الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، فلما نزلت:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} ، نسخ الميراث وبقي النصر والإرفاد والإيثار والمواساة.
يدعو لإخوانه بظهر الغيب:
والمسلم الحق الصادق الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه، لا يفوته في ساعات الصفاء أن يدعو لأخيه بظهر الغيب، دعوة غائب لغائب، تتجلى فيها خفقة القلب المحب الصدوق، ورفة الروح الشفافة الحانية؛ ففي دعائه له بالخير تأكيا لمحبته إياه، وتوثيق لعروة الأخوة النقيه في قلبه، وإنه ليعلم أن هذه الدعوة الحارة أسرع الدعوات إجابة، لما تميزت به من إخلاص وصدق وصفاء، يؤكد ذلك قول الرسول الكريم:
((أسرع الدعاء إجابه دعاء غائب لغائب)) (1).
ولهذا طلب الرسول الكريم من عمر رضي الله عنه حين جاءه يستأذنه في العمرة أن يدعو له؛ فعن عمر رضي الله عنه قال: ((استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة، فأذن، وقال: ((لا تنسنا يا أخي من دعائك))، فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا)) (2).
وقد وقر هذا المعنى في نفوس الصحابة الكرام، فكانوا يطلبون الدعاء من إخوانهم كلما وقفوا موقفا يستجاب فيه الدعاء، يستوي في ذلك الرجال والنساء، مما يدل على ارتفاع مستوى المجتمع كله في تلك الفترة الوضيئة من تاريخنا؛ فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن صفوان بن عبد الله بن صفوان، وكانت تحته الدرداء بنت أبي الدرداء، قال: قدمت عليهم الشام، فوجدت أم الدرداء، في البيت، ولم أجد أبا الدرداء، قالت: أتريد الحج؟
(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
(2)
رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
قلت: نعم، قالت: فادع لنا بخير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:((إن دعوة المرء المسلم مستجابة لأخيه بظهر الغيب، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال: آمين، ولك بمثل)). قال: فلقيت أبا الدرداء في الشوق، فقال مثل ذلك، يأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لقد كان الرسول الكريم يربي في أصحابه الروح الجماعية، ويشيع بينهم شعور الغيرية، فيلفتهم في كل مناسبة إلى الإحساس بمعنى الأخوة الشاملة، بحيث لا يبقى في حس الأخ المسلم مجال للأنانية الضيقة الفردية، التي تعشي الأبصار، وتختم على القلوب، وتصدئ النفوس.
ومن لفتاته التربوية الرائعة التي تؤصل في النفس روح الأخوة الجماعية، وتقتلع بذور الأنانية الفردية، ما قاله لرجل هتف داعيا: اللهم اغفر لي ولمحمد وحدنا، قال له:((لقد حجبتها عن ناس كثيرين)) (1) فعلمه بذلك أن روح الإسلام تأبى على المسلم أن يستأثر بالخير وحده، ولو كان معه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن المؤمن ينبغي أن يحب لأخيه دوما ما يحب لنفسه.
وبعد، فهذا هو المسلم الحق، محب لإخوانه وأصدقائه، مخلص، ناصح لهم، أمين على سمعتهم وأعراضهم وأموالهم، في حضورهم وغيبتهم، مؤثر لهم على نفسه، متسامح عفو غفور لزلاتهم، وهو معهم لطيف العشرة، موطأ الكنف، حسن اللقاء، نقي السريرة، نظيف اليد واللسان والجوارح، جواد لا يبخل، صادق لا يكذب، ودود لا يجفو، وفي لا يخون، شهم لا يغدر، مستقيم لا يتلون، ولا عجب أن يتصف بهذا كله، إنه معجزة الإسلام، في صوغ الإنسان، إنه المسلم كما يريده الإسلام.
…
(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد.