الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معاملتهم الناس، تشهد لذلك الآثار الكثيرة التي تحكي سلوكهم الاجتماعي الراقي، ودقة تقديرهم للمشاعر الإنسانية. ومنها ما رواه الإمام مالك في الموطأ عن عبد الله بن دينار، قال:
((كنت أنا وابن عمر عند دار خالد بن عقبة التي في السوق، فجاء رجل
يريد أن يناجيه، وليس مع ابن عمر أحد غيري، فدعا ابن عمر رجلا آخر، حتى كنا أربعة، فقال لي وللرجل الثالث الذي دعا: استأخرا شيئا. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يتناج اثنان دون واحد)).
لم يرض ابن عمر أن يستمع إلى رجل جاء يناجيه من عرض الطريق فجأة، إذ وجد نفسه أمام ثالث قد يتأذى من إقصائه عنهما، لم يرض أن يستمع إلى سائله حتى استدعى رابعا، وأفهم الجميع أن هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرددا على مسامعهم الحديث الشريف، تأكيدا للمسلمين أن هذا هو الموقف الذي ينبغي أن يقفوه في مثل هذه الحالة، حرصا على مشاعر الناس، واتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
لا يتكبر:
والمسلم الحق لا يتكبر، ولا يصعر خده للناس، ولا يشمخ عليهم، مستعليا متجافيا منتفشا؛ لأن هدي القرآن ملء سمعه وقلبه وروحه، يهتف به أن المتكبرين إذا طاب لهم التبختر والتعالي والانتفاش كالديكة في هذه الدنيا الفانية، فإنهم قد خسروا الآخرة الباقية، التي حرمها الله على المتكبرين:
(1) القصص: 83.
ويلقي في سمعه أيضا أن الله لا يحب كل مختال فخور، يصغر خده للناس (1)، ويمشي في الأرض مرحا (2):
وينظر الباحث في نصوص السنة المطهرة، فيدهش لشدة عنايتها باستئصال شأفة الكبر من النفوس، بنهيها عنه وتنفيرها منه، وتحذير المبتلين بدائه من أن يخسروا آخرتهم كلها بمثقال ذرة من كبر، ينفثها الشيطان في روعهم، فيحرم عليهم دخول الجنان، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:
((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال: ((إن الله جميل يحب الجمال (4). الكبر بطر الحق (5)، وغمط الناس (6))) (7).
وعن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((ألا أخبركم بأهل النار: كل عتل (8)، جواظ (9) مستكبر)) (10).
وحسب المتكبرين خزيا ومهانة في الدار الآخرة أن الله تعالى لا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يكلمهم، ولا يزكيهم، جزاء وفاقا لما كانوا يستكبرون
(1) أي يميل خده معرضا عن الناس تكبرا عليهم.
(2)
المرح: التبختر.
(3)
لقمان: 18.
(4)
أي ليس ذلك من الكبر.
(5)
بطر الحق: دفعه.
(6)
أي احتقارهم.
(7)
رواه مسلم.
(8)
أي غليظ شديد.
(9)
أي مختال فى مشيته.
في الأرض، ويستعلون على الناس، وإنها لمهانة معنوية لا يقل وقعها المؤلم على النفوس الحساسة من وقع العذاب على الأجساد في الجحيم:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا)) (1).
ويقول: ((ثلاثة لا يكفلهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زاني، وملك كذاب، وعائل (2) مستكبر)) (3).
ذلك أن الكبرياء من صفات الألوهية، وليست من شأن البشر المخلوقين الضعفاء، وإن الذين يتكبرون ويتجبرون يعتدون على مقام الألوهية، وينازعون الخالق العظيم في صفة من صفاته العليا، ومن هنا استحقوا عذابه الأليم الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:
((قال الله عز وجل: العز إزاري، والكبرياء ردائي، فمن ينازعني في واحد منهما فقد عذبته)) (4).
ومن أجل ذلك تتابعت نصوص السنة المطهرة محذرة المؤمنين من أن تلابسهم نزوة من كبر في لحظة من لحظات الضعف الإنساني، ولونت لهم أساليب التحذير والتنبيه لكي يبقى المؤمنون الأتقياء في عصمة من الابتلاء بداء الكبر الوبيل.
ومن تلك النصوص المحذرة المنبهة قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
((من تعظم في نفسه، أو اختال في مشيته، لقي الله عز وجل، وهو عليه غضبان)) (5).
(1) متفق عليه.
(2)
أي فقير.
(3)
رواه مسلم.
(4)
رواه مسلم.
(5)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد.