الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غرب غضبه المشتعل كيلا يقع في الإثم، ويحاذر أن يكون من المعتدين. وإن هذا الخلق في حس المسلم وواقع حياته لينسحب على الأموات أيضا، فلا ينطلق لسانه بسبهم كما يفعل الجهلة السفهاء الرعن الذين لا تقف ألسنتهم عند الأحياء، بل تتعداهم إلى الأموات، عملا بقول الرسول الكريم:((لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)) (1).
لا يرمي أحدا بفسق أو كفر بغير حق:
والمسلم الذي يصون لسانه عن السباب والشتائم والفحش يربأ بنفسه أن يقع فيما هو أدهى من ذلك وأمر، وهو تفسيق الناس وتكفيرهم بغير حق؛ فقد توعد الرسول صلى الله عليه وسلم من يرمي الأبرياء بذلك أن ترتد الرمية عليهم، فيبوءوا بإثمها الكبير:
((لا يرمي رجل رجلا بالفسق أو الكفر إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك)) (2).
حيي ستير:
ومن خلائق المسلم الحق أنه حيي ستير، لا يحب أن تشيع الفاحشة في المجتمع الإسلامي، عملا بتوجيهات القرآن الكريم والسنة المطهرة، التي جاءت تتوعد أولئك المفسدين الذين يحلو لهم أن يلغوا في أعراض الناس ويتحدثوا عن عوراتهم بأشد العذاب في الدنيا والآخرة:
(1) رواه البخاري.
(2)
رواه البخاري.
(3)
النور: 19.
ومن هنا كان الذي يطلق لسانه في نشر أخبار الفاحشة في المجتمع آثما كفاعلها سواء؛ فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ((القائل الفاحشة والذي يشيع بها في الإثم سواء)) (1).
إن الفرد في المجتمع الإسلامي ستير حيي مترفع عن الصغائر والدنايا، له من خلقه الرصين الذي رباه عليه الإسلام ما يصرفه عن الخوض في أعراض الناس، ويصون لسانه عن المجاهرة بالمعصية، سواء أكانت منه أم سمعها أو رآها من غيره، عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
((كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله)) (2).
وقوله:
((لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة)) (3).
وجاء قوم إلى عقبة بن عامر فقالوا: إن لنا جيرانا يشربون ويفعلون، أفنرفعهم إلى الإمام؟ قال: لا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((من رأى من مسلم عورة فسترها، كان كمن أحيا موءودة من قبرها)) (4).
إن معالجة الضعف البشري لا يكون بالتنقيب عن عورات الناس وعيوبهم، وفضحهم، والتشهير بهم، وإنما يكون بحسن عرض الحق على أسماعهم، وتزيين الطاعة لهم، وتكريه المعصية إليهم، دونما تصريح
(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
(2)
متفق عليه.
(3)
رواه مسلم.
(4)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
أو مواجهة أو مجابهة، فباللين والرفق وحسن التأتي تنفتح مغاليق القلوب، وتخشع الجوارح، وتلين النفوس. ومن هنا نهى الإسلام عن التجسس وتتبع عورات المسلمين. قال الله تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا
…
} (1).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه أتي برجل فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمرا، فقال: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به)) (2).
ذلك أن تتبع عورات المسلمين، والتجسس عليهم، والتنقيب عن لحظات ضعفهم وتقصيرهم، والتشهير بهم، يؤذي المسلمين المشهر بهم، ويؤذي بالتالي المجتمع الكبير الذي يعيشون فيه، فما شاعت الفاحشة في مجتمع، وكثرت في أعضائه الأقاويل، إلا دب فيه الانحلال، وهانت المعصية، وانتشرت البغضاء، وسرى الكيد، واستكنت الضغينة، وعم الفساد. وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك كله بقوله:
((إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم)) (3).
ومن هنا اشتد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تنبيه المسلمين إلى خطورة الولوغ في أعراض الناس، والتنقيب عن عوراتهم، مهددا من يستهين بذلك بهتك الستر عنه، وفضحه في جوف بيته، فقال:
((لا تؤذوا عباد الله، ولا تعيروهم، ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من تطلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته)) (4).
وفي رواية عن ابن عباس تصور انفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدته على هؤلاء الوالغين في الأعراض يقول فيها:
(1) الحجرات: 12.
(2)
رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم.
(3)
رواه أبو داود بإسناد صحيح.
(4)
رواه أحمد بإسناد حسن.