الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمسلم التقي الواعي من أرهف الناس إحساسا، وأكثرهم تقديرا لشعور الآخرين.
يحسن التوفيق بين إرضاء زوجه وبر والدته:
والزوج المسلم الصالح الواعي يعرف كيف يوفق بين إرضاء والدته وزوجه، فيستخدم ذكاءه ولباقته وحلمه وقوة شخصيته في تعامله معهما، بحيث لا يجور على أحد الطرفين، وبذلك لا يكون عاقا لوالدته ولا ظالما لزوجته، بل يعرف لوالدته حقوقها، ويقوم ببرها على أحسن وجه، ويعرف لزوجته أيضا حقوقها، فلا يهضم منها شيئا في سبيل بر الوالدة ورعايتها، وإن المسلم الصادق النبيه لقادر على هذا، ما دام متزودا بزاد التقوى، مسلحا بالأخلاق الرضية السمحة المستمدة من هدي الإسلام وتعاليمه الغراء، التي أنصفت كلا من الوالدة والزوجة، ووضعت كلا منهما في مكانه الصحيح.
يحسن القوامة على المرأة:
بهذه الأخلاق العالية، وبهذه المعاملة الحسنة، يملك الزوج المسلم قلب زوجته، فلا تعصي له أمرا، ومن هنا كانت القوامة للرجل المسلم على المرأة، بما حلاه الدين من صفات، وما زوده من مقومات، وبما ألزمه من ضوابط وتشريعات:
ولهذه القوامة تبعات، وعلى الرجل بسببها مسؤوليات؛ فالرجل مسؤول عن زوجته مسؤولية كاملة:
(1) النساء: 34.
((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته)) (1).
إنها المسؤولية التي تمسك بناصية كل فرد في المجتمع الإسلامي، فما
تجد أحدا فيه إلا مسؤولا عن جانب من جوانبه؟ ذلك أن الحياة في نظر الإسلام جد وعمل وبناء، يتطلب من كل فرد في المجتمع أن يكون مسؤولا، وليست هزلا وفراغا ولهوا.
وكما أن الإسلام أوصى بالمرأة وأعلى مكانتها، أمرها أن تعرف دورها في الحياة، وأن تقف عند الحدود التي رسمتها لها الشريعة، لتستطيع أن تؤدي رسالتها، وتقم بدورها، على النحو الأفضل، شريكة للرجل في تربية الأجيال، وتنضير الحياة بالمتعة والسعادة والجمال.
وإذ طلب الإسلام من الرجل أن يحسن صحبة المرأة ويستوصي بها خيرا، أمرها كذلك أن تطيع الرجل في حدود الحلال والإنصاف والعدل، وذهب في التشديد على هذه الطاعة مذهبا بعيدا، يصوره قول الرسول الكريم صلوات الله عليه:
((لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)) (2) بل إنه جعل رضا الزوج عنها سببا في دخولها الجنة:
((أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة)) (3).
وتوعد المرأة الناشزة المجافية زوجها باللعنات تصبها الملائكة عليها حتى تثوب إلى رشدها، وتصطلح مع زوجها:
(1) متفق عليه.
(2)
رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
(3)
رواه ابن ماجه والحاكم، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
((إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح)) (1).
وبلغ من حرص الإسلام الحنيف على تأكيد قوامة الرجل على المرأة، ووجوب طاعته وإرضائه أنه لم يأذن للزوجة بالصيام في غير شهر رمضان إلا بإذنه، ولا استقبال أحد من الضيوف إلا بإذنه:
((لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه)) (2).
لقد أعطى الإسلام للزوج حق القوامة على المرأة ليكون رجلا بحق، يعرف كيف يقي سفينة الحياة في أسرته نحو شاطىء السلامة والهدى والرشاد، وحذر الرجال قاطبة من أن تأخذهم الفتنة بالنساء، فتعشو أبصارهم، وتخور عزائمهم، ويرق دينهم، فيتغاضون عن انحراف النساء عن جادة الشرع، ثم يفلت من أيديهم الزمام، فإذا المرأة المنحرفة كل شيء في البيت، لا يعصى لها أمر، ولا ترد لها كلمة، ولا ترفض لها رغبة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جعل هذا أضر فتنة تصيب الرجال:
((ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)) (3).
إن الزوج المسلم الرجل لا يضعف أمام فتنة زوجته المنحرفة مهما طغت تلك الفتنة، ويفهمها بكل لطف ولباقة أن فتنتها إذا كانت حبيبة إلى نفسه، فإن مرضاة الله أحب، وأن مودة الرجل لزوجه مهما عظمت فهي دون حب الله ورسوله:
{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا
(1) متفق عليه.
(2)
رواه البخاري.
(3)
متفق عليه.
وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (1).
ومن هنا تنتفي من حياة المسلم الحق الصادق هذه المخالفات النسائية التي نجدها في بيوت كثيرة ممن ينتسبون إلى الإسلام.
إن الرجل الذي يرى بأم عينه زوجته وبناته وأخواته يخرجن إلى الشارع متبرجات كاسيات عاريات، قد حسرن عن رؤوسهن، وكشفن عن صدورهن وسواعدهن، ولا يبادر إلى تغيير هذا الواقع المنحرف عن هدي الله وأدب الإسلام إنما فقد رجولته وانحسر عن إسلامه، وباء بغضب من الله، ولن ينتشله من هذه الوهدة التي ارتكس فيها إلا توبة نصوح توقظ ضميره، وهزة عنيفة تحرك رجولته، وترده إلى الطريق القصد والصراط المستقيم.
لقد وضع الإسلام للمرأة آدابا، وخصها بزي مميز، وحدد لها لباسها الذي يسوغ لها أن تخرج فيه إلى الشارع، أو تظهر أمام الرجال غير المحارم، وهو ما يسمى بالحجاب الشرعي للمرأة المسلمة. والمرأة المسلمة التي رضعت لبان الإسلام، ونهلت من معينه الصافي، ونشأت في جوه الوارف الظليل، تتقبل هذا الحجاب بنفس راضية، وقلب مطمئن، واقتناع راسخ عميق، على أنه دين صادر عن الله عز وجل، وليس تعسفا من الرجال، ولا إرضاء لأنانياتهم وتحكمهم واستنثارهم بالمرأة، ولا تقليدا ابتدع في العصر الأموي زمن الوليد لتهتكه، كما يحلو للتافهين والتافهات والفارغين والفارغات أن يتبجحوا به من غير سند من علم، أو حجة من منطق، أو هدي من كتاب منير.
فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فيما رواه البخاري عنها، قالت: ((يرحم الله نساء المهاجرات الأول. لما أنزل الله {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى
(1) التوبة: 24.
جُيُوبِهِنَّ} شققن مروطهن، فاختمرن بها)). وفي رواية للبخاري أيضا:((أخذن أزرهن، فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها)).
وفي رواية عن صفية بنت شيبة، قالت:((بينا نحن عند عائشة رضي الله عنها ذكرنا نساء قريش وفضلهن، فقالت عائشة رضي الله عنها: إن لنساء قريش لفضلا، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، ولا أشد تصديقا لكتاب الله، ولا إيمانا بالتنزيل! لقد أنزلت سورة النور: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته، وعلى كل ذي قرابة، فما منهم امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل (1)، فاعتجرت به (2)، تصديقا وإيمانا بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات، كأن على رؤوسهن الغربان)) (3).
رحم الله نساء الأنصار، ما أقوى إيمانهن! وما أصدق إسلامهن! وما أجمل انصياعهن للحق حين نزوله! وإن كل مؤمنة بالله ورسوله حق الإيمان، لا يسعها إلا أن تتأسى بنساء الأنصار، فتلزم نفسها الزي الإسلامي المميز، غير عابئة بما يحيط بها من عري وتكشف وتبرج، وإني لأذكر موقف فتاة جامعية مسلمة متحجبة، لا يقل روعة عن موقف نساء الأنصار رضي الله عنهن: إذ سألها مراسل صحفي زار جامعة دمشق عن حجابها وعما يصبرها عليه في حر الصيف القائظ، فأجابته:{قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} .
بمثل هؤلاء الفتيات المسلمات الواعيات الطاهرات تعمر البيوت المسلمة، وتربى الأجيال على الفضيلة، ويزخر المجتمع بالرجال الأبطال العاملين البناة، وإنهن اليوم لكثيرات والحمد لله.
(1) هو كساء من صوت نقشت فيه تصاوير الرحال.
(2)
أي تلففت به.
(3)
انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري: كتاب التفسير.
والمسلم الصادق مسؤول عن التزام نسائه بآداب الإسلام في الخروج من بيوتهن، وعن اتخاذهن الحجاب الشرعي الذي غدا عنوان المرأة المسلمة وزيها المتميز الأصيل. ويوم تغلب الزوج زوجته أو بيئته على أمره، وتحملاته على تخطي هذا الحكم الشرعي، ويقف عاجزا أمامهما لا يبدئ ولا يعيد، فسلام على دينه وعلى رجولته معا.
على أن مسؤولية الزوج عن زوجه لا تقتصر على مظهرها الخارجي، وإنما تتعداه إلى عباداتها وسلوكها في الحياة؛ فهو مسؤول عنها إن قصرت في عبادة، أو فرطت في جنب الله بتهاون أو معصية، ومسؤول عن حسن سيرتها، واستقامة سلوكها، وقيامها بواجباتها، وأي تقصير منها في جانب من هذه الجوانب يخل برجولة الزوج، ويقدح في حسن إسلامه، ويخدش القوامة التي أكرمه بها الله.
ذلك أن الإسلام جعل المرأة أمانة في عنق الرجل، إذ غالبا ما تكون المرأة على دين زوجها، يقودها معه إما إلى الجنة، وإما إلى النار، ومن هنا كان أمر الله للمؤمنين في وقاية أنفسهم وأهليهم من النار معا، وقد جاء مصورا العاقبة المخيفة المروعة في مشهد رهيب، تنهلع لشدته القلوب، وتدار من هوله الرؤوس، إن هم تهاونوا في أمر نسائهم وذويهم، ولم يأطروهم على الحق أطرا:
إن قوامة الرجل على المرأة لا تتحقق كما أرادها الإسلام، إلا إذا كان الزوج رجلا ناجحا في قيادته لبيته وأسرته، والزوج المسلم لا يكون رجلا بغلظته وفظاظته وقسوته وعنفه وبطشه وسلاطة لسانه، فهذه رجولة الجاهلية، والرجولة
(1) التحريم: 6.
في الإسلام شيء آخر غير هذا كله. الرجولة في الإسلام: شخصية قوية جذابة محببة، وخلق عال نبيل، وتسامح وإغضاء وعفو عن الهفوات الصغيرة، ووقوف جاد حازم عند حدود الله، وتطبيق لأحكامه على أفراد الأسرة جميعا، وقيادة بارعة لبقة نحو الخير، وبذل وسخاء في غير سرف ولا تبذير، ونباهة ووعي وشعور عميق بالمسؤولية في الدنيا والآخرة، وإدراك للحالة المثلى التي ينبغي أن يكون عليها البيت المسلم الراشد، وهذه هي صفات المسلم الحق الذي أراده الإسلام.