله عنه بقوله:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشراب (1) ثلاثا)) (2).
ولقد نهى الرسول الكريم عن الشرب دفعة واحدة بقوله:
((لا تشربوا واحدا كشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى وثلاث، وسموا إذا
أنتم شربتم، واحمدوا إذا أنتم رفعتم)) (3).
ونهى عن النفخ في الشراب، وجاء ذلك في حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب، فقال رجل: أرى القذاة فيه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:((فأهرقها)) قال: ((إني لا أروى من نفس واحد، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((فأبن القدح عن فيك ثم تنفس)) (4).
ومن استعراض الأحاديث الواردة في أدب الشراب يتبين أن الأحسن صنعا والأمثل طريقة ألا يشرب المسلم المهذب من فم السقاء ما أمكنه ذلك، وأن يشرب قاعدا ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فذلك أمثل وأكمل وأفضل، كما تدل على ذلك الأحاديث الواردة في هذا الموضوع، وإن كان الشرب من فم السقاء وفي حالة القيام جائزين؛ لأن الرسول الكريم شرب في هذه الحالات جميعا.
يفشي السلام:
ومن أدب المسلم الاجتماعي المميز إفشاؤه السلام. وإفشاء السلام في الإسلام ليس تقليدا اجتماعيا، تعاور على وضعه وتنظيمه البشر في عصورهم
(1) أي يتنفس خارخ الإناء.
(2)
متفق عليه.
(3)
رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
(4)
رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
المختلفة، فهو يتغير ويتطور تبعا للبيئة الاجتماعية والعصر الذي وضع فيه، وإنما هو أدب محدد منظم أصيل، أمر به رب العزة في كتابه الحكيم، ونظمه ووضع قواعده الرسول الكريم في أحاديثه الثرة الغزيرة التي أفردها المحدثون بباب مستقل سموه (كتاب السلام)، أو (باب السلام).
لقد أمر الله تعالى المؤنين بالسلام في محكم كتابه فقال:
وأمر برد التحية بأحسن منها أو بمثلها، ومن هنا كان واجبا على كل من
سمع تحية أن يردها ولا يتجاهلها أو يتهاون في ردها:
{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (3).
وجاء الهدي النبوي ثرا غزيرا يحض بحرارة على إفشاء السلام وإسماعه من نعرف ومن لا نعرف؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال:
((تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)) (4).
وكان السلام إحدى الوصايا السبع التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته بها، ليلتزموها في حياتهم الاجتماعية، وتلتزمها الأمة الإسلامية من بعدهم، وهي كما عددها البراء بن عازب رضي الله عنه، قال:
((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: بعيادة المريض، واتباع الجنائز،
(1) أي تستأذنوا.
(2)
النور: 27.
(3)
النساء: 86.
(4)
متفق عليه.
وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار المقسم)) (1).
لقد أعطى الرسول الكريم قضية السلام جانبا كبيرا من اهتمامه، وحض على تطبيقه، وحبب فيه، في قسم كبير من أحاديثه، لما كان يعلم من أثره الكبير في تفجير ينابيع الحب في النفوس، وتوثيق عرى القلوب، وإحكام وشائج الود والتقارب والتصافي بين الأفراد والجماعات، حتى إنه جعله سبب المحبة التي تفضي إلى الإيمان، الموصل إلى الجنة، وذلك في قوله:
((والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)) (2). وجعل أولى الناس بالله ومرضاته ونعمه وخيراته من يبدأ الناس بالسلام:
((إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام)) (3).
ولذلك كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يغدو إلى السوق فلا يمر على أحد إلا سلم عليه، وسئل يوما: ما تصنع في السوق، وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السوق؟ فقال:((إنما نغدو من أجل السلام على من لقينا)) (4).
وللسلام في المجتمع الإسلامي صيغة واحدة يلتزمها المسلم الحق الواعي آداب دينه، الحريص على تطبيق هديه المتميز الأصيل، وهي:((السلام عليكم ورحمة الله وبركاته))، يقولها المبتدئ بالسلام هكذا بضمير
(1) متفق عليه.
(2)
رواه مسلم.
(3)
رواه أبو داود بإسناد جيد، ورواه الترمذي بنحوه وقال: حديث حسن.
(4)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
الجمع، ولو كان المسلم عليه واحدا، ويقول المجيب:((وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته)).
ولا يغني عن هذه الصيغة الشرعية الأصيلة صيغ أخرى قديمة مثل: عم صباحا، أو صيغ مستحدثة كصباح الخير، التي هي ترجمة حرفية لـ ( Good morning) بالإنكليزية، أو ( Bonjour) بالفرنسية، وما إلى ذلك من صيغ تفشت في مجتمعات المسلمين المتخلفين عن هدي دينهم القويم.
إن تحية الإسلام هذه هي التحية التي اصطفاها الله تعالى لخلقه منذ خلق آدم، علمه إياها، وأمره أن يحيي بها الملائكة، وأراد لذريته على مدى عصورها واختلاف أمصارها أن تتمسك بها، لما تحمل من معنى السلام، أحب شيء للإنسان في كل زمان ومكان. ولم تبق على هذه التحية الربانية الأصيلة سوى أمة الإسلام التي بقيت على الملة الحنيفية السمحة، لم تغير فيها ولم تبدل، ولم تنحرف عن هديها ولم تمل، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
((لما خلق الله آدم صلى الله عليه وسلم قال: ((اذهب فسلم على أولئك - نفر من الملائكة جلوس - فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله)) (1).
لا بدع إذا أن تكون هذه الصيغة هي التحية المباركة الطيبة؛ لأنها جاءتنا من عند الله تعالى، وأمرنا أن نتخذها تحيتنا، ولا نعدل عنها إلى سواها:
(1) متفق عليه.
(2)
النور: 61.
ومن أجل ذلك التزم بصيغتها جبريل عليه السلام حين قرأ عائشة السلام، وكذلك التزمت السيدة عائشة رضي الله عنها بصيغة الرد، كما جاء في الحديث المتفق عليه:
((عن عاثشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذا جبريل يقرأ عليك السلام)) قالت قلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته)) (1).
وللسلام في الإسلام قواعد أيضا، يحرص المسلم الحق على اتقانها وتطبيقها بدقة في حياته الاجتماعية، وتتلخص هذه القواعد في الحديث الذي رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير)) (2). وفي رواية للبخاري: ((والصغير على الكبير)).
والسلام يكون على الرجال وعلى النساء أيضا، يشهد لذلك حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوما وعصبة من النساء قعود فألوى بيده بالتسليم)) (3).
ويكون السلام أيضا على الصبيان، تعويدا لهم على آداب التحية والسلام؛ فعن أنس رضي الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم، وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله (4).
ومن قواعد السلام وآدابه في الإسلام أن يلقى في الليل برفق وتؤدة وخفض صوت، بحيث يسمعه اليقظان، ولا يوقظ الوسنان، وهذا ما كان
(1) متفق عليه.
(2)
متفق عليه.
(3)
رواه الترمذي وقال حديث حسن.
(4)
متفق عليه.