الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا)) (1).
وكان الصحابي الجليل أبو الدرداء يقول: ألا أحدثكم بما هو خير لكم
من الصدقة والصيام؟ صلاح ذات البين. ألا وإن البغضة هي الحالقة (2))) (3).
إنها لنظرة نافذة عميقة لروح هذا الدين القائم على التآخي والمحبة، من هذا الصحابي الجليل الذي كان موضع ثقة الرسول الكريم في حسن تفكيره ونفاذ بصيرته، إذ رأى التباغض يحبط العمل، ويضيع الأجر، ويمحق الحسنات، ومن هنا كان صلاح ذات البين للمسلم المقاطع أخاه خيرا له من الصدقة والصيام، إذ أن بقاءه على القطيعة والهجر والتباغض يودي بما يجنيه من عباداته من حسنات.
ولقد أخذ الصحابي أبو الدرداء حديثه هذا من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي عنه أيضا: ((ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟)) قالوا: بلى، قال:((إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة)). قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح. ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين)).
سمح عفو عنهم:
والمسلم الحق إذا مسه الغيظ من أخيه كظم غيظه، ثم هو لا يأنف أن يسارع إلى العفو عنه، والتغاضي عن زلته، ولا يرى في صفحه عن أخيه ذلا يحيق به، ولا عارا يلبسه، بل يرى فيه إحسانا يقربه من الله زلفى، ويكسبه محبته التي خص بها المحسنين من عباده في قوله:
(1) رواه مسلم.
(2)
أي الماحية للثواب.
(3)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (1).
إن الإنسان قد يكظم غيظه، ولكن مراجل الحقد والضغينة تفور في صدره، فيتحول غيظه الفائر إلى إحنة متأججة، ويستحيل غضبه الظاهر إلى حقد دفين. والغضب والغيظ أطهر وأنظف من الحقد والضغينة.
أما المسلم الحق الذي أشربت نفسه هدي هذا الدين فلا يحقد ولا يضطغن، إنه إن كظم غيظه، اتبع ذلك بالصفح والعفو، وكان من المحسنين.
إن الغيظ وقر ثقيل على النفس حين تكظمه، وشواظ يلفح القلب ودخان. أما حين تصفح النفس، ويعفو القلب، فهو الانطلاق من ذلك الوقر والرفرفة في آفاق النور، والبرد على القلب، والسلام في الضمير، وهذا هو الشعور بالإحسان، يحسه المسلم، وهو يصفح ويعفو عن أخيه.
والمسلم الحق في إقباله على أخيه صفوحا عفوا، إنما يتواضع لأخيه ويعفو عنه لله، مبتغيا من لدنه العزة والرفعة التي ألمع إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله:
((ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)) (2).
وإنهما لعزة ورفعة من الله، يجتمعان إلى الإحسان الذي اتصف به المسلم السمح العفو الصفوح، فإذا هو من المحسنين الذي أحبهم الله، ومن الأعزة الأماثل الذين يحبهم الناس.
إن الحقد لا مكان له في قلب المسلم المرهف الحس، الواعي توجيهات دينه، المتأثر بلمساتها في أعماق وجدانه؛ ذلك أنه يدرك قيمة
(1) آل عمران: 134.
(2)
رواه مسلم.