الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر:
وعن مقتضيات الدعوة إلى الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن
هنا كان المسلم الداعية آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر بعقل وروية وحسن تأت وحكمة. إنه يتصدى للمنكر فيزيله بيده إن استطاع، ولم يترتب على إزالته فتنة أشد، فإن لم يستطع إزالته بيده بين وجه الحق بلسانه وبيانه، فإن لم يستطع أنكر الباطل بقلبه، وراح يعد العدة لاستئصاله من جذوره، وهذا مصداق قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) (1).
والمسلم حين يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إنما ينصح للمسلمين الذين يأمرهم أو ينهاهم، والدين النصيحة، وإذا كان الدين النصيحة، فلا بد إذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لتتحقق النصيحة التي عرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:
((الدين النصيحة)) قلنا: لمن؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) (2).
وإن هذه النصيحة وهذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليقودان المسلم الصادق الحر إلى الجهر بالحق في وجه الظالم. وإن بقاء هذه الأمة عزيزة حرة كريمة منوط بوجود رجال شجعان أحرار لا يخشون أن يقولوا للظالم: أنت ظالم. ومتى خلت الأمة من هذا النمط من الرجال فقد تودع منها، وهذا مصداق قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(1) رواه مسلم.
(2)
رواه مسلم.
((إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له: أنت ظالم، فقد تودع منهم)) (1).
ولقد جاءت النصوص النبوية تنفث في المسلمين روح البطولة في مواجهة الباطل، مطمئنة الأبطال إلى أن بطولتهم هذه في مواجهة الظالمين لا تنقص من رزق، ولا تقرب من أجل:
((لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه ويذكر بعظيم، فإنه لا يقرب من أجل، ولا يباعد من رزق)) (2).
وقام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال:((خير الناس أقرؤهم وأتقاهم وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر، وأوصلهم للرحم)) (3).
وقد كان لتأصيل قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع الإسلامي أن غرس في نفوس المسلمين الصادقين الشجاعة والإقدام، واتخاذ المواقف الجريئة في مواجهة الباطل ونصرة المظلومين، وقد جاء الهدي النبوي معززا هذه الخلائق البطولية النبيلة، مؤكدا نصر الله للأبطال المنافحين عن الحق، وخذلانه للجبناء الساكتين عنه:
((ما من امرئ يخذل مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك
فيه من حرمته، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته)) (4).
(1) رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.
(2)
رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
(3)
رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات.
(4)
رواه احمد وأبو داود بإسناد حسن.
ومن هنا كان المسلم الحق صاحب قضية، لا يسكت عن باطل، ولا يقعد عن نصرة الحق، ولا يرضى أن يشيع الظلم في مجتمعه، ويفشو المنكر في ناديه، إنه يعمل دوما على تغيير المنكر، دفعا لعقاب من الله يوشك أن يعم القعدة الجبناء الساكتين عن ذلك التغيير، كما أخبر بذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن الرسول الكريم:
لما ولي أبو بكر رضي الله عنه صعد المنبر، فحمد الله، ثم قال: يأيها الناس، إنكم تقرأون هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وإنكم تضعونها في غير مواضعها. وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك أن يعمهم الله بعقاب)) (1).
إن المسلم الصادق إسلامه، الحيي إيمانه، أبعد ما يكون عن الميوعة والسلبية واللامبالاة، لا يتهاون في قضايا الدين، ولا يتقاعس عن الأمر بالمعروف، ولا يستمرئ المنكر ولا يألفه، ولا يقعد عن إنكاره وتغييره ما استطاع إلى ذلك سبيلا؛ فأمور الدين جد لا هزل فيها، وشؤون العقيدة حزم لا هوادة فيه. ولقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤول حالنا إلى ما كان عليه اليهود من ميوعة وتراخ ولا مبالاة في أمور دينهم، فيصيبنا ما أصابهم من غضب الله ونقمته، وذلك في حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
((إن من كان قبلكم من بني إسرائيل إذا عمل فيهم العامل الخطيئة فنهاه الناهي تعذيرا، فإذا كان من الغد جالسه وواكله وشاربه، كأنه لم يره على خطيئة بالأمس. فلما رأى الله تعالى ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض على لسان داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.
(1) رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح.