الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها مسحه جسم المريض بيده اليمنى والدعاء للمريض، كما تروي السيدة عائشة رضي الله عنها قائلة:
((كان النبي صلى الله عليه وسلم يعود بعض أهله فيمسح بيد اليمنى ويقول: اللهم رب الناس أذهب البأس (1)، أشف، أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما)) (2).
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده، وكان إذا دخل على من يعوده قال:
((لا بأس، طهور (3) إن شاء الله)) (4).
ولقد تناقلت أجيال المسلمين هذه السنة الحميدة في عيادة المريض، وبقيت في حياة المسلمين الاجتماعية عنوانا على تواصلهم، وتوادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، وتكافلهم، تجبر كسر المهيض، وتكفكف عبرة المحزون، وتجلو غاشية الكرب، وتقشع سدفة اليأس، وتصل حبل الود، وتوثق عرى الأخوة، وتفجر نبعة الوفاء، وتطلق بسمة الرجاء.
يشهد الجنازة:
والمسلم التقي الواعي يشهد الجنازة في مجتمعه، ويشيعها، امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل:
((حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس)) (5).
(1) أي المرض.
(2)
متفق عليه.
(3)
أي مرضك مطهر لذنبك.
(4)
رواه البخاري.
(5)
متفق عليه.
ولا يفوته أن ينشر الوعي الإسلامي الصحيح في هذه المناسبة التي تكثر فيها البدع والأضاليل، كسقوط الصلاة، وارتفاع الأصوات بالنياحة والندب والصياح، وما إلى ذلك مما ينشغل الناس عن تصحيحه وتبيان وجه الصواب فيه بانصرافهم إلى تجهيز الميت وتشييعه، والتخفيف من وقع المصيبة على أهله.
فإذا ما حضر ساعة النزع، وشهد المريض المشرف على الهلاك يحتضر، لقنه شهادة أن لا إله إلا الله، عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
((لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)) (1).
فإذا ما أسلم المحتضر روحه، دعا له بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي دعا به لأبي سلمة رضي الله عنه حين موته، وهو:
((اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره ونور له فيه)) (2).
ثم يردد على مسامع أهل البيت ما يحفظ من الأحاديث الشريفة التي تهون على المصابين مصيبتهم، مبينا فضيلة احتساب الفقيد عند الله والصبر على موته، وما أعده الله للصابرين المحتسبين من ثواب عظيم، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم أحتسبه (3) إلا الجنة)) (4).
(1) رواه مسلم.
(2)
رواه مسلم.
(3)
أي أدخره ورجا ثواب الصبر على موته من الله تعالى.
(4)
رواه البخاري.
ويذكر بالموقف الذي يجدر بالمؤمنين أن يقفوه عند الموت، اقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه، قال:
((أرسلت إحدى بنات النبى صلى الله عليه وسلم إليه تدعوه وتخبره أن صبيا لها - أو ابنا- في الموت، فقال للرسول: ((ارجع إليها فأخبرها أن لله تعالى ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر، ولتحتسب)) (1).
ومما ينبغي للمسلم الواعي فعله في مثل هذه المناسبات الأليمة أن ينبه إلى حرمة النياحة والندب وشق الأثواب ولطم الخدود ورفع الأصوات بالكلام المبكي المثير، مبينا للناس، وبخاصة الجهلة منهم أن هذه الأفعال جميعا تؤذي الميت في قبره، ويأثم فاعلوها إثما كبيرا، كما خبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:
((الميت يعذب في قبره بما نيح عليه)). وفي رواية: ((ما نيح عليه)) (2)
وقوله:
((ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية)) (3).
وعن أم عطية نسيبة رضي الله عنها قالت:
((أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البيعة ألا ننوح)) (4) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:
(1) متفق عليه.
(2)
متفق عليه.
(3)
متفق عليه.
(4)
منفق عليه.
((النائحة إذا لم تتب قبل فوتها تقام يوم القيامة، وعليها سربال (1) من قطران ودرع من جرب)) (2).
أما الدموع التي تنهمر من الأعين، تحكي ما يعتلج في القلب من نار الألم واللوعة، فلا تثريب على الباكين فيها ما لم يصاحبها ندب ونياحة وصياح وما إلى ذلك من أفعال محرمة، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد سعد بن عبادة، ومعه عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا، فقال:((ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم)) وأشار إلى لسانه (3).
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه ابن ابنته، وهو في الموت، ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال:
((هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)) (4).
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم، وهو يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال:
((يا بن عوف، إنها رحمة)) ثم أتبعها بأخرى، فقال: ((إن العين تدمع،
(1) أي قميص.
(2)
رواه مسلم.
(3)
متفق عليه.
(4)
متفق عليه.
والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون)) (1).
ويحرص المسلم التقي على حضور الجنازة حتى تدفن، لما في حضوره من ثواب عظيم، أخبرنا به الرسول الكريم بقوله:
((من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن
فله قيراطان))، قيل: وما القيراطان؟ قال: ((مثل الجبلين العظيمين)) (2).
إن في تركيب الإسلام بحضور تشييع الميت حتى دفنه توطيدا لأواصر الأخوة بين المسلمين، وترسيخا لمشاعر الوفاء، وبمثل هذه المشاركات يجد المصابون جميل الصبر، ويحسون برد العزاء، وبخاصة إذا علموا أن الصفوف المتراصة التي تقف لتصلي على ميتهم ستشفع فيه، كما أخبر بذلك الرسول الكريم بقوله:
((ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه)) (3).
وينبغي للمسلم أن يكون عالما بأحكام صلاة الجنازة، حافظا ما يقرأ فيها من أدعية مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا ما وضع النعش، واصطف الناس للصلاة عليه، يكبر الإمام التكبيرة الأولى، فيتعوذ ويقرأ فاتحة الكتاب، ثم يكبر التكبيرة الثانية، فيصلي بعدها على النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الإبراهيمية، ثم يكبر التكبيرة الثالثة، ويدعو للميت وللمسلمين. ومن أصح الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم للميت ما يرويه عوف بن مالك رضي الله عنه إذ يقول:
(1) رواه الشيخان.
(2)
متفق عليه.
(3)
رواه مسلم.
((صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة، فحفظت من دعائه، وهو يقول: ((اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله (1)، ووسع مدخله (2)، واغسله بالماء والثلج والبرد (3)، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعده من عذاب القبر ومن عذاب النار)) حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت (4). ثم يكبر التكبيرة الرابعة، ويدعو بهذا الدعاء:((اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله))، ثم يسلم.
ويمشي في الموكب حتى يوضع النعش على القبر، فإذا ما تم الدفن استغفر للميت ودعا له بالتثبيت، وهذا ما كان يفعله الرسول الكريم ويأمر به، كما أخبر بذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال:
((استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل)) (5) وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ((إذا دفنتموني فأقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم، وأعلم ماذا أراجع به رسل ربي)) (6).
وقال الشافعية: ((ويستحب أن يقرأ عنده شيء من القرآن، وإن ختموا القرآن كان أفضل)) (7).
(1) أي منزله في الجنة.
(2)
أي قبره.
(3)
الغرض تعميم أنواع الرحمة والمغفرة في مقابلة أصناف المعصية والغفلة.
(4)
رواه مسلم.
(5)
رواه أبو داود بإسناد حسن.
(6)
رواه مسلم.
(7)
انظر: المجموع للنووي 5/ 254.