الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا رب، إني قطعت، يا رب، إني
…
فيجيبها: ألا ترضين أن أقطع من قطعك وأصل من وصلك؟)) (1).
لقد أعلى الله من شأن الرحم، إذ جعلها شجنة من اسمه الرحمن، وكرمها، إذ اشتق اسمها من اسمه، فقال:
((أنا الرحمن، وأنا خلقت الرحم واشتققت لها من اسمي. فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته)) (2).
وفي ذلك إشارة للمسلم المرقف أن واصلها ينعم في ظلال رحمة ربه الوارفة الندية البرود، موصولا منعما مكرما، وأن قاطعها محروم من تلك الظلال، مبتوت شقي مهان.
المسلم واصل رحمه حسب هدي الإسلام:
ومن هنا كان المسلم التقي الواعي واصلا رحمه، لا تلهيه الدنيا، ولا المال ولا الزوجة والولد، عن تفقد ذوي رحمه وقرابته، وبرهم وإكرامهم ومعونتهم، وهو في ذلك يتبع هدي الإسلام الحنيف الذي نظم هذه الصلة، فجعلها متسلسلة حسب الأهمية والقرب، فبدأ بالأم، ثم بالأب، ثم بالأقرب فالأقرب؛ فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، من أحق بحسن الصحبة؟ قال:((أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك (3)(4).
وإن للمسلم في بره ذوي القربى لأجرين، أجر القرابة وأجر الصدقة، وهذا أدعى أن يتيمم في عطائه ذوي رحمه، إن كانوا بحاجة إلى المال،
(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
(2)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ورواه أحمد وأبو داود والترمذي.
(3)
أي الأقرب إليك فالأقرب.
(4)
متفق عليه.
فيغنم بذلك الأجرين عند الله، وخفق القلوب بحبه عند رحمه وذوي قرباه، وهذا ما حبب به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ودعا إليه في الحديث الذي روته زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن)). قالت: فرجعت إلى عبد الله بن مسعود فقلت له: إنك رجل خفيف ذات اليد (1)، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزئ عني (2)، وإلا صرفتها إلى غيركم. فقال عبد الله: بل ائته أنت، فانطلقت، فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة، فخرج علينا بلال، فقلنا له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك: أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما (3)، ولا تخبره من نحن، فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من هما؟ قال: امرأة من الأنصار وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أي الزيانب هي؟)) قال: امرأة عبد الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لهما أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة)) (4).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة)) (5).
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد أفضلية بر الأقربين في كل فرصة تسنح، وفي كل مناسبة تمر. فلما نزلت الآية:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (6)، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا رسول الله، إن الله
(1) أي قليل الحال.
(2)
أي دفع الصدقة لكم.
(3)
أي في ولايتهما.
(4)
متفق عليه.
(5)
رواه الترمذي وقال حديث حسن.
(6)
آل عمران: 92.