الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزوجية ومحضن الفراغ الزغب البشاشة والأمن والرضا، وتكون بالتالي مربية الأجيال، وصانعة الأبطال، ومنشئة العباقرة. وإنه للحرص من رسول الإسلام العظيم على أن يبنى الزواج على أساس مكين راسخ متوازن من مطالب الجسم والعقل والروح والعاطفة، ليكون قويا لا يزعزعه تنافر الأمزجة، ولا تعصف به نزوات النفوس، ومن هنا كان المسلم الحق المستهدي شريعة الله في خطواته كلها بصيرا، لا يقع في حبائل خضراء الدمن، وهي المرأة الحسناء في منبت السوء، بل يقول للناس مع القائل:((إياكم وخضراء الدمن)) (1).
يلتزم هدي الإسلام في حياته الزوجية:
والمسلم الحق الصادق ملزم بعد زواجه بالسير على هدي الإسلام العالي في معاشرته لزوجته وتعامله معها. ولو رحنا نتدبر هدي الإسلام العظيم في توصيته بالمرأة، والحض على تكريمها وحسن معاملتها لرأينا عجبا.
لقد أوصى الإسلام بالمرأة، وأحلها مكانة ما عرفتها يقينا في غير هذا الدين. فها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهيب بالرجال جميعا:
((إستوصوا بالنساء خيرا، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء)) (2).
وفي رواية في الصحيحين: ((المرأة كالضلع: إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها، وفيها عوج)).
وفي رواية لمسلم: ((إن المرأة خلقت من ظلع، لن تستقيم لك على
(1) هذا القول ليس بحديث.
(2)
متفق عليه.
طريقة، فإن استمتعت بها، استمتعت بها وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها)).
إن في هذا التمثيل النبوي البليغ لبيانا رائعا لحقيقة المرأة ومزاجها الذي فطرت عليه؛ فهي لا تستقيم على حال واحدة كما يريد الزوج، فينبغي أن يعلم الزوج المسلم أن ذلك فيها سجية وطبع وخليقة، فلا يحاولن أن يقيمها على الجادة التي وقر في خلده أنها الصواب أو الكمال، وليراعين مزاجها الأنثوي الخاص، وليقبلها كما خلقها الله، وفيها عوج عما يريد ويرغب في بعض الأمور، وإن أبى إلا أن يقيمها على إرادته ومزاجه، فمثله كمثل من أبى إلا أن يقيم اعوجاج الضلع، فإذا هو ينكسر بين يديه، وكسر المرأة طلاقها.
وحينما يستقر في وجدان الزوج المسلم الصادق هذا الهدي النبوي العالي، المبني على تفهم عميق لنفسية المرأة ومزاجها، يتسامح في كثير من هفوات زوجه، ويغض الطرف عن عديد من هنواتها، تقديرا منه لخلقتها وفطرتها، فإذا بيت الزوجية آمن هادئ سعيد، لا صراخ فيه ولا صخب ولا خصام
…
وإن المتأمل نص هذا الحديث ليلاحظ أن النبي الكريم صدر حديثه بعبارة: ((استوصوا بالنساء خيرا)). ثم عاد بعد تحليله شخصيتها فختم الحديث بالعبارة ذاتها: ((فاستوصوا بالنساء)). فما أشد عناية الرسول الكريم بالمرأة! وما أعمق فهقه لنفسيتها! وما أكثر حدبه عليها! وهل يسع الزوج المسلم الصادق إلا أن يتمثل هذا الهدي الكريم، ويعمل به في كل آن؟.
وتبلغ عناية الرسول الكريم بالمرأة أنه لم ينس أن يلمع إلى التوصية بها
في خطبة حجة الوداع، وهي الخطبة التي اعتصر فيها ما ينبغي قوله للمسلمين بعد لن أحس أن هذه آخر وقفة له معهم في الحج، لم يفته في هذه الخطبة
الجليلة الحافلة أن يوصي بالنساء، مفتتحا حديثه عنهن بهذا التنبيه الدال على العناية والاهتمام:
((ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم ليس تملكون منهن
شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فحقكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن)) (1).
إنها الوصية التي يسمعها كل زوج مسلم صادق واع، فيرى فيها الهدي النبوي الحكيم في تحديد الحقوق والواجبات على الأزواج والزوجات، في إطار من الرحمة بالنساء والحدب عليهن والإحسان إليهن، مما لا يدع مجالا للتفكير. بظلم الزوجة أو الإضرار بها في بيت الزوجية المسلم.
وتتعدد توصيات الرسول الكريم بالمرأة، حتى تبلغ حدا يجعل الزوج المحسن لزوجته من خيار الأمة وصفوتها:
((أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم)) (2).
وجاءت نسوة إلى آل الرسول الكريم يشكون أزواجهن، فأعلن الرسول صلوات الله عليه على أسماع الرجال:
((لقد أطاف بال محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم)).
(1) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
(2)
رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
ويسمو الإسلام الحنيف في إنصاف المرأة وتكريمها، وتوصية الزوج بحسن معاشرتها حتى ولو كان كارها لها، وهذا ما لم تصل إليه المرأة في تاريخها كله إلا في هذا الدين. يقول الله تعالى في محكم كتابه:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (1).
إن هذه الآية الكريمة لتلمس وجدان المسلم الصادق، فتهدئ من فورة غضبه، وتفثأ من حدة كراهيته لزوجته، وبذلك يقي الإسلام عروة الزوجية من الانفصام، ويحفظ الرباط المقدس أن يكون عرضة لنزوة العاطفة المتقلبة، وحماقة الميل الأهوج الطائر هنا وهناك. وما أعظم قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل أراد أن يطلق زوجته لأنه يكرهها:((ويحك ألم تبن البيوت إلا على الدين؟ فأين الرعاية والتذمم؟)).
إن عقدة الزوجية في الإسلام لأكبر من النزوات العاطفية الصغيرة، وأجل من ضغط الميل الحيواني المسعور، وإن في المسلم الحق من المروءة والنبل والتجمل والاحتمال وسعة الصدر وسمو الخلق ما يجعله يرتفع في تعامله مع زوجته التي يكره، بعيدا جدا عن نزوات البهيمة، وطمع التاجر، وتفاهة الفارغ.
بل إن المسلم الحق لا يسعه إلا أن يمتثل أمر ربه، فيحسن معاشرة زوجته، ولو كان كارها لها؛ ذلك أنه يتدبر قول ربه العليم الخبير بما خفي عليه، وهو كثير، بأن الإنسان قد يكره الشيء ويعافه ويود الابتعاد عنه، وهو محفوف بالخير، مفعم بالبركة، ولذلك فإن المسلم الواعي يعرف كيف يحب، ويعرف كيف يكره، فلا يندفع مع من أحب اندفاع الأهوج الأعمى،
(1) النساء:19.