الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلم عن غيره بالإخلاص العميق في الأخلاق التي يتصف بها، وبثبات هذه الأخلاق وديمومتها فيه، مهما تقلبت الأيام به وتغيرت الأحوال؛ ذلك أنها صادرة عن وجدان حي مرهف يستحيي من مقارفة الخيانة، وحياؤه من الله المطلع على الخبيء من أسراره، قبل حيائه من الناس المطلعين على الظاهر من أخباره، وهذا الحياء من الله هو مفرق الطريق بين أخلاق المسلم وأخلاق غير المسلم.
رفيق بالناس:
والمسلم الحق لطيف متأن رفيق بالناس، حين يحسن اللطف، ويستحب الرفق، وتحمد الأناة؛ ذلك أن اللطف والرفق والأناة خصال حميدة، يحبها الله في عباده المؤمنين، لأنها تكسب من تحلى بها دماثة الخلق، وررقة الجانب، وحسن العشرة، وتجعله قريبا من نفوس الناس، محببا إلى قلوبهم:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (1).
ولقد جاءت النصوص متضافرة متتابعة، تحبب في الرفق، وتحض عليه، وتؤكد أنه خلق عال ينبغي أن يسود مجتمع المسلمين، ويتصف به كل مسلم عاش في هذا المجتمع، ووعى أحكام دينه، واستنار بهديه اللألاء، وحسب المسلم أن يعلم أن الرفق من صفات الله تعالى العليا التي أحبها لعباده في الأمور كلها:
((إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)) (2).
(1) فصلت: 34، 35.
(2)
متفق عليه.
وإنه لخلق عظيم يثيب الله عليه من عطائه الجزل ما لا يثيبه على خلق آخر: ((إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه)) (1).
ويشيد الهدي النبوي العالي بالرفق، فيجعله زينة كل شيء، ما حل في شيء إلا زانه وحببه إلى النفوس والأبصار، وما نرع من شيء إلا شانه ونفر منه القلوب والأرواح:
((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)) (2).
وكان الرسول الكريم صلوات الله عليه يعلم المسلمين الرفق في معاملة الناس، ويسددهم إلى التصرف اللبق الأمثل الذي يليق بالمسلم الداعية إلى دين الله الرحيم الرفيق بالعباد، مهما كان الموقف مثيرا للحفائظ، داعيا للغضب والاشمئزار.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بال أعرابي في المسجد، فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا (3) من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين)) (4).
فبالرفق والتيسير واللين والسماحة تفتح مغالق القلوب، ويدعى الناس إلى الحق، لا بالعنف والتعسير والشدة والمؤاخذة والزجر، ومن هنا كان من هدي الرسول الكريم في هذا الباب:
((بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا)) (5).
(1) رواه مسلم.
(2)
رواه مسلم:
(3)
السجل: الدلو الممتلئة ماء، وكذلك الذنوب.
(4)
رواه البخاري.
(5)
متفق عليه.
ذلك أن الناس ينفرون بطبائعهم من الفظاظة والخشونة والعنف، ويألفون الرقة والدماثة واللين والرفق، ومن هنا كان قول الله تبارك وتعالى لنبيه الكريم:
{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (1).
وإنه لقول خالد، ودستور مقيم ثابت، لكل داعية تصدى لدعوة الناس إلى الهدى، إذ عليه أن يحسن التأتي إلى قلوبهم، ويسلك سبيل الرفق واللباقة واللين، ولو كان المدعو من الطغاة العتاة الظالمين، وهذا ما زود الله به نبيه موسه عليه السلام وأخاه هرون حين أرسلهما إلى فرعون:
فلا بدع أن يكون الرفق في هدي هذا الدين هو الخير كله، من أوتيه فقد حاز الخير كله، ومن حرمه حرم الخير كله، وذلك في الحديث الذي رواه جرير بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((من يحرم الرفق يحرم الخير)) (3).
ولقد بين الهدي النبوي العالي أن هذا الخير ينصب على الأفراد والبيوت والأقوام إذا ساد حياتهم الرفق، وكان من خلائقهم الغر الحسان، نجد ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم لها:
((يا عائشة ارفقي فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيرا دلهم على الرفق)) (4).
وفي رواية: ((إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق)) (5).
(1) آل عمران: 159.
(2)
طه: 43.
(3)
رواه مسلم.
(4)
رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.
(5)
رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.