الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه فيقطعه بانتهاء أو قيام (1).
وتحدثنا السيدة عائشة أنه كان يتقي شرار الناس، ويستميلهم بلين الكلام وحسن المعاملة؛ فقد استأذن رجل عليه فقال:((ائذنوا له: بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة))، فلما دخل ألان له الكلام، فقالت عائشة: يا رسول الله، قلت الذي قلت، ثم ألنت له الكلام، قال:((أي عائشة، إن شر الناس من تركه الناس (أو ودعه الناس) اتقاء فحشه)) (2).
ولا ريب أن المسلم الحق يترسم خطا نبيه الأمين في معاملته الناس، صالحهم وطالحهم، بحيث يكون محبوبا مألوفا مقبولا لدى الناس جميعا.
يخضع عاداته لمقاييس الإسلام:
ومن أهم ما يميز المسلم الحق الواعي إخضاعه كل عادة مألوفة في مجتمعه لمقاييس الإسلام، ومن هنا كانت قيمه الاجتماعية مستمدة كلها من تصور الإسلام ومفاهيمه ومنطلقاته الأصيلة المتميزة.
فهو لا يتختم بالذهب؛ لأن التختم بالذهب حرام على الرجال في دين الإسلام، أعلن ذلك رسول الإسلام إذ رأى رجلا يلبس في أصبعه خاتما من ذهب، فقال:
((أيعمد أحدكم إلى جمرة نار فيضعها في يده؟)) (3).
ثم نزع الخاتم من أصبع الرجل وطرحه أرضا. وهنا تجلت روعة الطاعة
(1) انظر حياة الصحابة 1/ 22، 23.
(2)
رواه البخاري ومسلم.
(3)
رواه مسلم.
والامتثال والانصياع لأمر الله ورسوله في ذلك الرجل، إذ قال له أصحابه: خذ خاتمك المطروح فانتفع بثمنه، فقال: لا والله، لا أرفع شيئا طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمسلم الحق لا يأكل ولا يشرب في آنية الذهب والفضة، ولا يلبس الحرير والذيباج؛ لأن الرسول الكريم نهى عن ذلك في أحاديث كثيرة، منها حديث حذيفة رضي الله عنه الذي يقول فيه:
((إن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الحرير والديباج والشرب في آنية الذهب والفضة، وقال: ((هي لهم في الدنيا، وهي لكم في الآخرة)) (1).
وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) (2).
وفي رواية لمسلم:
((إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب))، وفي رواية له أيضا:((من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه نارا من جهنم)).
وعن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((إنما يلبس الحرير من لا خلاق له (3) في الآخرة)) (4).
وعن علي رضي الله عنه قال: رأيت رسول صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا فجعله في يمينه، وذهبا فجعله في شماله، ثم قال:
(1) متفق عليه.
(2)
متفق عليه.
(3)
أي لا نصيب له.
(4)
رواه البخاري.
((إن هذين حرام على ذكور أمتي)) (1).
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم)) (2).
وعن حذيفه رضي الله عنه قال: نهانا النبى صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه)) (3).
والمسلم الحق يحرم ذلك على نفسه امتثالا لأمر الرسول الكريم، قبل أن تبدو له علة التحريم، اجتماعية نفسية كانت أم اقتصادية، إذ أن دستوره في التحليل والتحريم قوله تعالى:
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (4).
وهو لا يتبع ما يسمى اليوم بـ (الموضة) في تقاليد الخطبة والزواج، مما أخذناه عن الغرب كالعمي أو الببغاوات التي تقلد دونما تفكير وترو وتبصر، كلبس خاتم الخطبة في اليد اليمنى، ثم نقله ليلة الزفاف إلى اليد اليسرى، ولا يسمح بدخول مصور غير محرم يلتقط له ولزوجه الصور التذكارية لليلة الزفاف، وغير ذلك مما ألفه الناس في مجتمعاتنا التي منيت بالغزو الفكري والنفسي، فأضحت صورة مشوهة عن المجتمعات الغربية، وهي تحسب أنها لا تزال تنتمي إلى الإسلام الانتماء الكامل.
ومن تلك العادات التي يسقطها المسلم الواعي من حياته الاجتماعية
(1) رواه أبو داود بإسناد حسن.
(2)
رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
(3)
رواه البخاري.
(4)
الحشر: 7.
عادة تعليق الصور ونصب التماثيل في البيوت، واقتناء الكلب في البيت إلا لحراسة؛ فقد اشتد الإسلام في محاربة هذه العادات، وجاءت نصوصه القاطعة تحرم ذلك على المؤمنين تحريما لا مجال للترخص فيه:
عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الذين يصنعون هذه الصورة يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم)) (1).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر، وقد سترت شهوة (2) لي بقرام (3) فيه تماثيل. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم تلون وجهه! وقال:
((يا عائشة، أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله!)). قالت: فقطعناه، فجعلنا منه وسادة أو وسادتين (4).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس، فيعذبه في جهنم. قال ابن عباس: فإن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا روح فيه (5).
وعن أبي طلحة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة)) (6).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه
(1) متفق عليه.
(2)
أي نافذة صغيرة.
(3)
أي ستر.
(4)
متفق عليه.
(5)
متفق عليه.
(6)
متفق عليه.
السلام في ساعة يأتيه فيها فجاءت تلك الساعة ولم يأته! قالت: وكان بيده عصا فطرحها من يده، وهو يقول:((ما يخلف الله وعده ولا رسله))، ثم التفت، فإذ جرو كلب تحت شريره، فقال:((متى دخل هذا الكلب؟)) فقلت: والله ما دريت به، فأمر به فأخرج، فجاءه جبريل عليه السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((وعدتني فجلست لك ولم تأتني)). فقال: ((منعني الكلب الذي كان في بيتك، إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة)) (1).
والنصوص في ذلك كثيرة، وكلها تحرم نشر الصور ونصب التماثيل.
ولقد كشفت الأيام عن حكمة ذلك التحريم، وبخاصة في هذا العصر الذي يسارع فيه المنافقون والمتزلفون وأصحاب المطامع والشهوات إلى الطغاة يزينون لهم التمادي في طغيانهم، ومن ذلك إقامة التماثيل لهم في حياتهم أو بعد مماتهم، ليجعلوا منهم آلهة أو أنصاف آلهة، يتربعون على عرش العظمة، ويلهبون ظهور المستضعفين بالسياط.
إن الإسلام الذي جاء بعقيده التوحيد، وحطم أوثان الشرك والجاهلية منذ خمسة عشر قرنا، ليأبى لهذه الأوثان أن تعود مرة أخرى إلى حياة المسلمين، باسم تخليد الزعيم الفلاني تارة، وباسم تكريم الفنان الفلاني تارة أخرى، وباسم تعظيم العالم أو الشاعر أو الأديب الفلاني تارة ثالثة، والمجتمع الإسلامي مجتمع موحد، لا يعرف التعظيم والتقديس والتبجيل إلا لله، ومن هنا لا مكان فيه لمثل هذه الأوثان والأنصاب.
أما اقتناء الكلب، فلا مانع منه إذا كان لصيد أو ماشية أو أرض، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(1) رواه مسلم.