الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) (1). وفي رواية لمسلم: ((وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم)).
إن حسن إسلام المرء لا تؤكده العبادات التي يقوم بها من صيام وصلاة وحج فحسب، كما أسلفت، وإنما تؤكده نفسية الإنسان التي انفعلت بتعاليم الإسلام، وارتشفت من رحيق هداه، حتى غدت تنضح بشذا أخلاقه العالية، وقيمه الرفيعة، وأحكامه السمحة، فتراها وقافة عند حدود الله، ملتزمة أمره، مجتنبة نهيه، منصاعة لهداه في كل شيء.
ومن هنا ينتفي من حياة المسلم الحق الصادق الكذب والإخلاف بالوعد وخيانة العهود والمواثيق، لأنها منافية لخلق الإسلام، ولا توجد إلا في أخلاق المنافقين.
ألا فليعلم تلك الحقيقة المرة كثير من التجار والصناع والموظفين، الذين يعدون الناس بإنجاز أعمالهم في وقت محدد، ثم يخلفون المواعيد، وليعلمها أولئك الذين يتعاهدون على أمر، ثم ينقضون ما تعاهدوا عليه، وكذلك الذين يؤتمنون على مال أو سر أو ورثة أو غير ذلك، ثم يخونون الأمانة. ليعلم هؤلاء جميعا أنهم في زمرة المنافقين، ولو صاموا وصلوا وزعموا أنهم مسلمون، وإن المنافقين في الدرك الأسفل من النار.
حسن الخلق:
والمسلم الحق حسن الخلق، موطأ الكنف، لين القول، عملا بهدي الإسلام، وتأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام.
(1) متفق عليه.
فلقد ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يروي خادمه أنس، أحسن الناس خلقا)) (1) ولم يكن أنس رضي الله عنه مبالغا في قوله، ولم تحمله محبته له على المبالغة، فلقد رأى من حسن خلق الرسول الكريم ما لم تره عين، ولا سمعت به أذن. وندع أنسا رضي الله عنه يحدثنا عن طرف من خلق نبي الإسلام العظيم، فيقول:
((لقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعلة: ألا فعلت كذا؟)) (2).
ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشا ولا متفخشا، كما يقول عبد الله بن عمرو بن العاص، وكان يكرر على أسماع الصحابة قوله:
((إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا)) (3).
وقوله:
((إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام في شيء، وإن أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقا)) (4).
وقوله:
((إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا،
وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون (5) والمتشدقون (6)
(1) متفق عليه.
(2)
متفق عليه.
(3)
متفق عليه.
(4)
رواه الطبراني وأحمد وأبو يعلى ورجاله ثقات.
(5)
الثرثارة كثير الكلام.
(6)
المتشدق: المتطاول على الناس بكلامه، ويتكلم بملء فيه تفاصحا وتعظيما لكلامه.
والمتفيهقون. قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال:((المتكبرون)) (1).
كان الصحابة رضوان الله عليهم يسمعون هذا التوجيه الخلقي العالي من الرسول الكريم، ويرون بأعينهم الخلق الرفيع الذي كان يعامل به الناس، فيعملون بقوله، ويتأسون بفعله، وبذلك قام مجتمعهم الأمثل الذي ما داناه مجتمع في تاريخ الإنسان.
يقول أنس رضي الله عنه:
((كان النبي رحيما، وكان لا يأتيه أحد إلا وعده، وأنجز له إن كان عنده. وأقيمت الصلاة، وجاءه أعرابى فأخذ بثوبه فقال: إنما بقي من حاجتي يسيرة، وأخاف أنساها، فقام معه حتى فرغ من حاجته، ثم أقبل فصلى)) (2).
لم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حرجا في أن يستمع إلى الأعرابي ويقضي حاجته، وقد أقيمت الصلاة، ولم يضق صدره بذاك الأعرابي الذي أخذ بثوبه، وأصر على قضاء حاجته قبل الصلاة، لأنه، صلوات الله عليه، كان يبني مجتمع الأخلاق، ويعلم المسلمين بفعله كيف يجب أن يعامل المسلم أخاه الإنسان، ويقرر لهم المبدأ الخلقي الذي ينبغي أن يسود مجتمع المسلمين.
وإذا كان حسن الخلق عند غير المسلمين يرجع إلى حسن التربية وسلامة التنشئة ورقي التعليم، فإن حسن الخلق عند المسلمين يعود قبل هذا كله إلى هدي الدين الذي جعل الخلق سجية أصيلة في الإنسان المسلم، ترفع من منزلته في الدنيا، وترجح كفة ميزانه في الآخرة، إذ ما من عمل أثقل
(1) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
(2)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
في ميزان الإنسان المؤمن يوم الحساب من حسن الخلق، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:
((ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن؛ فإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذئ)) (1).
بل إن الإسلام جعل حسن الخلق من كمال الإيمان، إذ عد أحسن الناس خلقا أكملهم إيمانا، وذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
((أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا)) (2).
وجعل أحسن الناس خلقا من أحب عباد الله إليه يشهد لذلك حديث أسامة بن شريك، قال:
كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير، ما يتكلم منا متكلم، إذ جاءه ناس فقالوا: من أحب عباد الله إلى الله تعالى؟ قال: ((أحسنهم أخلاقا)) (3).
ولا غرو أن يكون أحسن الناس خلقا أحبهم إلى الله، ذلك أن حسن الخلق في شريعة الإسلام شيء عظيم، إنه لأثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة كما رأينا، وإنه ليعدل الصلاة والصيام، ركني الإسلام الكبيرين، كما قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله:
((لا يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن حسن الخلق ليبلغ بصاحبه درجة الصوم والصلاة)) (4). وفي رواية: ((إن العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)).
(1) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
(2)
رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحح.
(3)
رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
(4)
رواه الترمذي والبزار ورجاله ثقات.
ومن هنا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد أهمية حسن الخلق للصحابة الكرام، ويحضهم على التجمل به، ويحببه إلى نفوسهم بأساليب شتى من قوله وفعله، إدراكا منه لأثره الكبير في تهذيب الطباع، وتزكية النفوس، وتجميل الخلائق، ومن ذلك قوله لأبي ذر:
((يا أبا ذر، ألا أدلك على خصلتين، هما أخف على الظهر، وأثقل في الميزان من غيرهما؟)) قال: بلى يا رسول الله، قال:((عليك بحسن الخلق، وطول الصمت. فو الذي نفسي بيده ما تجمل الخلائق (1) بمثلهما)) (2).
وقوله:
((حسن الخلق نماء، وسوء الخلق شؤم، والبر زيادة في العمر، والصدقة
تمنع ميتة السوء)) (3).
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ((اللهم أحسنت خلقي، فأحسن خلقي)) (4).
إن دعاء الرسول الكريم أن يحسن الله خلقه، وهو الذي قال الله تعالى فيه:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (5) لدليل عميق على اهتمامه الشديد بحسن الخلق، ورغبته الحارة في أن يستزيد المسلمون دوما منه، مهما سموا في معارجه الوضاء، كما كان يستزيد نبيهم العظيم منه بهذا الدعاء. وحسن الخلق كلمة جامعة، يندرج تحتها كل خلق كريم يجمل الإنسان، ويزكيه، ويسمو به، كالحياء والحلم والرفق والعفو والسماحة والبشر والصدق والأمانة
(1) الخلائق: جمع الخليقة، والخليقة هنا: الناس، ففي القاموس:((الخليقة: الناس كالخلق)). وفي الصحاح: ((الخلقية: الخلق، والجمع: الخلائق. يقال: هم خليقة الله أيضا)).
(2)
رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط، ورجال أبي يعلى ثقات.
(3)
رواه أحمد، ورجاله ثقات.
(4)
رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
(5)
القلم: 4.