الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن خير الناس، ولكني عبد من عباد الله، أرجو الله تعالى وأخافه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه (1).
وإنها لقالة حكيمة من صحابي جليل، مرهف الحس الإسلامي، وقاف عند هدي النبي صلى الله عليه وسلم، متحل به، في سره وعلانيته.
لقد فقه الصحابة الكرام هذا الملحظ الدقيق الذي ما فتيء الرسول الكريم يرشد إليه في الأعمال والأقوال وسلامتها من النفاق، وتوضح لديهم الفرق الكبير بين ما هو حق خالص لوجه الله، وما هو نفاق ومداهنة.
فعن ابن عمر رضي الله عنه أن ناسا قالوا له: إنا ندخل على سلاطيننا، فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم، قال ابن عمر:((كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
بعيد عن الرياء والمباهاة:
والمسلم الحق الصادق أبعد ما يكون عن الرياء؛ لأنه يحيط الأجر، ويبطل العمل، ويجلب الخزي لصاحبه يوم يقوم الناس لرب العالمين.
إن لب لباب هذا الدين الإخلاص لله في القول والعمل، وعبادة الله التي هي الهدف من خلق الجن والإنس، كما في قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ، إن هذه العبادة لا تكون عبادة مقبولة إلا إذا كانت خالصة لوجه الله الكريم:
{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ (3)} (4).
(1) حياة الصحابة 3/ 103.
(2)
رواه البخاري.
(3)
أي مائلين إلى الحق مستقيمين مخلصين.
(4)
البينة: 5.
ومتى شابت هذه العبادة شائبة من رياء أو حب ظهور وطلب لسمعة، بطلت، ومحق ثوابها، ونجد هذا في تحذير الله لأولئك الذين ينفقون أموالهم على الفقراء، ويمنون عليهم أن أغنوهم، وسدوا عوزهم، وقضوا حوائجهم، فيجرحون بهذا المن كرامة الفقراء:
لقد أودت كلمة المن على الفقراء بثواب هذه الصدقات، كما يودي الماء المنسكب على الحجر الأملس بما عليه من تراب، ويأتي التعقيب المخيف المروع فى آخر الآية مبينا أن أولئك المرائين لا يستحقون هدى الله، وأنهم معدودون في زمرة الكافرين:
{وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} .
ذلك أن شأن هؤلاء المرائين التظاهر أمام الناس بالعمل الصالح، وليس همهم مرضاة الله عز وجل، وقد حكى الله تعالى شأنهم هذا بقوله:
{يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (5).
ومن هنا كان عملهم مردودا عليهم؛ لأنهم أشركوا مع الله غيره،
(1) أي حجر أملس ناعم.
(2)
أي مطر غزير.
(3)
أي أملس.
(4)
البقرة: 264.
(5)
النساء: 142.
والله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا محضا لوجهه الكريم، كما جاء في حديث أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه)) (1).
ولقد بسط رسول الله صلى الله عليه وسلم القول في هذه المسألة بسطا وافيا شاملا، وبين الخزي الشنيع الذي يلقاه المراءون يوم العرض الكبير، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وذلك في حديث أبي هريرة أيضا الذي يقول فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به، فعرفه نعمته فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء! فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ! فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال، فأتي بيه، فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: جواد! فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار)) (2).
لقد عرض هذا الحديث الشريف المواطن التي تكثر فيها المباهاة
(1) رواه مسلم.
(2)
رواه مسلم.